انتفاضة العيش هى الانذار الاخير

احتجاجات الفقراء العفوية، التي اندلعت مؤخراً بخمس محافظات مصرية، هي الإنذار الأخير للنظام الحاكم، قبل إعلان الشعب المطالبة بإسقاط النظام كمطلب جماعي متفق عليه؛ لأنها لم تكن احتجاجات لأجل الترفيه، وإنما هي لأبسط حق للمواطن في الحياة (العيش)

عربي بوست
تم النشر: 2017/03/13 الساعة 01:53 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2017/03/13 الساعة 01:53 بتوقيت غرينتش

احتجاجات الفقراء العفوية، التي اندلعت مؤخراً بخمس محافظات مصرية، هي الإنذار الأخير للنظام الحاكم، قبل إعلان الشعب المطالبة بإسقاط النظام كمطلب جماعي متفق عليه؛ لأنها لم تكن احتجاجات لأجل الترفيه، وإنما هي لأبسط حق للمواطن في الحياة (العيش)، فالشعب قد صبر كثيراً على إخفاقات النظام الحاكم الاقتصادية، وعبثه بحق المواطن البسيط في أدنى متطلبات الحياة، وعجزه عن توفير حماية اقتصادية لمحدودي الدخل والفقراء، واستمراره في توجيه مقدرات الوطن جملة إلى أفراد النظام وحاشيته فقط، وترك الشعب فريسة للفقر والمرض، فقد أعلنها المحتجون بالأمس: "جاع الشعب والنظام لم يشبع بعد".

مؤكد أن انتفاض الفقراء بالأمس دفاعاً عن حقهم في حياة أقل من الحياة صدع جميع مقاعد السلطة وأيضاً مقاعد النخبة؛ لأن مواجهة الجوع الشعبوي أصعب بكثير من مواجهة النشاط السياسي، فالشعبوية حينما تخرج عن سيطرة السلطة الحاكمة يستحيل السيطرة على احتجاجاتها وإدارتها، ولا تصلح معها المواجهات الأمنية، فهي قنبلة اجتماعية ذات أسلاك متشعبة إذا نشبت النار في واحد منها اشتعلت جميع أطرافها ولا تنطفئ إلا بإحداث تغيير فوري في الوضع الاقتصادي العام الراكض في البؤس، وهذا لن يحدث في ظل هذه السلطة التي تصاحب الفشل أينما ذهبت وحينما قررت، ففشلها الدائم أفقد غالبية المجتمع ثقته بها، ولن يعد يصدق وعودها أو ينصت لخطاباتها العاجزة عن إقناع الرضع وليس الكبار، فتوالت الأزمات وتنوعت واختلفت، مروراً بأزمة لبن الأطفال وأزمة ارتفاع أسعار المتطلبات المعيشية، وأزمة الدولار وغيرها، والحلول كما هي، وعود بالإصلاح الاقتصادي وفرض المزيد من الضرائب، وخطابات استعطافية لرأس النظام الحاكم، وأبواق إعلامية تضع البسطاء بين نار الفقر والجوع ونار مصير بعض شعوب دول الجوار التي فقدت أوطانها.

من الحمق أن يتمسك أحد اليوم بتوجهات سياسية والوطن يواجه خطر التهاوي بين ثورة الفقراء وثورة الصغار معاً، فأكثر من نصف سكان مصر اليوم من الشباب تحت 21 عاماً وجميعهم مهمشون ولا يوجد من يقودهم ويرشدهم أو يمثلهم سياسياً واجتماعياً، وبالتالي هم أقوى وقود لأي احتجاجات تحدث الآن وسيكون رد فعلهم شديداً جداً، فقطع الطرق العامة الذي حدث بالأمس يعتبر أمراً عقلانياً ومنضبطاً إلى حد كبير، مقارنةً بما يمكن أن يقوم به الشباب، فلا يستطيع أحد أن يتوقع ما يمكن أن تفعله هذه الكتلة النشطة والمؤثرة حال مواجهتهم؛ نظراً للتصفية التي حدثت على مدار الأعوام الثلاثة الماضية للقوى المركزية المصرية من قِبَل السلطة الحاكمة، فالمجتمع المصري اليوم بلا أعمدة أو ركائز حقيقية يمكن أن يستند عليها في حال سقوط النظام الحاكم، فالمكون العسكري الذي سيطر على مفاصل الدولة خلال الفترة الماضية قام بتصفية جميع مراكز القوى، خاصة السياسية والاجتماعية منها، بهدف قطع الطريق أمام كل من يسعى لصناعة بديل قوي له، قادر على إدارة الدولة ومؤسساتها عند سقوطه، فعلى الجميع اليوم أن يعيد ترتيب أولوياته؛ لأن لهب الاحتجاجات الفجائية لن يكون برداً ولا سلاماً على أحد.

مؤشرات عجز النظام الحاكم عن السيطرة على احتجاجات المواطن البسيط ظهرت بقوة مع ظهور سيارات وزارة الداخلية تحمل الخبز وتقوم بتوزيعه على المواطنين المحتجين والمتضررين من سياسات الحكومة، بالرغم من أنها ليست الجهة المنوط بها القيام بهذا العمل، وهذا يوضح خشية السلطة الحاكمة من ارتفاع معدل الغضب الشعبي، وتكرار سيناريو يناير/كانون الثاني عام 1977 الذي كاد يُطيح بالنظام الحاكم حينها، ولكن هذه الحلول ما هي إلا كسابقتها من الحلول، وهي مجرد مسكنات مؤقتة معدومة التأثير، فلا بد من التعامل الجدّي مع الأزمة، ووضع حلول سريعة لقوس الأزمات المعيشية الذي يحيط بالفقراء، فالسلطة التي لا تملك قوت المحكومين لا تملك إمكانية إصدار القرارات، وبقاؤها في سدة الحكم يهدد بقاء الوطن واستقراره.

ملحوظة:

التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

علامات:
تحميل المزيد