فرانكشتاين في بغداد

كل الخوف والقلق أن الإرهاب ستكون سلسلته طويلة، وممتدة، لا نهاية لها طالما أن مكافحته ومحاربته تركز على النتائج وتهمل الأسباب.

عربي بوست
تم النشر: 2016/06/02 الساعة 03:04 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2016/06/02 الساعة 03:04 بتوقيت غرينتش

هو عنوان رواية رمزية رائعة تقع في (353) صفحة، ومقسمة على (19) فصلاً، صدرت في العام 2013م للشاعر والروائي العراقي أحمد سعداوي، وحازت في العام 2014 المركز الأول في الجائزة العالمية للرواية العربية.
الفكرة الرئيسية في الرواية أو ملخصها يدور حول مواطن عراقي بسيط اسمه هادي العتاك من سكان حي البتاويين وسط بغداد، هو بائع للأثاث و(الأنتيكات) والأجهزة المستعملة والقديمة، هي مصدر رزقه، وهي كذلك معيشته وحياته اليومية.

في شتاء عام 2005 الذي كان مميزاً بعنفه وبشاعته وتفجيراته وأعمال الفتك التي هزت العراق، قُتل خلالها بعض أصدقاء هادي العتاك؛ حيث بذل حينذاك جهداً في البحث عن جثثهم لكنه قرر عقب عجزه عن العثور عليهم أن يجمع بقايا جثث ضحايا التفجيرات وأشلاءهم ويتولى لصقها وخياطتها في بيته، فينتج بذلك كائناً بشرياً غريباً، تدبّ فيه فجأة الروح وينهض ليقوم بعملية ثأر وانتقام واسعة من المجرمين الذين قتلوا أجزاءه التي يتكوّن منها.

هادي العتاك أطلق اسم (الشسمة) على هذا الكائن البشري الغريب الذي هرب منه، وبينما هو (العتاك) يسرد قصته على زبائن أحد مقاهي بغداد، فيضحكون منها ولا يصدقونها ويعتبرونها ضرباً من الخيال؛ يظهر أحد عمداء الأمن وهو مدير هيئة المتابعة والتعقيب ويبين أنه مكلف بملاحقة هذا المجرم الغامض (الشسمة)، ويقول لهم إنه يعيث في مناطق وأحياء بغداد قتلاً وإرهاباً.

تواصل الرواية عرض أحداث كثيرة، ملاحقات ومطاردات مثيرة واغتيالات، وتحوّلات وفضائح واكتشافات وخيانات ونزاع دموي يسرده المؤلف أحمد سعداوي بأسلوب أدبي يطغى فيه الخيال ويغلب عليه طابع الحزن والمأساة التي تصف -ربما- بدقة الواقع المرير الذي يعانيه العراق اليوم.

الرواية تبين تفاصيل كثيرة في الحياة اليومية العراقية وتراكماتها، وتكشف مدى انشغال الناس أو (إشغالهم) بالعدو المجرم الغريب في تركيبة (الشسمة) ويكون في قلب اهتماماتهم، وتكون متابعة أعماله وجرائمه هي ما يركزون عليه ويختزلون فيه كل مشكلاتهم وقضاياهم ويلومونه في دوامة العنف التي يعيشونها.

في نهايات الرواية يجري القبض على هذا الكائن (الشسمة) الذي قام بائع الأثاث و(الأنتيكات) القديمة بتجميعه، وذلك بعدما اكتشف الجميع أنهم كانوا من أسباب نشوئه أو أنهم كانوا يمنحونه أدوات البقاء وفرص النمو، وأنهم اكتفوا بمطاردة أو معاقبة ردّة الفعل وأهملوا الفعل نفسه الذي صنع هذا المجرم (الشسمة).

أعني بهذا الفعل المنسي في مكافحتنا للإرهاب هو فعل صناعة الإرهاب؛ من استحلال الدماء والاعتداء على حق الحياة، وصور الظلم والاضطهاد والولوج في القتل وإزهاق الأرواح وانتهاك الأعراض وارتكاب المذابح والمجازر، مشردون ولاجئون، أرامل وثكلى وأيتام و… إلى آخرها من أفعال تشكل كلها أدوات جاهزة ووقوداً لا ينقصه الاشتعال للتحول مثل الكائن البشري الغريب الذي استطاع هادي العتاك تجميعه وتلصيقه، وسمّاه (الشسمة) وأطلق عليه عميد الأمن (إرهابي).

ومثلما ذكرنا أن هذه الرواية حصلت على جائزة (البوكر) كأفضل رواية عربية في العام 2014م؛ حيث علّق سعد البازعي نيابة عن لجنة التحكيم على هذه الرواية الفائزة بقوله: "جرى اختيار فرانكشتاين في بغداد لعدة أسباب، منها مستوى الابتكار في البناء السردي كما يتمثل في شخصية (الشسمة)، وتختزل تلك الشخصية مستوى ونوع العنف الذي يعاني منه العراق وبعض أقطار الوطن العربي والعالم في الوقت الحالي.
كل الخوف والقلق أن الإرهاب ستكون سلسلته طويلة، وممتدة، لا نهاية لها طالما أن مكافحته ومحاربته تركز على النتائج وتهمل الأسباب.

سانحة:

(الشسمة) تسمية عراقية لكن الأصل أو مرجع الرواية هو قصة (فرانكشتاين) للمؤلفة البريطانية ماري شيلي؛ حيث تروي حكاية طالب ذكي اسمه فيكتور فرانكشتاين يكتشف في جامعة ركنسبورك الألمانية طريقة يستطيع بمقتضاها بعث الحياة في المادة، ويبدأ فرانكشتاين بخلق مخلوق هائل الحجم ولكنه يرتكب خطأ، فيكتشف أن مخلوقه غاية في القبح، وقبل أن تدب الحياة فيه ببرهة يهرب من مختبر الجامعة، ثم يعود بعد ذلك مع صديقه هنري الذي جاء لزيارته إلى المختبر ولكنهما لا يجدان ذلك المسخ الهائل، وتستمر أحداث القصة بحادثة قتل أخ فيكتور من قِبل ذلك المسخ ثم بتهمة باطلة تعدم على أثرها الخادمة، ويعلم فرانكشتاين أن مسخه هو المسؤول عن هذه الأحداث.

ملحوظة:

التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

تحميل المزيد