"إن فنجان القهوة أو الشاي لكثير من الناس في الشرق أو الغرب هو علامة (فارقة) في روتين السلوك الشخصي" – أنتوني غدنز.
مررت بهذه المقولة في أحد الكتب وعشرات المشاهد تداعت معه:
مشهد عامل في الصناعية يشرب (الشاي) دون سكر؛ ليتعود على مرارة الحياة!
و"علي" حين يجهز فنجان (الشاي) كل صباح قبل صعود التريلة!
وكوب (قهوة) حمَل علامة تجارية يدخل به شاب حرَمَ الجامعة، وفتاة تسجل حضورها فتلتقط صورة لمعصمها الأنيق وهي تحتضن (القهوة)، وحتى هذا اليوم ينأى الشاي بنفسه عن تعقيدات القهوة، فيحضر في صباحات الكدح، ويُحجب في ساعات الانتظار ومحطات السفر!
يسمى الشاي "خَمرة المناضلين"، ويمثل الطبقة المهترئة التي تتعب أكثر وتتقاضى أقل.
لم يسبق للشاي أن يصبح "فاشن"، وأقصى ثناء سمعته حين أخبرتني أمي ذات مرض أنه جيد للغرغرة.
الصلف كلّه في حضرة القهوة، هل يمكن أن تدخل مقهى (…) دون أن تكون cool لتتناسب مع الأجواء؟!
طريقة الجلوس وتشبيك الأيادي والاندماج مع الكمبيوتر المحمول ودعواك أن (تقلبات الحياة لا تعنيك)..
وعلى حد تعبير دوستوفيسكي: تهرب ولا تعترف بالحريق الذي بداخلك، وتقول بأنه حفلة شواء.
وإن تظاهرت بالهدوء فأنت كمن يسير وفي حذائه حصاة، تؤلمه كلما وضع باطن قدمه.
يقول ياسر حارب في كتابه بيكاسو وستاربكس:
"في ستاربكس قد تكون حراً إلا أنك تبقى مقيداً، وقد تفكر مثل بيكاسو (الرسام) إلا أنك لن تبدع مثله".
مرة مع صديق مررنا بكافيه داخل مول يجلس فيه شباب فرادى ومثنى، فعلّق هذا الصديق:
من هنا تنبع "مثاليات" هاشتاغ #قهوة_الصباح.
تلك المثاليات والمبالغة تشبه تماماً التي تحملك على وضع 5 أكياس سكر في كوب، والمجاملة والتكلف كالتي تجعلك تتجرعها وتدفع الثمن ولو زاد!
الشاي يمثل نمط حياة طبيعية، فالشاي لا يتصنع ولا يضع ميك أب فيتحول كابتشينو أو اسبريسوا، بل يظهر على حقيقته، وإن كان من حاجة يُخضّب بالنعناع أو الحبق، دون الحاجة للتمظهر وليّ المصطلحات، الشاي نبتة لم تتعرض حتى الآن للتسليع، تشعر أنك اخترت شربها ولم تدهسك حملة دعائية ساقتك سوقاً.
للمسيري قصة مع فخاخ الدعاية يقول: كنت مولعاً بالسفر وهدوءات المطار واستخدام الدرجة السياحية، إلى أن رأيت إعلاناً لإحدى شركات الطيران يصور مدى اتساع كراسي الدرجة الأولى، وصورة راكب ممدد على كرسيّه الوثير، مقارنة براكب الدرجة السياحية الذي تظهر صورته وهو يتقلب من الألم في كرسيه، ويلكزه جاره عن غير قصد.
يقول معلقاً: منذ تلك اللحظة أصبح السفر بالدرجة السياحية مسألة مؤلمة بالنسبة لي!
هذا المسيري الرجل الواعي والمدرك لما حوله فكيف بالبسيط الذي تتلقفه وسائل الإعلام؟!
هل جربت الاستيقاظ صباحاً دون الشعور بسد النقص عن طريق كوب قهوة مرقوم بشعار أخضر؟!
هل ذقت قدسية أن لا تكون راحة بالك مناطة بسلعة باهظة، وأنك على ما يرام دونها؟!
هل جربت فضيلة أن لا تكون لأحد، وألا تدعسك مجرفة التسليع؟!
تعوّذ من فنجان قهوة يحقنك بالصمت ويفتح لك ألبوم الأمس، واستشفِ بكوب شاي يحركك ويطوّعك للأمام، تواجه به سؤال: ما العمل الآن؟
ويا لَفضيلة العمل!
يحضر الشاي بدون جنسية أو نزعة قومية، أما القهوة أميركية وتركية وقصيمية وفرنسية وإيطالية… إلخ.
لست هنا لأسوّق لسلعة دون سلعة، ولا لأسبح عكس تيار، أو أقع في شراك العبط، لكن استفزتني مقولة (أنتوني) أن خلف الكوب روتين سلوك شخصي "وأُحِب لك ألا تكون لأحد".
القهوة نبتة كانت ترتع في اليمن ثم كأي عربي أُجبرت على المغادرة بهدف تحسين المعيشة فانتزعتها أقدام مراوغ برازيلي فبارت سوقه في الملاعب وشاشات العرض!
إن كان ولا بد يا صاحِ فقهوة "شقراء" تشبه الذين لا نلتقيهم إلا نادراً يتراءون بخصال كأنها سبائك من ذهب، تتسلل للريق كقطرة ماء في خلوف الصائم.. ما لم فأهلاً بالشاي والغرغرة.
ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هاف بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.