أخبرني المؤرخ الراحل جون هيرست، ذات مرة، بأنه إذا عاد المرء بآلة زمن إلى العقد الأول من القرن التاسع عشر، فستذكِّره شوارع سيدني بلندن التي يذكرها تشارلز ديكنز في رواياته أكثر مما ستذكّره بأستراليا المعاصرة. كان العمال الذين لا يملكون أرضاً ينامون فوق أرضية الشوارع الخشنة، بينما يرتدي أصحاب الأراضي الموسرون القبعات فوق رؤوسهم ويحيون رجال الشرطة.
لم تكن أستراليا مجرد مكان آخر يمتلئ بعدم المساواة؛ بل كانت أكثر ثباتاً على هذه الصورة من عدم المساواة. سعى ابن المحامي للسير على خطى والده نفسها. وبالعودة إلى قرون من الزمان، ستذكّرنا ألقاب مثل "بيكر" و"سميث" و"كوك" بالقدر القليل من التحرك بين الطبقات الذي كان يحدث بين أسلافنا الأوروبيين. كان لقبك هو وظيفتك، ووظيفة آبائك، ووظيفة آبائهم.
وبعد أن صارت أستراليا أكثر مساواة في العقدين التاليين للحرب، صرنا على الأحرى أكثر تحركاً بين الطبقات. فلم يعد إنهاء التعليم وحضور الجامعة مقصورَين على أبناء الأغنياء. وصرنا مجتمعاً يعتمد على الاستحقاق أكثر من حظ الوليد. في الخمسينات والستينات من القرن الماضي، رفع النمو الاقتصادي من الدخول المتوسطة أكثر من الدخول المرتفعة؛ لتنتشر الفرص عبر المجتمع.
ولكن خلال الجيل الماضي، شاهدنا اتجاهاً مغايراً. فمنذ منتصف عقد السبعينات، ارتفعت أجور الـ10 في المائة الأعلى من بين العمال بنسبة 72 في المائة، بينما ارتفعت أجور الـ10 في المائة الأدنى من العمال بنسبة 23 في المائة فقط. لو حصل موظفو رعاية الأطفال وعمال النظافة على الزيادة نفسها في الأجور التي تلقاها الخبراء الماليون والمحامون، لكانت أجورهم الآن أفضل بمبلغ 16 ألف دولار سنوياً.
يحمل تعاظم عدم المساواة بين طياته تكاليف مباشرة. وأي اقتصاد لا يستفيد من ثروته سوى قليلين ليس عادلاً وحسب؛ بل إنه أيضاً غير سعيد وغير مستقر. لكن عدم المساواة يحمل خطورة الإضرار بإمكانية الانتقال بين طبقات المجتمع؛ مما يصعّب على أي طفل ذكي، من ظروف متواضعة، أن ينتقل إلى الطبقة المتوسطة.
يعرض هذا النموذج، المعروف بـ"منحنى جاتسبي العظيم" للاقتصادي آلان كروغر، الاتجاه عبر البلدان. تعتبر أكثر البلدان مساواةً -مثل النرويج والدنمارك – أكثرها إتاحة للانتقال بين طبقات المجتمع. وتعتبر أكثر البلدان عدم مساواة -مثل تشيلي وبيرو- هي الدول الأقل إتاحة للانتقال بين طبقات المجتمع وبصورة مقلقة. فالأطفال يكونون أكثر عرضة للانتقال من الفقر إلى الثراء في البلاد التي لديها فجوة صغيرة بين الأغنياء والفقراء.
يعرض النموذج نفسه الأمر عبر مدن الولايات المتحدة: إذ إن المساواة والانتقال بين طبقات المجتمع يسيران صنوَين بصورة مطردة.
يكمن أحد أسباب أن عدم المساواة سوف يكون المهمة التعريفية لحكومة حزب العمال القادمة، في أننا نقدّر أي مجتمع لا يُشكل فيه الرمز البريدي لأي طفلة كيف سيكون مصيرها القادم.
سوف تؤدي سياساتنا حول تمويل المدارس القائمة على الاحتياجات، وحماية الرعاية الصحية والدفاع عن معدلات الرواتب الإضافية، إلى خلق مجتمع أكثر مساواة. قاد بيل شورتين وكريس بوين النقاش حول إغلاق الثغرات الضريبية في حالات التقاعد عام 2015، والمديونية السلبية في 2016؛ لأننا لا نستطيع تبرير وجود نظام ضريبي يتعامل مع الطبقات معاملة مزدوجة؛ إذ إن إعلاننا أنظمة ضريبية متعددة الجنسيات والملاذات الضريبية ترتكز على أساس المساواة الأسترالية.
تنعكس رؤى حزب العمال حول العدالة على من الذي نعتقد أن عليه تحمُّل كبح جماح ارتفاع الدَّين الحكومي الأسترالي، الذي وصلت قيمته الإجمالية الآن إلى نصف تريليون دولار. في حكومة تورنبول، سوف ترتفع الضرائب للأشخاص الذين يحصلون على أجور تتراوح بين 21 ألف دولار و87 ألف دولار. وتحت أي حكومة يقودها بيل شورتين، لن يحظى هؤلاء الأشخاص بأي زيادة في الضرائب. بدلاً من هذا، سوف يُطلب من النخبة، البالغة نسبتهم 2 في المائة، أن يدفعوا ضرائب بالمعدلات نفسها التي كانت موجودة حتى نهاية يونيو/حزيران من هذا العام.
وبعد جيل من ارتفاع عدم المساواة، لماذا ينبغي أن ينتهي الحال بأن تدفع النخبة أقل بينما يدفع ذوو الدخول المتوسطة أكثر؟!
كما أن معدلات ملكية المنازل في أستراليا متأخرة 6 عقود عن العصر الحالي. وخلال الجيل الماضي، قلت نسبة تشارك الأستراليين الصغار في امتلاك منازلهم، بينما زادت نسبة المشاركة في إيجار المنازل. وفي ظل ارتفاع أسعار أي منزل بالمدن الرئيسة ووصوله إلى حاجز الـ7 أرقام، فإننا نواجه خطورة متزايدة لأن نصير أمة، تكون مساعدة الأبوين فيها هي الطريقة الوحيدة لشراء منزل.
ومرة أخرى، يعزز عدم المساواة الاقتصادية من حالة الركود بين الأجيال. لن تؤثر تغييرات حزب العمال للمديونية السلبية في المستثمرين الموجودين. ولكن بعد سريانها، ستكون فوائد المديونية السلبية متاحة فقط لهؤلاء الباحثين عن شراء منازل حديثة البناء. ومن خلال خفض خصم ضرائب أرباح رأس المال إلى النصف، سوف نقيد امتيازاً ضريبياً تعود فوائده بصورة غير متناسبة على أثرى الأستراليين.
وحينئذ، يكون هناك وجهة نظرنا للصناديق التقديرية، التي تحوزها، بأغلبية ساحقة، الأسر الأكثر ثراء. تشبه توزيعات صندوق الضرائب التقديرية على المستفيدين البالغين سنَّ النضج، النظرية التي قام بها جون هوارد حينما كان وزيراً للخزانة في عام 1980، عندما أوقف احتيال توزيعات صناديق الدخول الخالية من الضرائب على الرُّضَّع.
لن تتأثر الصناديق الخيرية وعقارات الأشخاص المتوفين، وأيضاً لن يتأثر الأشخاص الذين يعملون أو يديرون مشروعاً تجارياً صغيراً، ولن تتأثر الرواتب بشيء. إلا أن المهنيين الذين يحصلون على رواتب كبيرة، والذين يقسمون رواتبهم مع أبنائهم البالغين وآبائهم، سيتحتم عليهم أن يعودوا مرة أخرى إلى أحد مستويات العتبة المعفاة من الضرائب، مثل باقي قوة العمل.
عندما تزيد نسبة عدم المساواة، يشبه الأمر كما لو أن درجات الدرج في الحياة تزيد أكثر فأكثر. وهو ما يصعب على أي طفل أن يصعد من مستوى الفقر. إننا نصير أقل جدارة، وأقرب إلى مجتمع إقطاعي. ومعاداة المساواة تعني معاداة الانتقال بين الطبقات الاجتماعية. إنها ليست طريقة حزب العمال، وليست الطريقة الأسترالية. من أجل هذا، علينا أن نجعل أستراليا أكثر مساواة مرة أخرى.
– هذه التدوينة مترجمة عن النسخة الأسترالية لـ"هاف بوست". للاطلاع على المادة الأصلية، اضغط هنا.
ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هاف بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.