كانت ليالي السجن قاسية من شدة التعذيب، وكان الجسد متعَباً من شدة المرض الذي أصابه ولازمه من شبابه، مرت الليالي وتعاقبت السنون ومات الرجل في سبيل فكرته وهو بريء كل البراءة من تهم واهية. تحدث لشقيقته عن خواطر جالت وصالت في خاطره بالليالي الطويلة التي كانت سبباً في إحيائه رغم وفاته، أفراح الروح هي عدة ورقات صغيرات مقسمة لخواطر تكشف عن الجانب الآخر للمفكر والأديب الإسلامي سيد قطب.
إن "أفراح الروح" التي كتبها الأستاذ سيد قطب وهو في محبسه، تعبر عن الجزء الحقيقي للإنسان سيد، بعيداً عن كونه مفكراً إسلامياً أظهر جوانب ومكامن قوة الإسلام بلغته السلسة المعقدة في نواحي الأدب، صال سيد في عدة محاور فتحدث عن الحب والعطف والخير في خواطره وكتب بلهجته الفذة ما لم يكتبه أدعياء الإنسانية ومدّعو الرحمة بالإنسان والرفق بالحيوان.
المناضل سيد، بدأ وأنهى حكاياته بأنه لا يخشي الموت في سبيل فكرته، فخط هو بوفاته منهاجاً للأجيال المتعاقبة من بعده، وأضاء العقول المظلمة في تيه العبودية للبشر، ورسم بدمه شكل الطريق الطويل للتائهين في ظلمات الأفكار والمناهج.
لا حياة لفكرة لم تتقمص روح إنسان، ولم تصبح كائناً حياً دبَّ على وجه الأرض في صورة بشر.. كذلك، لا وجود لشخص في هذا المجال لا تعمر قلبه فكرةٌ يؤمن بها في حرارة وإخلاص، كلمات واضحة لا تحتاج إلى تأويل وسهل ممتع لا يشوبه تعالٍ أو كبرياء كما ادّعى الكارهون.
إن حياة الإنسان على هذه الأرض سلسلة من العجز عن إدراك القوى الكونية، أو سلسلة من القدرة علي إدراك هذه القوى، هكذا فسر سيد ما كتبه العلمانيون في مئات الكتب في ذلك الكتيب الصغير، الذي وصَّف بإيجاز فيه كيف للعقل أن يقف أمام القوة الإلهية في خلق وإبداع الكون، عن شكل وكيفية الإدراك العقلي في فهم القوة الكونية التي أرساها الله في الأرض.
بالتجربة، عرفت أنه لا شيء في هذه الحياة يعدل ذلك الفرح الروحي الشفيف الذي نجده عندما نستطيع أن ندخل العزاء أو الرضا، الثقة أو الأمل أو الفرح في نفوس الآخرين، تلك من كلمات السيد وتلك هي روحه الحقيقية في التعامل مع الآخرين، وما قيل في حقه من مخالفيه كان قراءة خاطئة لبعض كلماته، وبيّن شقيقه مفسراً مقاصده من كتاب "المعالم" الذي أثار الضجة الكبرى حول فكر سيد قطب.
عاش سيد يلتمس الخير في نفوس الناس، يلتمس لهم الأعذار، يبسط لهم من جميل فكره وحلاوة روحه.
مات قطب على طريق النضال ضد الظالمين، سطَّره بأيام السجون وبدماء الأتقياء.
إن سيد قطب وقفٌ عامٌّ لازمٌ للأمة الإسلامية، لم يكن يوماً حكراً لمجموعة دون الأخرى، فهِمه بعض الناس خطأ وحمّله المتحاملون ما لم يكن فيه يوماً، فيلسوفاً نادراً، وأديباً لامعاً، صاحب الظلال الوارفة كما لقبه الشيخ الشعراوي، هو مفسر فريد للقرآن الكريم، ومناضل من أجل فكرته وعَلم في سبيل دعوته، رحم الله صاحب الظلال.
ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هاف بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.