تحليل للظواهر المفاجئة في المجتمع المغربي

لقد صار المغربي يشعر في هذه المرحلة بوضعية الطوارئ، وأن التغيير أصبح من الحالات المستعجلة ولم يعد لديه وقت للعلاج بالتأني؛ لأنه يفتقد القدرات والمهارات الوطنية والاجتماعية التي كان عليه أن يكتسبها في صغره من طرف الأوصياء عليه، الآباء والتعليم، وهذا بطبيعة الحال ليس خطأه؛ لأنه كان في غيبوبة "الحكرة".

عربي بوست
تم النشر: 2017/12/05 الساعة 02:32 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2017/12/05 الساعة 02:32 بتوقيت غرينتش

في فترة وجيزة نرى تغييراً غير مسبوق في الديناميكية الاجتماعية المغربية، وكأن المغربي يخرج من غيبوبة طويلة، ويرجع إلى الحياة ولكن بشكل جديد.

المغربي طالما كان مثل الطفل الذي يتقبل ظروفه، ويظن أن كل الأطفال يعيشون نفس الظروف بحكم العيش داخل المنزل، وداخل حيّه، ولا يرى ما يقع في الجهات الأخرى.

المغربي وصل الآن إلى سن المراهقة، وبدأ في تعلم تسيير حياته وأخذ استقلاليته وشرع في اكتشاف الواقع، رافضاً أن يستمر على نمط العيش الذي كان عليه طفلاً.

اكتشف أنه كان يعيش في "الحكرة" وامتلك الآن أجهزة تمكّنه من التواصل الاجتماعي ووجد الأغلبية من أقرانه حول العالم قد مرت بنفس التجارب، وبدأت تعبر عن رفض الاستمرار في العيش بدون كرامة والحرمان حرية التعبير، وغياب العدل والمساواة وتكافؤ الفرص.

لقد بدأ المغربي مرحلة مراهقته وهو يشعر أنه ليس الوحيد الذي يريد التغيير المجتمعي، وبدأ يعي أنه مواطن مغربي وله حقوقه وواجباته، وله مسؤولية في بناء المجتمع.

لكن المغربي لم يتعلم من قبل أنه مواطن ولم يتعلم ما هي واجباته وحقوقه، ولكن فجأة مع دخوله في طَور المراهقة الاجتماعية وخروجه من غيبوبة "الحكرة" اصطدم فجأة بِـ"الشّْمْتَة" و"التّْقوليبَة" ويريد على الفور تغييراً مفاجئاً وسريعاً لاسترجاع كرامته وحقوقه في أقرب وقت، وبدأ يحطم قيود المقدسات الاجتماعية التي كانت مفروضة لحمايته والوصاية عليه.

لقد صار المغربي يشعر في هذه المرحلة بوضعية الطوارئ، وأن التغيير أصبح من الحالات المستعجلة ولم يعد لديه وقت للعلاج بالتأني؛ لأنه يفتقد القدرات والمهارات الوطنية والاجتماعية التي كان عليه أن يكتسبها في صغره من طرف الأوصياء عليه، الآباء والتعليم، وهذا بطبيعة الحال ليس خطأه؛ لأنه كان في غيبوبة "الحكرة".

نحن أمام منزل على حافة الانهيار والمغربي بعد استيقاظه من غيبوبة "الحكرة" ليس لديه أي تكوين لترميم هذا المنزل، ومن شدة خوفه من أن ينهار عليه قرر الاستعجال في تحطيمه لبناء منزل جديد.

وهذا التحطيم هو ما نراه يقع حالياً في تغييرات مفاجئة وصادمة في مجتمعنا، مثل سلسلة حراك الريف، والاعتداءات العنيفة على رجال التعليم، والانتهاكات الجنسية الفردية والجماعية على الإنسان، وحتى على الحيوان وفي الأماكن العامة، العنف والقتل في المقاهي على أتفه الأسباب، وسقوط القتلى في التزاحم من أجل الدقيق، والانتحار حرقاً أمام مؤسسات عمومية ودينية.

كل هذه الحوادث وقعت في وسط المدن وتحت الأضواء وأمام الجمهور، وهذا أمر غير عادي في النمط المعهود لعالم الإجرام.

إن كل هذه السيناريوهات الواقعة يومياً هي مؤشرات وأعراض خطيرة ودقات أجراس الخطر.

لقد صار المجتمع أشبه بالمريض الذي يفيق من الغيبوبة وهو في حالة ارتباك واضطراب حتى إنه لا يعرف ما يقول.

إن التغيير يستوجب دائماً قوتين؛ قوة الهدم، وقوة البناء، وهذه الأخيرة يجب أن تمشي بوتيرة أكبر من الأولى، وإلا سنجد أنفسنا تحت طغيان الهدم المدمِّر لمقومات المجتمع.

إن ما يقع في مجتمعنا هو إيجابي في نظري، فهي أزمة المراهقة ومرحلة المراهقة إذا كانت مُؤطرة وكانت لها مرافقة سليمة (قوة البناء الإيجابية) فستنتج لنا مواطناً راشداً متوازناً ومسؤولاً على بناء مجتمعه.

لقد صار علينا الآن تكوين طاقم الطوارئ وتجهيز برامج القوى البنّاءة للتصدي لطغيان سلبيات قُوى الهدم.

ملحوظة:

التدوينات المنشورة في مدونات هاف بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

تحميل المزيد