الإعلام.. الأحبال الصوتية لحنجرة العالم

هل تساءلت يوماً كيف يؤمن ويصدّق الملايين من الناس على هذا الكوكب أن المحتل يملك أحقية العيش على أرض ليست له تعسفاً وغصباً؟ وكيف يبرر الكثير إراقة دمِ من يدافعون عن حقهم المسلوب؟ وكيف ومتى رُسِّخت فكرة أن دين التسامح "الإسلام" هو دين الإرهاب؟ وهو أبعد ما يكون عن ذلك!

عربي بوست
تم النشر: 2017/06/21 الساعة 06:12 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2017/06/21 الساعة 06:12 بتوقيت غرينتش

الإعلام جزء لا يتجزأ من حياتنا، نشرات الأخبار المتتالية بعناوينها الآسرة، والأفلام السينمائية الباهرة، والمسلسلات التلفزيونية المشوقة، بالإضافة إلى الجرائد والمجلات المنمقة، وغير ذلك الكثير من أشكال وسائل الإعلام التي تحيط بنا، والتي تحظى بانتباه الجماهير والأفراد، وتخاطبهم على مختلف أعمارهم، وأفكارهم، ومعتقداتهم، وكأي شيء آخر في هذا العالم، يمكن للإعلام أن يُسخّرَ بشكل إيجابي، أو أن يَقود إلى تغيير سلبي إن وُظِّف بطريقة خاطئة أو خبيثة، ومما لا شك فيه هو أن الكثير من وسائل الإعلام تَخدم بشكل رئيسي غايات ومصالح أشخاص أو جهات لربما تكون خفية.

السلاح اللطيف الخفيف

يعتبر الإعلام وسيلة لا غنى عنها لتناقل المعلومات ونشر الأخبار، ويُعدّ الإعلام نوعاً من أنواع الفن القائم بحد ذاته، والذي يتطلب قدراً هائلاً من الالتزام التام والاحترافية العالية.

ولكن، هل تُعدّ مِصداقية الإعلام أمراً مضموناً دائماً وغير قابل للبتّ فيه؟ هل نستطيع حقاً تقبُّلَ و"بَلع" فكرة أن قوةً جبّارةً كقوة المجال الإعلامي يمكن أن تكون محايدة وغير مسيّرة دوماً وإطلاقاً؟

دعونا ننظر إلى الموضوع من منظور آخر، ولنكن واقعيين قدر المستطاع، تعدّدت في عصرنا الحديث هذا أنواع الأسلحة الفتّاكة، ولقد ظهَرت أشكال جديدة من هذه الأسلحة، منها أسلحة الدمار الشامل؛ كالأسلحة النووية والكيماوية، بالإضافة إلى الأسلحة الثقيلة، وغيرها من الأسلحة المتطورة والمدمرة التي تثير قلق الدول والمؤسسات الحكومية في جميع أنحاء العالم، وعلاوة على ذلك، تُعنَى أي دولة قوية بميزانية الدفاع لديها، وتوليها اهتماماً كاملاً، وتَعُدها واحدة من الأولويات الأساسية بكل تأكيد، بحيث تشتمل هذه الميزانية في المقام الأول على مبالغ مالية طائلة تُخصّص للأسلحة والمعدات الملموسة، ولكن، هل تهتم الحكومات بهذا الجانب فحسب؟

لهذا، نستطيع القول من منظور أكثر وعياً أن ذلك السلاح اللطيف يغيب عن بالنا كشعوب في كثير من الأحيان، ذلك السلاح المغلف بالسكر والممزوج بالعسل، الذي يرتدي حلّة الفن على تنوع صوره وأشكاله، إنه السلاح الأخطر والأكثر فتكاً على الإطلاق، إنه سلاح الإعلام.

الإعلام هو مرآة هذا العالم

شئنا أم أبيْنا، الإعلام يتحدث باسم العالم أجمع، إنه يصنع العُرف، ويؤثر في سير الأحداث، وهو قادر على التلاعب بمضمون وكيفية تأريخ المجريات.

هل تذكر كيف كانت حال المسلسلات التلفزيونية قبل عقدين من الزمان فقط؟ جرَّب مشاهدة مسلسل تلفزيوني قديم وآخر حديث ولاحظ الفرق.

أعتقد أنك فهمت ما أعنيه تماماً، لم نعتد مسبقاً رؤية تلك المشاهد المبتذلة التي تتبرأ منها الأخلاق والتي نراها اليوم، بل لم تكن أي من القنوات التلفزيونية العربية قبل فترة وجيزة من الزمن تجرؤ على عرض أي مشهد يخدش الحياء، أو يوحي بفكرة ينفر منها العقل السليم.

لا تحاول تذكر تاريخ معين بدأت فيه الأشياء المستقبحة تلقى قبولاً أو رواجاً في مجتمعاتنا المحافظة، لقد حدث الأمر تدريجياً، وانسابت أفكار مالكي الأدوات الإعلامية داخل خلايا أدمغتنا وعششت هناك، حتى اعتادت أعيننا رؤية المُستغرب، وألِفت آذاننا سماع المستنكر.

أذكر حالة الهلع التي كانت تصيب المنزل ومن فيه أثناء مشاهدة التلفاز، وذلك حينما يصدف ظهور بطل الفيلم مع البطلة في وضع غير لائق مثلاً، وصدقوني، "غير لائق" في ذلك الوقت لا تعني شيئاً البتة مقارنة بما يعرض الآن في البرامج والأفلام من مشاهد غنية بالتفاصيل الهامشية التي تقشعر لها الأبدان، والتي تضاف هنا وهناك بين ثنايا العمل الفنّي بحجة (الفن)، مع أنها لا تضفي أي أهمية على العمل، بل إنها لتعرّيه من معنى وجمالية الفن الحقيقي النّـقي.

الإعلام هو مرآة المجتمع، وعلى الرغم من أننا نحب دائماً أن نصدِّق أنه مرآة تعكس أحوال المجتمعات الواقعية، فنحن نتناسى أن أطياف الإعلام ورسائله هي التي تقوم بالتسلل والتغلغل في عقولنا لتنحتها وتصيغ أفكارها، فتفرض بذلك التغيير علينا وعلى الناس والمجتمع بشكل عام، وبكل خفة! ولربما قد يكون من الأفضل هنا قول: (إن الإعلام يقوم بـ"تهيئة التغيير") بدلاً من "فرضه"؛ لأن جميع مراحل هذه العملية تتم بطريقة سلسة وأخفى من دبيب النمل.

ولا يمكننا القول بأن الإعلام بأكمله موجّه بشكل مَدروس أو مُتعمّد، ولكن يمكننا الجزم بأن جزءاً كبيراً منه هو كذلك، وخاصّة المصادر الإعلامية الغربية، فالأحرى بنا الخوف من مصنع "هوليوود" أكثر من مصانع المفاعلات النووية!

ليـس من المسـلّمات

فالإعلام هو مصدر الأخبار ومنهل الأفكار، فلماذا ما زلنا نتعامل مع الإعلام وكأنه عالم فوقي لا يمكننا المساس به؟

فكثيراً ما يتداول الناس من حولنا أقوالاً غريبة مثل: "لا تدرس الإعلام؛ لأنه لا يطعم خبزاً"، و"هل يمكن أن أحصل على وظيفة حقاً في حال تخصّصتُ في صناعة الأفلام؟"، و"أنتِ فتاة! ولا يليق المجال الإعلامي بك".

نعم، نجد أن جزءاً كبيراً من مجتمعنا ليس على درجة كافية من الوعي بدور الإعلام وأهميته على جميع الأصعدة، ألسنا -نحن العرب خاصة- في أمسّ الحاجة الآن لتوظيف كل طاقاتنا في سبيل تطوير مستوياتنا وقدراتنا في المجال الإعلامي؟ فالحرب علينا معلنة، والظلم علينا واقع، وكثير من حقنا في أرضنا وشبابنا وثرواتنا مسلوب.

قــوة التلفِــيــق

هل تساءلت يوماً كيف يؤمن ويصدّق الملايين من الناس على هذا الكوكب أن المحتل يملك أحقية العيش على أرض ليست له تعسفاً وغصباً؟ وكيف يبرر الكثير إراقة دمِ من يدافعون عن حقهم المسلوب؟ وكيف ومتى رُسِّخت فكرة أن دين التسامح "الإسلام" هو دين الإرهاب؟ وهو أبعد ما يكون عن ذلك!

إنها قوتك أيّها الإعلام!

لسنا بحاجة إلى صنع أسلحة ثقيلة بقدر حاجتنا إلى نعمل على تطوير الجانب الإعلامي لدينا.

هنالك مجهود مبذول، وأمــل..

إذا نظرنا إلى النصف المملوء من الكأس، سنجد أن هنالك فئة لامعة من الإعلاميين الوعاة، والقنوات الإخبارية الفَطِنة، والكتب التثقيفية الهادفة، والأفلام العربية المفيدة التي بدأت تَلقى رواجاً وتَكتَسب جمهوراً، وهذا ما نريده ونطمح إليه!

نريد إعلاما واعياً بعظم المصاب الذي يمر بنا وبحال الواقع الذي نعيشه.. فشكراً لكل إعلام عربي أسهم في ذلك.

والجدير بالذكر هنا هو أن الجيل الصاعد قد بدأ في تبني فكرة احتراف الإعلام وصناعة الأفلام، والتعمّق أكثر في المجالات والدراسات التي تختص بهذا المجال بالتحديد، مثل: هندسة الصوت، والتصوير، والرسوم المتحركة، مما يعني أن التغيير إلى الأفضل أصبح يقترب منا بوتيرة أسرع.

ملحوظة:

التدوينات المنشورة في مدونات هاف بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

تحميل المزيد