جعجعة بلا طحين وبرلمان بلا تمكين

من أجل الخروج من هذه الهاوية، هاوية النزاعات والمصالح الشخصية، ليس أمامنا إلا خيار واحد فقط، وهو الاتجاه نحو حكومة الأغلبية

عربي بوست
تم النشر: 2018/02/14 الساعة 01:35 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2018/02/14 الساعة 01:35 بتوقيت غرينتش

بعيداً عن البروباغندا، وتجنباً للوقوع في مطباتها ومنزلقاتها الخطيرة، ومسالكها المتعرجة، أجد من المناسب عدم شخصنة الأحداث وتأطيرها بإطار الميول والتوجهات؛ لتفادي السقوط في هاوية الصراعات الحزبية المتنافسة في ميدان السباق الانتخابي، وما يسبقها ويلحقها من تحالفات وتكتلات حزبية، تكاد لا تعدو كونها حلقة جديدة من مسلسل يومي، لم أجد له تصنيفاً أبلغ من وصفه بـ"الميلودراما"… فما هي إلا تتمة لأحداث متتالية بدأت أحداثها تتسارع وبوتيرة متناقضة بين تصاعُد وتسافُل، كبندول ساعة عتيقة يتأرجح بين الأمل والانتظار.

دعونا نتكلم عن تجربة الانتخابات البرلمانية العراقية، لقد مر العراق بثلاث تجارب انتخابية ورابعة ما زالت تتمخض في غرف مظلمة من دهاليز الأجندة والمصالح الفئوية والإرادة الحزبية؛ لتلدَ لنا كالعادة من أخواتها السابقات برلماناً معاقاً بملازمة "جيلن باري" وهو (مرض عصبي حاد يصيب الأطراف من جذورها)؛ لتتعالى من بعده الأصوات بالعويل والنائحات.

لا يختلف اثنان من الجانب النظري على أن التجربة الديمقراطية في العراق تجربة حضارية بامتياز قلَّ نظيرها بالمنطقة، أو أنها تكاد تكون هي الوحيدة من نوعها؛ لما لها من شفافية في الممارسة والآليات والإجراءات، فهي من حيث المبدأ (الانتخابات) تعد الوسيلة الأنجع والأكثر قبولاً، إن لم تكن هي الوحيدة لإضفاء الشرعية لتشكيل الحكومات والأنظمة، وذلك من خلال شمولية حق الانتخاب، وعدم حرمان أي عنصر من حق المساهمة في العملية السياسية، وإبداء الرأي وحرية الاختيار، الأمر الذي ساهم كثيراً في قطع الطريق أمام الإقصاء والتفرد، إما من الجانب العملي والنتاج الفعلي، فإنها ما زالت تحبو، أو أنها ما زالت في طور مراحلها الأولية للبناء.

فهي لم ترتقِ بعد وحتى هذه اللحظة وعلى الرغم من مرورها بثلاث تجارب سابقة من لعب دورها المفترض، في تحقيق وتلبية متطلبات المواطن العراقي وطموحاته في حياة كريمة تعمّها الرفاهية والاطمئنان، الأمر الذي انعكس سلباً على ثقة المواطن العراقي بعموم الطبقة الحاكمة، وبالتالي أدى إلى ظهور نزعة التمرّد على العملية السياسية برمّتها، وكان ذلك جلياً من خلال تعالي أصوات المستائين والمنادين المقاطعين للانتخابات القادمة.

إن جلَّ ما يحدث اليوم في العملية السياسية وضعف قدرتها على بناء جسور الثقة مع المواطن يعود لسببين:

الأول: هشاشة المنظومة القيمية للمتصدين للعملية السياسية وغياب الروح الوطنية، وتغليب المصالح الشخصية حتى قبل الحزبية منها، مما ترك انطباعاً سيئاً لدى المواطن تجاه الطبقة السياسية المتصدية، كما أنه انعكس بطبيعة الحال أيضاً على سلوكيات الساسة داخل قبّة البرلمان نفسه، لتكون المناكفات السياسية والمزايدات الحزبية قبال المصلحة العامة هي الصفة السائدة، والشغل الشاغل لمعظم البرلمانيين، فهي ليست في حقيقتها اختلافاً على منهاج أو أيديولوجيا معينة بقدر ما هي اختلاف من أجل الحصول على مكاسب، أو لقطع الطريق أمام الطرف الآخر من أجل عدم حصوله على مكاسب، سواء أكانت سياسية أو جماهيرية.

فمن خلال متابعاتنا لأعضاء البرلمان وواجباتهم البرلمانية، لن نجد أحزاباً فاعلة بما للكلمة من معنى، بسبب تعدّد الأحزاب وتنوعها، وهذا سيؤدي بطبيعة الحال إلى تشتت القرار البرلماني وضعفه، تبعاً للأجندة والمتباينات ناهيك عن المزايدات والصراعات الفئوية.

الأمر الآخر يتعلق بالآلية والبنية البرلمانية نفسها، فمن أجل الخروج من هذه الهاوية، هاوية النزاعات والمصالح الشخصية، ليس أمامنا إلا خيار واحد فقط، وهو الاتجاه نحو حكومة الأغلبية، حكومة منبثقة من كتل منسجمة برؤية موحدة، فلا يمكن أن يكون البرلمان فاعلاً بقراراته، قوياً بإجراءاته دون وجود أحزاب قوية منسجمة، في إطار الشعور العالي بالمواطنة وتغليب المصلحة العامة على المصلحة الشخصية، من خلال طرح المشاريع والبرامج التنموية التي هي على تماسّ مباشر مع المواطن وطموحاته التي طالما كان يحلم بتحقيقها.

ملحوظة:

التدوينات المنشورة في مدونات هاف بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

تحميل المزيد