المصالحة الفلسطينية.. ما قيل وما لم يُقَل

بالتأكيد كل مخلص وصادق سيسعد بهذه المصالحة، وسيفرح بانتهاء الانقسام الذي عانت منه فلسطين تلك البلد الأثيرة لدى كل عربي ومسلم على مدار أحد عشر عاماً.

عربي بوست
تم النشر: 2017/10/09 الساعة 08:50 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2017/10/09 الساعة 08:50 بتوقيت غرينتش

إنه في يوم الإثنين الثاني من أكتوبر/تشرين الأول من عام 2017م أعلن رئيس وزراء السلطة الفلسطينية رامي الحمد الله بعد وصوله إلى قطاع غزة أن "الحكومة بدأت بممارسة مهامها في غزة"؛ حيث سيسعى إلى إرساء المصالحة مع حركة المقاومة الفلسطينية "حماس" التي تسيطر على القطاع منذ 2007م، مؤكداً: "نعود إلى غزة من جديد لإنهاء الانقسام وتحقيق الوحدة".

بالتأكيد كل مخلص وصادق سيسعد بهذه المصالحة، وسيفرح بانتهاء الانقسام الذي عانت منه فلسطين تلك البلد الأثيرة لدى كل عربي ومسلم على مدار أحد عشر عاماً.

وحديث العواطف جميل، وآفاق الأمل مبدعة؛ لكن يجب ألا تُغيِّب عاطفتنا عقولنا، وألا يأخذنا الأمل بعيداً؛ فما ما زال الحديث ذا شجون، وما فتئ وراء الأكمة ما وراءها.

وفي النقاط التالية سنحاول التطرق لما قيل وما لم يُقَل حول المصالحة الفلسطينية:

تاريخ المصالحة الفلسطينية

– إثر فوز حركة "حماس" في الانتخابات التشريعية في مطلع عام 2006م، وتشكيلها في مارس/آذار من ذات العام للحكومة برئاسة إسماعيل هنية؛ قوبلت تلك الحكومة بحصار مشدد من الكيان الصهيوني عرقل عملها، وبمحاولات من قِبل السلطة الفلسطينية وحركة "فتح" للإطاحة بها بسبب خضوع أجهزة السلطة لاتفاقية أوسلو مع الكيان الصهيوني في سبتمبر/يوليو عام 1993م، وتجلى ذلك من خلال سحب كثير من صلاحياتها، وعبر رفض الأجهزة الأمنية التابعة للسلطة التعاطي معها، ما أدى إلى حدوث صدامات في غزة بين الأجهزة الأمنية لـ"حماس" و"فتح".

وفي التالي نعرض سريعاً لأهم محاولات المصالحة الفلسطينية:

1- في مايو/أيار 2006م كانت أولى محاولات المصالحة؛ حين أطلقت قيادات الأسرى الفلسطينيين وثيقة للمصالحة سميت لاحقاً بـ"وثيقة الأسرى" التي لاقت ترحيباً من جميع الأطراف، ومع ذلك ظل الانقسام قائما ولم تتوقف الاشتباكات المسلحة.

2- في أكتوبر/تشرين الأول 2006م فشلت وساطة أخرى قادتها قطر في تهدئة الأوضاع.

3- في فبراير/شباط 2007م ظهر "اتفاق مكة" بمبادرة من ملك السعودية الراحل عبد الله بن عبد العزيز، والذي نتج عنه تكليف رئيس السلطة محمود عباس لإسماعيل هنية بتشكيل "حكومة الوحدة الوطنية"؛ إلا أن الاتفاق فشل بعد عدة أشهر، وتجددت الاشتباكات بين مسلحي "فتح" و"حماس"؛ لينتهي الأمر بسيطرة "حماس" على قطاع غزة في ما عُرف باسم "الحسم العسكري"، وذلك في 14 يونيو/حزيران من عام 2007م.

4- في سبتمبر/أيلول 2009م ظهرت "الورقة المصرية" التي وافقت "فتح" عليها، إلا أن "حماس" قالت إنها بحاجة إلى وقت لدراستها قبل أن تطلب إدخال تعديلات عليها، لكن السلطات المصرية رفضت الطلب، وهو ما أدى إلى تجميد الأمور من جديد.

5- في أواسط 2010م عُقد لقاء بين رئيس المكتب السياسي لحركة "حماس" آنذاك خالد مشعل ورئيس المخابرات المصرية حينها عمر سليمان، وعلى أثره تم عقد لقاء بين "فتح" و"حماس" بالعاصمة السورية دمشق في التاسع من نوفمبر/تشرين الثاني 2010 م، وبالرغم من الإعلان عن جلسة جديدة أواخر ديسمبر/كانون الأول 2010م؛ فإن اللقاء لم يعقد، وتبادلت الحركتان الاتهامات بالمسؤولية عن تعطيله.

6- في مايو/أيار 2011م وقعت الفصائل الفلسطينية في القاهرة على ورقة مصرية عرفت بـ"وثيقة الوفاق الوطني للمصالحة وإنهاء الانقسام الفلسطيني" بحضور المسؤولين وقتها الأمين العام لجامعة الدول العربية عمرو موسى، ووزير خارجية مصر نبيل العربي، ورئيس السلطة محمود عباس، ورئيس المكتب السياسي لـ"حماس" خالد مشعل؛ ثم لم يسفر ذلك عن شيء.

7- في فبراير/شباط 2012م ظهر "إعلان الدوحة للمصالحة الفلسطينية" بين حركتَيْ "فتح" و"حماس" عبر اتفاق تم توقيعه بحضور أمير قطر السابق الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني بهدف تسريع وتيرة المصالحة الوطنية الفلسطينية التي لم تحدث أو حتى تتسارع.

8- في أبريل/نيسان 2014م ظهر "اتفاق الشاطئ"؛ حيث عُقدت اجتماعات في غزة بين حركتَيْ "فتح" و"حماس" أفضت إلى اتفاق على المصالحة بين الطرفين، والالتزام باتفاق القاهرة وإعلان الدوحة، والعمل على إنشاء حكومة توافق وطني تعلن خلال 5 أسابيع، وإجراء إنتخابات بعد 6 أشهر على الأقل من تشكيل الحكومة رئاسية وتشريعية وللمجلس الوطني الفلسطيني، وفي يونيو/حزيران 2014م أدت "حكومة الوفاق الوطني"، والتي ضمت في عضويتها وزراء من الضفة الغربية وقطاع غزة، اليمين القانونية؛ لكن الحكومة لم تتحرك بالشكل المطلوب، مع بروز مشكلات جديدة كأزمتَيْ الرواتب والكهرباء، في ظل تبادل للاتهامات بين الحركتين عن من يتحمل مسؤولية ذلك كله.

9- في أكتوبر/تشرين الأول من عام 2017م أعلن من غزة رئيس وزراء السلطة الفلسطينية رامي الحمد الله انتهاء الانقسام؛ فهل سينجح هذا الإعلان هذه المرة أم سيكون حاله كمن سبقه وسيضاف إلى قائمة اتفاقات المصالحة الطويلة؟ هذا ما ستقوله مؤشرات الأحداث القادمة.

ماذا يحوي اتفاق المصالحة الجديد؟

– في اتفاقات المصالحة السابقة كانت تظهر دائماً أحاديث عن بنود المصالحة، وشروطها، وما على كل طرف من التزامات وتعهدات، بينما هذا الاتفاق لم يظهر فيه شيء؛ فلا اتفاقات ولا توافقات ولا تفاهمات ولا حتى وعود! كل ما ظهر هو تنازلات قامت بها "حماس"، أما المقابل فهو "حوار" سيبدأ في القاهرة بعد أسبوع على هذا الإعلان، مع بقاء القضايا العالقة كما هي؛ معبر مغلق، كهرباء تنقطع أكثر مما تعمل، رواتب متوقفة معتقلين سياسيين وملاحقين في الضفة الغربية… إلخ، عقوبات خانقة مفروضة على قطاع غزة، واعتقالات وملاحقات لكل معارض للسلطة في الضفة الغربية.

وغني عن القول أن الحديث عن "حوار" يعني لقاءات وجلسات ونقاشات و.. و.. و..، ولا القاهرة مستعجلة، ولا السلطة و"فتح" وراءهم شيء، الخاسر الوحيد من هذه المماطلة هم أولئك المحاصرون في قطاع غزة الذين ضاقت بهم السبل، وليس لهم إلا الله تعالى.

– ما يرتبط بهذا فإن ما رشح من بنود تم الاتفاق عليها لدى اجتماع وفدي "حماس" و"فتح" مع قيادة المخابرات في مصر، والتي نتج عنها اتفاق المصالحة هذا، ما رشح من بنود يؤكد غير ما يحدث الآن؛ فالبنود تقول:

البند الثاني: الموافقة على دمج موظفي "حماس" على سلم رواتب السلطة وفق الورقة السويسرية.

البند الثالث: رفع العقوبات عن قطاع غزة وإنهاء إجراءات الخصومات لموظفي السلطة.

البند الثامن: إعادة ربط كهرباء قطاع غزة بالشركة الإسرائيلية وبالشركة المصرية إلى أن يتم إنشاء محطة جديدة أو تطوير المحطة الحالية.

البند التاسع: فتح معبر رفح على أن يتولى حرس الرئيس داخل المعبر وأمن "حماس" خارج المعبر، وفي المعابر الإسرائيلية أيضا يطبق ذلك الاتفاق.

البند الثاني عشر: إقامة منطقة تجارة حرة بعد تشكيل حكومة الوحدة الوطنية.

هذه هي البنود الخاصة بماذا سيجنيه سكان قطاع غزة التي رشحت عن الاتفاق بين مصر و"حماس" و"فتح"، والتي بناء عليها تم الإعلان عن اتفاق المصالحة الفلسطينية؛ فما بالهم عقدوا الاتفاق ولم يتم الحديث بشيء عن هذه البنود؟!

سلاح المقاومة.. السؤال الأصعب

– ما مصير "سلاح المقاومة" و"المقاومة" ذاتها في غزة؟
أظن أن هذا هو السؤال الأصعب، وهو المعضلة التي توقفت بسببها حوارات "فتح" و"حماس" أكثر من مرة.

وفي هذه النقطة أمامنا نقولات خمسة:

النقل الأول:
ما رشح في ورقة الاتفاق بين مصر و"حماس": البند الثالث عشر: يمنع المس بسلاح المقاومة في غزة من مختلف التشكيلات العسكرية.

النقل الثاني:
تصريح رئيس المكتب السياسي لحركة "حماس" إسماعيل هنية في حواره مع عمرو أديب؛ حين سأله أديب هل ستسلم "حماس" سلاحها لحكومة الوفاق الفلسطيني؟ أجاب هنية أن السلاح هنا سلاحان؛ سلاح الشرطة وهذا سيُسلَّم للحكومة ليكون سلاحاً واحداً، وسلاح المقاومة وهذا لن يمسه أحد.

غير أن هنية في هذه النقطة استدرك بديبلوماسية بقوله بأن "حماس" على استعداد للتحاور مع السلطة في وضع استراتيجية هذه المقاومة، وكيف تقاوم، ومتى تقاوم، ومن يملك قرار المقاومة، ولا يخفى أن هذا كلام لا يخلو من عدم الواقعية في ظل رفيق سلَّم مقاليد المقاومة لعدوه منذ اتفاقية أوسلو، ولا يرى مقاومة الاحتلال بأي حال من الأحوال. وتصريح رئيس السلطة الفلسطينية الذي سنذكره في النقل الثالث يؤكد ذلك.

نص تصريح هنية:

النقل الثالث:
أكد رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس في مقابلة تلفزيونية مع قناة مصرية أن موضوع سلاح الفصائل بما في ذلك "حماس" "يجب أن يعالج على أرض الواقع؛ هناك دولة واحدة بنظام واحد بقانون واحد بسلاح واحد"، مؤكداً أنه "لن يستنسخ تجربة "حزب الله" في لبنان".
نص تصريح عباس:

النقل الرابع:

يضاف إلى ما سبق تصريحات رئيس وزراء دولة الاختلال الصهيوني بنيامين نتنياهو حول اتفاق المصالحة الفلسطينية، والذي أكد فيه أن "من يريد أن يقوم بمثل هذه المصالحة ففهمنا لهذه المصالحةا بسيط جدّاً: اعترفوا بدولة إسرائيل وقوموا بحل الجناح العسكري لحركة "حماس"، واقطعوا العلاقات مع إيران التي تدعو إلى إبادتنا وما إلى ذلك" مؤكداً أن "هذه الخطوات واضحة جدّاً، ونقول هذا الكلام بشكل واضح للغاية".

وردّاً على هذا التصريح الواضح والمباشر جاء رد "حماس" على لسان الناطق باسمها فوزي برهوم ديبلوماسيّاً حين أوضح أن الاحتلال الإسرائيلي هو المتضرر الرئيس من الوحدة والمصالحة كونها مصدر قوة للشعب الفلسطيني الذي أراد له أن يبقى منقسماً، مؤكداً أن "الرد الحقيقي على تصريحات بنيامين نتنياهو رئيس حكومة الاحتلال الإسرائيلي حول المصالحة يجب أن يكون بمزيد من الوحدة والترابط والإسراع في ترتيب البيت الداخلي الفلسطيني، وإنجاز إستراتيجية وطنية تجتمع عليها مكونات الشعب الفلسطيني من أجل التفرغ لمواجهة الاحتلال والدفاع عن حقوق شعبنا".

النقل الخامس:
في تعليقه على اتفاق المصالحة رحب مبعوث الولايات المتحدة الأميركية إلى الشرق الأوسط "جيسون غرينبلات" بجهود المصالحة الفلسطينية، موضحاً يوم الإثنين الماضي إن الجهود المبذولة للتوفيق بين السلطة الفلسطينية وحركة "حماس" في غزة جديرة بالملاحظة، وأضاف: "حكومة السلطة الفلسطينية زارت غزة اليوم لعقد اجتماع مشترك مع الإدارة الفعلية للقطاع والتي في يد "حماس"، وترحب الولايات المتحدة بالجهود الرامية إلى خلق وضع تتحمل فيه السلطة الفلسطينية المسؤولية الكاملة عن قطاع غزة كما طالبت بذلك اللجنة الرباعية".

غير أن "غرينبلات" أكد أن أية حكومة فلسطينية ستنشأ "يجب أن تلتزم بشكل لا لبس فيه باللاعنف، والاعتراف بدولة إسرائيل، وقبول الاتفاقيات والالتزامات السابقة بين الطرفين، والدخول في مفاوضات من أجل السلام".

وهذا التصريح يعيدنا كسابقيه إلى نقطة البدء: سلاح المقاومة، والذي من نتائج إلغائه الاعتراف بدولة الاحتلال.

بعد هذه النقولات تبرز الملاحظة الوحيدة، والتي تكمن في أن الطرف الوحيد الذي لجأ للديبلوماسية هو حركة "حماس"؛ بينما لجأ الآخرون للوضوح والمباشرة؛ فهل لدى "حماس" مشروع "تنازليٌّ" -إن جاز التعبير- عن سلاح المقاومة؟ وهل سيؤدي هذا بشكل أو بآخر إلى الاعتراف بدولة الاحتلال سواء اعترافاً صريحاً أو اعترافاً ضمنيّاً عبر الدخول في مفاوضات معها؟ هذا ما لم يُقل.

"حماس" بين الداخل والخارج

يستوقفني في هذه النقطة أمران:
– في مايو/أيار 2017م أعلن رئيس المكتب السياسي لحركة "حماس" السابق، خالد مشعل، فوز القيادي في الحركة إسماعيل هنية برئاسة المكتب السياسي للحركة في الانتخابات، ليكون أول رئيس للحركة من داخل فلسطين منذ أكثر من 20 عاماً؛ إذ إن خالد مشعل قد شغل هذا المنصب منذ عام 1996م، ولم يقم مشعل بترشيح نفسه مجدداً لأن النظام الداخلي للحركة ينص على عدم تولي هذا المنصب لأكثر من دورتين متتاليتين.

وكان قد سبق هذا الاختيار بثلاثة أشهر اختيار الأسير المحرر يحيى السنوار قائداً عامّاً لحركة "حماس" في قطاع غزة حماس بعد انتخابات داخلية، وذلك في فبراير/شباط 2017م.

والسنوار كان قائد وفد "حماس" في مفاوضاته مع القاهرة، وبالتالي يعتبر مهندس اتفاق "حماس" مع القاهرة، وإنجاز اتفاق المصالحة الفلسطينية.

ما يجب أن نتوقف عنده هنا هو التساؤل: هل لانتقال سلطة "حماس" إلى غزة دور في إنجاز اتفاق المصالحة؛ فقيادة "حماس" في غزة تعاني مما يعاني منه سكان غزة، وتشعر بما يشعر به الغزاويون من آلام ومصاعب، بل ودماء وأرواح؟ فهل كانت قيادة "حماس" الداخل أكثر مرونة واستعداداً للتنازل تحت ضغط معاناة القطاع وظروفه القاهرة؟

– ما يستوقفني كذلك هو خفوت صوت "حماس" الخارج وانعدامه حول هذا الاتفاق؛ بل طوال الفترة السابقة؛ فهل هناك خلاف بين حماس" الداخل و"حماس" الخارج حول اتفاق المصالحة؛ خصوصاً وأن "حماس" الخارج له تجارب يمكن وصفها بأبسط التوصيفات بأنها سلبية في التعامل مع النظام المصري منذ أيام حسني مبارك ورئيس مخابراته الراحل عمر سليمان؟

الخلاف الفكري في الكيانات أمر طبيعي؛ بل أمر صحي، فالكيان أحادي الرأس كيان يحمل في طياته أسباب فنائه؛ لكن يبقى هنا التساؤل عن حجم هذا الخلاف -إن وجد- بين الداخل والخارج ومدى تأثيراته وتبعاته القادمة؛ فهل هناك ما لن يُقَل بعد؟.

لماذا معبر بيت حانون/ إيريز
– مما يثير التساؤل هنا لماذا عبروا من معبر بيت حانون وليس معبر رفح؟ "هل تعني أن الاتفاق نال الموافقة الإسرائيلية"؟ لماذا دخلت كل الوفود المصرية إلى قطاع غزة عبر معبر بيت حانون/إيريز وليس عبر معبر رفح؟

ما الرسائل التي تحمله؟
هل هو رسالة لأهل غزة بأن معبر رفح سيبقى عصيّاً على أهل غزة لا يأملون بفتحه قبل حدوث أمر ما تريده القيادة المصرية والسلطة الفلسطينية وربما الاحتلال الصهيوني؟
وهل هو رسالة تشير إلى أن ما يجري ليس ببعيد عن عين الاحتلال الصهيوني، وأنه رسالة طمأنة لقيادة الاحتلال أن الاتفاق ليس فيه ما يضيركم أو يضركم؟ وهل ممكن الذهاب لأبعد من ذلك بالقول أن للاحتلال دور في هذه المصالحة وأنها تمت على عينها بالرغم من كونها ظاهريّاً على غير ذلك؟ هذا ما ستكشفه الأيام.

دحلان.. يا دحلان
– ما لم يتم التطرق له في اتفاق المصالحة هذا هو المدعو "محمد دحلان"؛ أين هو من كل هذا؟ هل له دور أم كل ما تم بعيد عنه وعن سلطاته وتدخلاته؟

بادئ ذي بدء من الصعب افتراض ابتعاد دحلان عن كل ما يحدث؛ فالجميع يعلم أنه طفل الإمارات المدلل، وأنه يُعدُّ إسرائيليّاً ليكون له دور في القضية الفلسطينية، خصوصاً في الحديث عن خلافته لمحمود عباس بالرغم من أن عباس قدَّم ما لم يتخيل أحد في دولة الاحتلال؛ لكن على ما يبدو أنه آن الآوان لظهور وجه جديد يكمل المسيرة.

يضاف إلى ما سبق التقارب الكبير الذي حدث بين دحلان والقاهرة، وهو الأمر الذي يجعل غيابه عن المشهد أمراً غير وارد بالمرة.
ولا يمكن أن نغفل أن غزة هي بلد دحلان التي خرج منها مطروداً؛ فهي بمثابة غصة في حلقه حتى يعود إليها مظفراً، ومنها ينطلق بعد ذلك لوراثة عرش عباس في حركة "فتح" أولاً ثم في السلطة الفلسطينية، وهذه بالتأكيد الفرصة المناسبة له التي لن يجد مثبلً لها.

ما الدور المنوط به دحلان إذن؟ وما الصيغة التي سيظهر بها؟ هذا أيضاً مما ستكشفه الأيام.

غزة تحت الجمر

لا يمكن لأحد أن ينكر أن قطاع غزة قد وصل إلى درجة من المعاناة لم يسبق لها مثيل، واجتمع عليه القريب قبل البعيد، وفعل فيه الحصار ما لم تستطع الحروب التي خاضها الاحتلال عليه أن تفعله.

ولا نستطيع أن نتخيل كمية الضغط الذي تعاني منه قيادة "حماس" في القطاع جراء هذا الوضع الصعب، الذي كلف سكان القطاع أرواحهم وصحتهم وأرزاقهم وكل شيء.

لذلك -في رأيي- سارع قادة "حماس" إلى القبول بأول طاقة تُفتح لهم لتخليص القطاع من هذه المعاناة، ولخلاصهم من هذا الضغط المتواصل، وهو الأمر الذي بدا هرولة من طرف واحد؛ غير أن الأمر ليس هكذا على إطلاقه، بالرغم من أن فيه من الوجاهة الكثير؛ فلعباس تحديداً أسباب كثيرة قد تجعل من المصالحة طوق نجاة بالنسبة له، وهذا ما سنبيّنه في النقطة التالية.

ما نتحدث عنه في هذه النقطة هو أن لحركة "حماس" أسبابها الوجيهة للمسارعة إلى عقد هذه المصالحة؛ لكن إلى أي مدى ستسير فيها؟ وبأي قدر من التنازلات قد تضطر إلى القيام بها في سبيل ذلك؟ وما مدى مساحة المناورة التي يمكنها القيام بها خلال مفاوضات المصالحة؟ وهل كان أمامها فرصٌ أخرى يمكنها استثمارها بدلاً من الوقوع في "فخ" هذه المصالحة إن جاز التعبير؟

عباس واستثمار المصالحة

يخطئ من يظن أن السلطة الفلسطينية ومحمود عباس تحديداً كان في غنى عن هذه المصالحة، أو أنه يقوم بها ليفرض فقط سطوته على "حماس" مستغلاًّ الظرف التاريخي الصعب الذي تعانيه الحركة، أو أنه ليس بحاجة إليها بقدر حاجة "حماس" لها وربما أكثر.

هذه كلها افتراضات بعيدة عن عين أي مراقب للحالة الفلسطينية؛ إذ إن محمودعباس في أمس الحاجة لتعزيز "شرعيته" محليّاً وعربيّاً ودوليّاً، في ظل المنافسة الشديدة التي يلقاها من خصمه اللدود محمد دحلان لذي أصبح يمتلك المال والسلطة والدعم والقبول في عدد من الدول العربية والأجنبية، إضافة إلى ما يمتلكه من أنصار في داخل غزة أولاً ثم في الضفة الغربية.

ثم هناك استمرار انسداد الأفق أمام مسار التسوية السلمية التي تمرغ عباس في ترابها ووضع كل بيضه في سلَّتها؛ إلا مسار التسوية قد توقف نتيجة لتطرف دولة الاحتلال، وللانحياز الأميركي المعتاد لها.

يضاف إلى ما سبق حالة الموات الذي تعاني منه منظمة التحرير الفلسطيني، والذي يعتبر انضمام "حماس" لها ترياق الحياة الذي سيعزز لعباس شرعيته وولايته وشرعية منظمة التحرير الفلسطينية في قيادة الشعب الفلسطيني، وأنها الممثل الشرعي للشعب الفلسطيني بحق.

وبالنسبة لحركة "فتح"؛ فإن المصالحة وسيلة لمعالجة أزماتها التنظيمية الداخلية، وبصفة خاصة المرتبطة بقطاع غزة، في ظل تحركات لأنصار دحلان كي يكون له دور ريادي داخل "فتح".

وهناك كذلك الفوضى العارمة التي تحيط المنطقة بأكملها وسط حديث عن تغييرات شاملة في المنطقة كلها، الأمر الذي جعل القضية الفلسطينية برمتها تتراجع في سلم الاهتمام الدولي والعربي، وهي القضية التي عاشت عقوداً متصدرة للأحداث.

وما يصيب عباس يصيب حركة "فتح" والسلطة الفلسطينية بأسرها؛ لذلك فالأرض مهتزة تحت أقدامهم جميعاً، وبالتالي جاء اتفاق المصالحة كطوق نجاة لعباس وفريقه، وكالحجر الذي يصيب به عشرة عصافير في آن واحد، ولهم فيه مآرب أخرى.

هل تنجح المصالحة هذه المرة؟

– هل ستنجح المصالحة هذه المرة أم سيحدث ما حدث من قبل مرات ومرات؟

سؤال لا يملك أحد إجابته المؤكدة الآن؛ لكن العديد من المراقبين غير متفائلين، ولا يرون أنها ستختلف عن غيرها في شيء.

بالنسبة لي أنا أتفق معهم في عدم التفاؤل هذا؛ لأن ثمن استمرار المصالحة يجب أن يدفعه الطرفان؛ وهذا الثمن متعارض بينهما لدرجة لا تسمح بتحقيقه إلا على حساب الطرف الآخر.

فمتطلبات نجاح المصالحة لدى حركة "حماس" هو قبولها بالانخراط في مسار السلطة، وهو ما يعني التالي:

* التنازل عن "إسلاميتها" كي يُسمح لها بالانضمام إلى منظمة التحرير الفلسطينية، وهو ما صرح به عباس صراحة في حواره الأخير مع القناة المصرية المذكور آنفاً، وغني عن الذكر أن إسلامية "حماس" هي هويتها التي قامت بها، ووقفت على أقدامها عبرها، وتخلي "حماس" عن إسلاميتها هو كتخلي الإنسان عن جلده، وتخليه عن جلده يعني موته المحتوم.

* التنازل عن خيار المقاومة، ولنكن أكثر دقة فنقول "تدجين" خيار المقاومة، وهو الخيار الذي استمدت قوتها منذ نشأتها، ونالت به الدعم داخليّاً وخارجيّاً، وهو الرئة التي تتنفس منها الحركة، وأي تنازل بسيط في هذا الخيار معناه اختناق الحركة، وإقدامها على الانتحار.

* الاعتراف بالسلطة الفلسطينية بكل ما تحمله من تركة مثقلة بالعقبات والتنازلات، وهذا يعني الدخول في دوامة اتفاقية أوسلو، والاعتراف بالكيان الصهيوني، والمفاوضات معه، والتخلي عن "فلسطين من البحر إلى النهر ومن الجنوب إلى الجنوب"، وهذا كله ما لا يمكن أن يقبله أي مناصر لحركة "حماس" في أية بقعة في العالم؛ فكيف يمكن لقيادة أن تقبله؟

* القبول بحالات الاختطاف والملاحقة التي تطال أنصارها في الضفة الغربية، والسكوت عن ذلك سكوتاً مطبقاً؛ مما يفقدها قواعدها داخليّاً ليس فقط في الضفة الغربية وإنما في قطاع غزة كذلك.

* التخلي عن حق العودة، وهو الأمر الذي أكسبها ثقلاً في الخارج الفلسطيني منذ إنشائها.

إن قبول حركة "حماس" المصالحة وفق شروط السلطة الفلسطينية وحركة "فتح" يعني ببساطة أن "حماس" لم تعد "حماس"، وإذا كان اسم "حماس" هو اختصار لحركة المقاومة الإسلامية؛ فماذا سيكون اسمها بدون مقاومة وبدون إسلام؟!.

أما السلطة الفلسطينية وحركة "فتح" فإن قبولهم المصالحة وفق شروط حركة "حماس" يعني التالي:

* إدخال حركة "فتح" تعديلات على نهجها السياسي، وتليين شروطها حتى تتمكن حركة "حماس" من الانضمام إلى منظمة التحرير الفلسطينية.

* التخلي عن اتفاقية أوسلو وجميع أشكال المفاوضات مع الاحتلال؛ وهو ما يعني فقدانها ظهيرها الذي طالما ساندها وهو دولة الاحتلال، ومن خلفه الولايات المتحدة الأميركية والغرب.

* إيقاف جميع أنواع التنسيق الأمني مع سلطات الاحتلال؛ وهذا معناه فتح الباب لإعادة انتشار قوات الاحتلال في الضفة الغربية، وربما الحديث عن حصار جديد لرام الله كحصار 2002م.

* فتح معسكرات التدريب العسكري للمتطوعين، وإحياء روح المقاومة في من تبقى فيه من روح في كوادر "فتح"؛ وهو ما يعني عودة الحراك الشعبي ضد الاحتلال، وعودة العمليات الاستشهادية، ومن يدري ربما ظهور انتفاضة فلسطينية جديدة، تذكرنا بانتفاضتَيْ 1987م و2000م.

* تشجيع روح المقاومة في الضفة الغربية؛ وهو ما يعني إكساب "حماس" عناصر جديدة تنتمي إليها، وتنخرط ضمن كوادرها.

وما سبق وغيره من الأمور أزعم أنها من المستحيلات، وأن أوسع شخص خيالاً في العالم لن يستطيع تخيل ذلك ولا حتى عُشره.

ماذا سيحدث؟

قد يتم تفريغ المصالحة من محتواها؛ وبالتالي تغدو كمن سبقها "أسمع جعجعة ولا أرى طحناً".

لا أظن أن تحدث حالة من المرونة في التطبيق تنعكس على الحكومة، وبالتالي ينعكس ذلك على ملفات شائكة كملفات الانتخابات والتنسيق الأمني وسلاح المقاومة والمعتقلين والملاحقين.

أتوقع أن يحاول محمود عباس إقصاء حماس كليّاً من المشهد تماماً، وسيواصل عباس الرهان على مفوضات السلام والدعم الإقليمي.

سنبقى في انتظار الدور المرسوم لمحمد دحلان في كل هذا، وعلاقة هذا بـ"صفقة القرن".

لا أظن أن يسارع الاحتلال الصهيوني ومن ورائه الولايات المتحدة إلى تعطيل تنفيذ هذا الاتفاق؛ لكن -وبكل تأكيد- سيضعون العصا في العجلة عبر التمسك باعتراف "حماس" بإسرائيل وهو الشرط التعجيزي الذي من شأنه بكل بساطة عرقلة الوصول إلى وحدة وطنية حقيقية يستعيد من خلالها الشعب الفلسطيني وجوده وعافيته، وتشارك في بنائه الفصائل الفلسطينية كلها.

وأخيراً أرى ما ارتآه غيري من أن هناك ما لم يُقل في هذا الاتفاق، وأن حركة "حماس" لم تقل الحقيقة، أو على الأقل لم تقل كثيراً منها.

لست متفائلاً.. نعم.. وهناك ما زال في الحديث حديث نعم.. لكن "لا تدري لعل الله يحدث بعد ذلك أمراً" ويصدق في فلسطين قول قيس بن الملوح:

وقد يجمعُ اللهُ الشتيتَيْنِ بعدما ** يظنَّانِ كلَّ الظنِّ أنْ لا تلاقيا
قد…

ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هاف بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

تحميل المزيد