صعق العالم عندما أعلن علماء أسكتلنديون في تسعينيات القرن الماضي عن استنساخ نعجة أطلقوا عليها دوللي.
بدأت دوللي حياتها في أنبوب اختبار عام 1996 قبل أن تتوفى بعد 6 أعوام.
وأشار تقرير لصحيفة "نيويورك تايمز" الأميركية إلى أنه عندما بلغت دوللي من العمر عاماً واحداً ظهرت عليها أدلة تشي بأن تطورها الجسماني أكبر من عمرها، ولما صارت في الخامسة من العمر أصيبت بالتهاب المفاصل العظمي، أما في الـ6 من عمرها فكشف تصوير طبقى محوري وجود أورام تنمو في رئتيها على الأرجح بسبب مرض معدٍ لا شفاء منه.
وبدلاً من أن يتركوها تقاسي وتصارع المرض، أراحها الأطباء البيطريون بحقنة مميتة.
المسكينة دوللي ما كان بيدها حيلة ولا فرصة. أم تراها كانت أمامها فرصة؟ تتساءل صحيفة نيويورك تايمز في تقريرها الذي نشر في 26 يوليو/تموز 2016.
نعرفكم بـديزي وديانا وديبي ودينيس. يقول عنهن كيفن سينكلير عالم الأحياء وتطورها من جامعة نوتينغهام "إنهن سيدات مسنات ويتمتعن بصحة عالية رغم عمرهن".
وقد أجاب سينكلير وزملاؤه من جامعة نوتينغهام البريطانية عن سؤال لطالما حيّر الكل حول إصابة الحيوانات المستنسخة مثل دوللي بالشيخوخة المبكرة.
تعيش بشكل طبيعي
ففي دراسة لهم نشرت الثلاثاء 26 يوليو 2016 في مجلة Nature Communications أخضع العلماء تلك النعاج الأربع التي خلقت من نفس نوع الخلية التي خلقت منها دوللي، فضلاً عن 9 نعاج أخرى مستنسخة، إلى اختبارات وجدوا من بعدها أنه بعكس المعتقد السائد فإن الحيوانات المستنسخة يبدو أنها تشيخ بشكل طبيعي.
يقول باسكالينو لوي، أحد العلماء الدارسين للاستنساخ بجامعة تيراما الإيطالية ولم يشارك بالدراسة في رسالة إلكترونية: "إنها (النعاج) ليست وحوشاً".
ميلاد دوللي الذي يُصادف هذا الشهر ذكراه الـ20 أثار العالم وأحدث ضجة لا حد لها، كان العلماء قد أخذوا خلية واحدة من ضرع نعجة، ثم زرعوها في خلية بويضة أزيل منها حمضها النووي (DNA) ما أدى بنجاح إلى ولادة حيوان حي يتنفس ويشبه إلى حد بعيد التركيب الجيني للنعجة التي أعطت خلية الضرع.
حظر
لكن التحديات التي واجهت صحة دوللي وغيرها من حالات الحيوانات المستنسخة التي أصابتها أعراض كمرض السكري والسمنة جميعها صعّبت وعقّدت موقف هذه التقنية خاصة في مواجهة الجدل الأخلاقي والأمني الذي رافق قضية الاستنساخ. ولم تكتفِ دول عديدة ككندا وأستراليا بحظر الاستنساخ التناسلي للحيوانات، بل كذلك جاء قرار من الأمم المتحدة يحظر جميع أنواع الاستنساخ للإنسان عام 2005؛ ثم في الأسبوع الماضي حظر الاتحاد الأوروبي استيراد الأغذية المصنوعة من الحيوانات المستنسخة أو نسلها.
قرارات الحظر التي توالت عززتها كذلك الأخطاء ومواطن الفشل التي شابت عملية الاستنساخ، فالقليل من الأجنة تنجح بالنمو حتى تصل إلى مرحلة تخلق الجنين، ومن ثم فإن عدداً أقل من تلك الأجنة المتخلقة تتمكن من البقاء على قيد الحياة بعد عمر العام أو العامين، وكذلك عدد أقل بكثير يعيش حتى يبلغ النضج والكبر.
وقد أشار الكثيرون بإصبع الاتهام إلى الاستنساخ عندما بدأت أعراض الشيخوخة المبكرة تظهر على الحيوانات الناضجة.
النعجة دوللي وجدل الاستنساخ
عام 1997 كشف علماء اسكتلنديون أنهم استنسخوا نعجة سمّوها دوللي، فأثار الخبر موجة من الدهشة صعقت العالم بشأن آفاق العلم المستقبلي واتجاهاته.
ولكن الآن وبناء على نتائج هذه الدراسة الجديدة فقد أكد العلماء الاعتقاد الذي اعتقده معظم العلماء قبل سنين، والذي يقول إن الاستنساخ لا يؤدي إلى الشيخوخة المبكرة.
بدأ د. سينكلير وزملاؤه بدراسة الشيخوخة في تلك النعاج الـ13 التي كان أصلاً معدة لدراسة كفاءة التناسل الصناعي بعدما توفي كيث كامبل عام 2012 وهو الذي كان يعنى بقريبات دوللي.
كانت النعاج في أعمار تتراوح بين 7 و9 سنوات، أي ما يوازي 60 عاماً بمقياس عمر الإنسان.
وبغية كشف أدق أعراض الشيخوخة عمد العلماء إلى إجراء مجموعة اختبارات لسبر أعراض أمراض القلب وداء السكري من النوع 2 ومرض التهاب المفاصل العظمي.
يقول سينكلير: "كل ما أردنا التحقق منه هو: هل هي (النعاج) طبيعية؟".
الإجابة جاءت في معظمها بنعم، إنها طبيعية. اختبارات تحمل الغلوكوز والأنسولين لم تكشف أية أمور غير طبيعية، كما أن اختبارات ضغط الدم كانت هي الأخرى طبيعية.
كما كانت النعاج مرنة ومستجيبة للاختبارات العضلية والعظمية، لكن بعضها بالفعل أبدى علامات التهاب المفاصل العظمي.
ففي صور أشعة ديبي ظهر أن التهاب مفاصلها متطور أكثر عن غيرها، لكن د. سينكلير قال إن لا غرابة في ذلك.
جوزيه تشيبيللي عالم الاستنساخ التناسلي في جامعة ميشيغان الأميركية ، قال إن أدلة أخرى تنفي وتدحض الشيخوخة المبكرة في الحيوانات كانت سابقاً قد وجدت لدى الفئران والأبقار.
لكن دراسة النعاج أثبتت أنه ما إن تتعدى الحيوانات المستنسخة أعوامها الأولى من الحياة فإنها لن تموت أسرع من غيرها من الحيوانات.
وقال تشارلز لونغ عالم التناسل الصناعي في جامعة تكساس A&M الذي لم يشارك بالدراسة: "إن هذا يغير تماماً نظرة الناس إلى الاستنساخ".
توفير الطعام
ويأمل علماء كثيرون أن تغير النظرة هذا سيؤدي إلى تقدم في تقنيات التناسل ويمكننا من توفير الطعام لسكان العالم الآخذين في التزايد، فضلاً عن حماية أنواع الحيوانات المهددة وتطوير العلاجات المتقدمة.
ولا يرى العلماء الذين شاركوا في الدراسة ولا غير المشاركين بها أن الأمر معناه أننا مقبلون على استنساخ الإنسان قريباً، ولا يشجع أي منهم على ذلك، لكنهم مع ذلك لا ينفون أن أحداً قد لا تحدثه نفسه بتجربة ذلك.
لكن هل الاستنساخ آمن؟
يقول سينكلير: "لو نطقوا لقالوا: نعم إنه آمن تماماً. فبالنسبة لهم لقد تمت عمليتهم كلها بشكل ممتاز، لكن نعاجاً أخرى عانت كي تتأقلم من بعد الولادة".
لن يكون الاستنساخ آمناً تماماً حتى تتمكن الأجنة من البقاء على قيد الحياة بنسب مشابهة للحمل الطبيعي أو حمل الأنابيب، لكن حتى لو نجح ذلك وتم، فلن يغني ذلك شيئاً عن الجدل الأخلاقي الذي سيستمر.
ويرى بعض العلماء أنه مع التقدم والتطورات الأخيرة فقد تظهر لنا خلال 5 أو 10 أعوام طرق استنساخ جديدة آمن وأكثر كفاءة "فالاستنساخ يدخل مرحلة جديدة" حسب رأي د. لوي.
وأشار تقرير "نيويورك تايمز" إلى أن قريبات دوللي ستعيش قرابة عام آخر حسب التوقعات. من بعدها سيعكف العلماء على دراسة أمور أخرى غير طبيعية لعلهم لم يكتشفوها بعد.
أما في الوقت الراهن فديبي تأخذ جرعات من الأيبوبروفين مع حبوب إفطاره الصباحي.
– هذا الموضوع مترجم عن صحيفة New York Times الأميركية. للاطلاع على المادة الأصلية اضغط هنا.