هل عرقل بنكيران مُشاورات تشكيل الحكومة؟

وإذا كان الرجل صامداً من أجل احترام إرادة الناخبين، وعدم إهانة أصواتهم، وإذا كان ساعياً لترسيخ المبادئ والقيم والديمقراطية في الحياة السياسية التي صارت مليئة بالعبث، وإذا كان الرجل قد توافق مع حلفائه المفترضين في كل مرحلة ويبدي حسن نيته ورغبته في التعاون، فالمفروض أن يسهلوا عليه مهمته أكثر لا أن يعقدوها، وأن يتعاونوا معه لا أن يلعبوا عليه.

عربي بوست
تم النشر: 2017/03/08 الساعة 00:58 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2017/03/08 الساعة 00:58 بتوقيت غرينتش

بعد التوقف المبالغ فيه الذي عرفه مسلسل مشاورات تشكيل الحكومة بالمغرب فيما صار يُعرف إعلامياً بـ"البلوكاج الحكومي"، تعالت أصوات تحمّل المسؤولية في ما حصل لرئيس الحكومة المكلف عبد الإله بنكيران، مُعتبرة أن تشكيل الحكومة سيتم بمجرد تواري هذا الأخير عن المشهد الحكومي والسياسي.

في العالم كلّه، لا يختلف عاقلان حول عدم وجود من يعرقل مشاريعه ومهماته بنفسه ويحول دون نجاحها؛ بل كل شخص يُكلف بمهمة ما أو يشرع في مشروع ما إلا ويسارع الخطى لتكليلها بالنجاح، ونفس الأمر ينطبق على عبد الإله بنكيران الأمين العام لحزب العدالة والتنمية، رئيس الحُكومة المكلف.
فـ"بنكيران" رئيس للحكومة وفقاً للوثيقة الدستورية وبثقة شعبية وبتعيين وتكليف ملكيين، مسنود بقواعد وقيادات حزبه الذي حصل على المرتبة الأولى في استحقاقات السابع من أكتوبر/تشرين الأول الماضي، وهذا ما يجعل من واجبه أن يوفر كل الظروف الملائمة لإخراج الحكومة في أسرع الأوقات بسعي حثيث لنجاح مهمته.

وبالعودة إلى الحلقات الأولى من مسلسل مشاورات تشكيل الحكومة، نجد أن بنكيران حرص على احترام الأسبقية في المشاورات للأغلبية السابقة، وهو ما جعله ينتظر حزباً بعينه ويوقف المشاورات لأجله حتى يرمم بيته الداخلي، وبعد الاستئناف انتقل إلى أحزاب الكُتلة، وقبل وبعد كل هذا وذاك تعامل بمنطق التعاون والتوافق لا بمنطق التنازع طيلة الفترة السابقة والأكيد حتى خلال مستقبل الأيام؛ لأنه منطق بل مبدأ ثابت لدى حزب العدالة والتنمية.

نفس المنطق التوافقي تعامل به بنكيران مع حلفائه المفترضين حتى في اشتراطاتهم من أجل تشكيل الحكومة، والشاهد هنا هو التنازل على مشاركة حزب الاستقلال، وقبوله بحزب الاتحاد الدستوري بحكم أنه أصبح يشكل فريقاً برلمانياً واحداً مع حزب التجمع الوطني للأحرار، وفي كل مرة يعلن الرجل صموده على المبدأ والمنطق ذاته.

دُستورياً، لا خيار أمام هذا الانسداد الذي يعرفه باب المشاورات سوى تشكيل الحكومة أو استقالة عبد الإله بنكيران والعودة إلى أصوات الشعب، وكل عرقلة لا يتحمل مسؤوليتها إلا الطرف الآخر الذي يعرقل في كل مرة يتقدم فيها مسلسل المشاورات باشتراطه شروطاً جديدة كفرضه للاتحاد الاشتراكي، بعد تجاوز نقطتي الخلاف المتعلقتين بحزبي الاستقلال والاتحاد الدستوري.

أكثر المتفائلين حول ما يقع اليوم من انسداد للأفق الحُكومي، وما وقع من اشتراطات سالفة الذكر، يجد نفسه أمام أسئلة كثيرة، منها ماذا بعد قبول بنكيران بالاتحاد الاشتراكي كواحد من حلفائه؟ وهل ستنتهي سلسلة الشروط في كل مرة يُتجاوز فيها نقطة خلاف ما؟!

فالأكيد ومن خلال ما سبق أن مسلسل الاشتراطات لن يقف عند هذا الحد، وكأن المُراد هو اشتراطات أكثر من أجل تنازلات أكبر، وكأن المقصود أيضاً ليس ضمان الانسجام الحكومي وأغلبية مريحة؛ بل الاحتكام إلى منطق كسر العظام الحزبي ضد العدالة والتنمية لصالح أحزاب أخرى لغاية انتخابية صرفة.

وإذا كان الرجل صامداً من أجل احترام إرادة الناخبين، وعدم إهانة أصواتهم، وإذا كان ساعياً لترسيخ المبادئ والقيم والديمقراطية في الحياة السياسية التي صارت مليئة بالعبث، وإذا كان الرجل قد توافق مع حلفائه المفترضين في كل مرحلة ويبدي حسن نيته ورغبته في التعاون، فالمفروض أن يسهلوا عليه مهمته أكثر لا أن يعقدوها، وأن يتعاونوا معه لا أن يلعبوا عليه.

إن اتهام بنكيران وعبره حزب العدالة والتنمية بعرقلة مُشاورات تشكيل الحكومة ليس إلا تغطية للشمس بالغربال، فمن يحاول نسب "البلوكاج" لرئيس الحُكومة يسعى إلى التضليل وتشتيت ذهن المتتبع، وتهريب النقاش الحقيقي، كما يهدف إلى عدم إثارة الأسئلة الجوهرية حول مدى احترام الديمقراطية وصناديق الاقتراع وقيمة أصوات الناخبين ومن انتخبوهم وكرامة المواطنين والمؤسسات، وأيضاً حول مدى استقلالية القرار الحزبي لبعض الأحزاب.

ملحوظة:

التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

تحميل المزيد