يبدو الاسم كحمية غذائية أو صرعة جديدة في مجال الصرعات الطبية، لكنه قد يُخفي وراءه حقيقة لا يعلمها إلا المرضى بداء يسمى داء السيلياك.
قبل خمس سنوات، قرأت اسم "السيلياك" في عُجالة، وقبل سنتين قرأت عنه بتمعّن حينما أصبتُ بالحساسية من القمح الكامل، أما فبراير/شباط العام قبل الماضي، فقد أعلن الطبيب الاختصاصي انضمامي رسمياً إلى مرضى السيلياك المنتشرين في جميع بلدان العالم، قال لي الطبيب: إن إصابتي بهذا المرض تُعتبر في نظره حالة نادرة؛ لأن معظم المصابين به من ذوي البشرة البيضاء، الأوروبيين.
لكني وبعد أشهر من البحث، وجدتُ المئات بل الآلاف من مرضى السيلياك منتشرين في عالمنا العربي كله، فما هو السيلياك؟
* يُسمى أحياناً الداء البطني أو المرض الزلاقي، هو مرض يصيب الجهاز الهضمي كردَّة فعل على التعرض لمادة الجلوتين.
* ما هو الجلوتين؟ الجلوتين هو عائلة من البروتينات موجودة في بعض الحبوب مثل القمح، والشوفان، الحنطة والشعير.
حين يتناول شخصٌ مصاب بالسيلياك أطعمة تحتوي على الجلوتين، يقوم الجهاز المناعي في جسمه بمهاجمة أنسجة الأمعاء الدقيقة فيسبب ضرراً للأهداب المبطنة للأمعاء الدقيقة، مما يجعلها عاجزة عن امتصاص بعض مركبات الغذاء الضرورية.
ويؤدي سوء امتصاص المواد الغذائية هذا -في نهاية المطاف- إلى نقص في الفيتامينات، مما يؤدي إلى حدوث خلل في وظائف أعضاء كثيرة.
على الرغم من أن المرض جيني، ولكنه ليس بالضرورة وراثياً، قد تكون هناك جينات للمرض دون أن يظهر المرض؛ لأن المرض يعتمد أيضاً على عوامل بيئية. فقط لدى حوالي 15٪ أو حتى أقل (من مجموع الذين يتم تشخيص السيلياك لديهم) يكون هناك مصابون بالمرض أيضاً من الأقارب من الدرجة الأولى.
* تشخيص المرض: هناك تحليل في الدم يطلبه طبيب العائلة، لكن الدليل الأكيد على وجود المرض هو الخزعة "عينة" من الأمعاء الدقيقة.
* أعراضه:
وقف النمو عند الأطفال، وعدم زيادة في الطول بشكل ملحوظ، إمساك أو إسهال، مغص شديد بالبطن، قيء مستمر، فقدان للشهية، وهن وضعف، انتفاخ شديد، أنيميا واكتئاب، حساسية شديدة بالجلد.
بعض المرضى قد لا يشعرون بهذه الأعراض، لكن هذا لا يعني أن الجلوتين لا يؤثر عليهم. قد تسبب بقايا ضئيلة من الجلوتين في الطعام الضرر لهؤلاء، حتى إذا لم تظهر لديهم أية علامة من علامات الداء البطني.
بالإضافة إلى هذه الأعراض، يعاني مرضى السيلياك من أعراض أقل ظهوراً للعيان، تشمل:
* الضيق والاكتئاب.
* المعدة المتهيّجة (العصبية).
* آلام في المفاصل.
* تشنجات عضلية.
* تقرحات في الفم.
* مشاكل في الأسنان أو في العظام.
بعض مرضى السيلياك يعانون من فرط الحساسية لسكر الحليب "اللاكتوز" الموجود باللبن وبعض منتجاته، ويجب أن يتناولوا اللبن الخالي من اللاكتوز.
* علاجه: حتى الآن لا يوجد علاج من السلياك إلا الامتناع عن أي طعام به جلوتين. قد يبدو الأمر سهلاً لأول مرة، لكن الحقيقة غير ذلك؛ فالجلوتين موجود في أشياء كثيرة غير الخبز والمكرونة، وأنواع البسكويت.
هناك بعض الأطعمة لن تتصوروا أنها تحتوي على جلوتين، مثل الشيكولاتة والصلصات، والأطعمة المعلبة، وبعض أنواع معاجين الأسنان. بعض كبسولات الأدوية مثلاً تحتوي على جلوتين.
صار لزاماً عليَّ أن أفحص كل طعام أشتريه وأقرأ المكونات جيداً، أما تناول الطعام في محلات الأكل والمطاعم فصار نوعاً من المخاطرة؛ لأن أي طعام وإن كان خالياً في حد ذاته من الجلوتين، كالأرز مثلاً، قد يتلوث بالجلوتين بمجرد ملامسته لطعام آخر كالخبز، أو كأن يستخدم الطاهي نفس الملعقة التي قلب بها المكرونة في غرف الأرز.
* مضاعفاته:
إذا لم يلتزم المريض بالنظام الغذائي الخالي من الجلوتين يتعرض لمخاطر الإصابة بالسرطان اللمفاوي للأمعاء، وهشاشة العظام، والتقزم وقصر القامة، والإجهاض المتكرر نتيجة سوء الامتصاص، وإذا لم يشخَّص في الأطفال فهو يؤدي للموت نتيجة سوء التغذية.
أصبح التواجد في التجمعات والحفلات التي يحضر فيها المشاركون أطباقهم معهم نوعاً من العذاب.
بالنسبة لي، دائماً ما أحضر طعامي الخاص، وأرغم نفسي على عدم التحديق كثيراً في المعجنات والحلويات التي عادة ما تحفل بها تجمعاتنا العربية.
تعودت أن أشرح لمن لا يعرفونني لماذا لا أستطيع تناول الخبز الساخن الموضوع على الطاولة أمامي، ولماذا لا أستطيع تذوق "البسبوسة" اللذيذة.
في إحدى المرات، تمت دعوتي إلى الغداء، وتحرجت أن أذكر مرضي، فكانت النتيجة أني لم أذق من الطعام إلا نوعاً من اللحوم. بعدها قررت أن أصارح مضيفي، حتى لا يضيع وقتهم في عمل أصناف من الطعام لن أتذوقها.
أدى هذا المرض بي -أول اكتشافه- إلى إصابتي بنوع من الاكتئاب والإحساس بالحرمان، والجوع الدائم.
ما زلت أذهب إلى المحلات، أطالع أنواع البسكويت والمعجنات المخبوزة بالقمح العادي، وكأني أودعها!
في خلال العامين الأخيرين، امتدت مساحات الأرفف التي تعرض موادّ غذائية خالية من الجلوتين، وارتفعت الأسعار أيضاً، وتنوعت الخامات.
أصبح الأمر فيما يبدو تجارة رائجة؛ حيث إن أحدث صرعات الحمية الغذائية في الغرب الآن هو الطعام النباتي الخالي من الألبان، والدهن وأي منتج حيواني ومن الجلوتين.
ما زلت أفتقد طعم الكنافة والبقلاوة وباقي الحلويات المميزة من عالمنا العربي، خاصة في شهر رمضان!
إذ بينما تمتلئ الأرفف هنا بأنواع البسكويت والرقاقات المملحة والمعكرونة الخالية من الجلوتين، إلا أن طعامنا العربي التقليدي ليس مما يستهوي مريض السيلياك النمطي الذي تخاطبه شركات الأغذية هنا.
كمريضة سيلياك مسلمة في كندا، فإن التحدي الذي يواجهني حينما أبحث عن طعام مناسب لي، أن يكون الطعام حلالاً وخالياً من الجلوتين، وهو تحدّ ما زال صعباً حتى الآن!
استطعت العثور على بعض مرضى السيلياك من العرب الذين يعيشون في مقاطعتي، وتجمعنا في صفحة على الفيسبوك، نتبادل بعض الخبرات ونتشارك أماكن الطعام المناسب لنا.
أملي أن نكون عدداً لا بأس به، ونستطيع إقناع الشركات المنتجة لطعامنا بأن تقدم لنا صنفاً يناسب عاداتنا الغذائية، ويكون حلالاً إذا احتوى على اللحم.
ربما يكون هذا حلماً بعيد المدى، لكن.. ألَم تبدأ كل الإنجازات بحلم صغير؟
ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هاف بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.