الوجه الآخر للجوء

ليس كل من خرج من سوريا من اللاجئين أصبحت حالته مأساة كالتي تُتلى في نشرات الأخبار، فالبعض عوضه الله بهجرته إلى ما هاجر إليه، فمن كان يطلب الرزق الحلال وجد في البلاد التي خرج إليها كفايته مع كرامته، ومنهم من تفوق وعلا ذكره في العالم ببراءة اختراع، أو إنجاز إنساني، أو علمي

عربي بوست
تم النشر: 2016/12/29 الساعة 01:50 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2016/12/29 الساعة 01:50 بتوقيت غرينتش

ليس كل من خرج من سوريا من اللاجئين أصبحت حالته مأساة كالتي تُتلى في نشرات الأخبار، فالبعض عوضه الله بهجرته إلى ما هاجر إليه، فمن كان يطلب الرزق الحلال وجد في البلاد التي خرج إليها كفايته مع كرامته، ومنهم من تفوق وعلا ذكره في العالم ببراءة اختراع، أو إنجاز إنساني، أو علمي، ومنهم من وجد نفسه وهواياته في المجال الذي يطمح إليه دون كمية الرشى والوساطات، التي كان سيدفع ثمنها من عمره وماله الكثير، ومُنحت له تقديراً لعلمه ومكانته التي يستحقها في المكان الذي فر به بعيداً عن الموت بكل أنواعه في سوريا.

لا أنكر أن وضع اللاجئين السوريين أصبح عبئاً على العالم كله، سواء الغربي بكثرة طلبات اللجوء إليه من قبل كافة دول العالم الثالث وليس فقط من قِبل السوريين، أو الضغط على العالم العربي، بسبب زيادة المشكلات الاقتصادية والاجتماعية، وإرجاع كل الأزمات الأزلية التي تعاني منها تلك البلاد إلى كثرة توافد السوريين، ولست هنا لأنقض هذه الفكرة أو أعدلها، مع إيماني أنها مجرد ممارسات عشوائية تطلقها حكومات هذه الدول وشعوبها كحملات دعائية للهروب من أزماتها، وتعليق الشماعات يميناً وشمالاً كعادتها.

وليس ببعيد عن كل ذي عقل واطلاع كيف ضاعت القدس ومن قبلها الأندلس عن طريق تقاذف التهم، وركل الكرة في ملعب الغرب والتاريخ لا يكذب أبداً وسيظل يعيد نفسه.

لا يجب أن ننكر أن الكثيرين ممن لجأوا إلى دول الغرب يعيشون حياة أقل ما يمكن وصفها بالكريمة على المستوى الشخصي، حيث الحرية بلا قيود، والانفلات من كل دين وعُرف، الأمر الذي شكل مشكلات جديدة لم تكن معروفة لدى مجتمع العرب المحافظ بشكل أو بآخر على سقف أعلى للحرية، وما زالت قصص الخيانة والطلاق والتفكك الأسري والمجتمعي تنتشر وتتوالى بين اللاجئين، الأمر الذي استدعى الكثير من الكتاب والمفكرين والدعاة في مختلف أنحاء العالم للحديث عنه.

ولا يجب أن ننكر أيضاً أنه بجانب هذه المساوئ الكثيرة هناك جانب مضيء حصل عليه الكثير من اللاجئين من وراء تغير أوطانهم، وكذلك الأمر في بدايات الأمور كلها، فما نعتقده سلبياً بالدرجة الأولى قد تخف درجته مع الوقت أو يكون فيه جانباً إيجابياً غير منظور، لا سيما أننا تعودنا أن لا نرى إلا السواد من حولنا، وإن كان الأبيض يحيط بالنقطة السوداء التي نعيش بداخلها لسنوات طويلة.

خلاصة القول، في أن من أراد أن يحيا حياة كريمة فالأرض أكبر من أن تحدها مخاوف وهواجس مآلها إلى التبدد فيما لو استمر صاحبها بالصعود ورزق الإرادة القوية مع التوفيق، فالأمر لا يقع على عاتق المجتمع الدولي ولا المنظمات الدولية ولا حقوق الإنسان بالحجم الذي يرِد إلينا من التضخيم والتهويل، وكأن تلك المؤسسات هي الإله الذي خذلنا، مع الاعتراف بمسؤولية الجميع تجاه ما يجري دون شك.

فاليابان لم ينقذها المجتمع الدولي عند سقوط القنبلة النووية عليها، ولم تتسابق إليها أجهزة الإعلام صباح مساء لتنقل لنا تفاصيل كارثتهم الفريدة على هذا الكوكب، ومع ذلك نهضت في فترة قصيرة وأصبحت الآن في مصاف دول العالم الأول، فثقافة الاستمرار والمثابرة والقدرة على النهوض ومقاومة الهزيمة هي ما تعلمه الشعب الياباني في أجياله الجديدة، من خلال ما مر به من كوارث، وهو ما نريد غرسه في أجيالنا القادمة من بعد الثورات، فلم تفلح سنوات طويلة من المباحثات والخطط والبكاء على الأطلال في استرداد شبر واحد من أرض أخذت عُنوةً لا في التاريخ ولا في الحاضر، ولن يفلح جيل ثقافته قائمة على توجيه أصابع الاتهام إلى غيره في سلبية تامة، وانتظار لا نهائي لصرخة من السماء تنهي الهزائم والمؤامرات وتحيك النصر القادم.

ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

تحميل المزيد