أسماؤنا التي وهبتها لنا الثورات

وإلى متى سيلازمني هذا الاسم الذي اختارته لي الثورة حالي حالَ آلاف الشباب الذين انخرطوا في صفوف الثورة، وهبوا للدفاع عن الأرض والعرض بالقلم والكاميرا والسلاح، وراحوا يستترون وراء أسماء جديدة، وكأنهم نزعوا أرواحهم عن أسماء بالية تتلقى ولا تتكلم

عربي بوست
تم النشر: 2016/11/12 الساعة 03:07 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2016/11/12 الساعة 03:07 بتوقيت غرينتش

صديقي "أبو محمود" الذي ما زال يقاوم في غوطة دمشق الشرقية بقلمه وفكره، وأنا المنفي خارج هذه الأرض منذ أكثر من أربعة أعوام، يعرفني قبل اندلاع الثورة السورية باسمي وأعرفه باسمه، حينها لم يكن لنا حاجة بأسماء حركية وهبتها لنا الثورة على عَجَل دون إرادةٍ منا، تفادياً من وقوعٍ محتمل بأيدي وحوش نظام الأسد المفترسة التي كان يحرص على تربيتها وتسمينها كأي حيوانٍ مفترس إبان اندلاع ثورة الكرامة في سوريا.

صديقي منذ ذلك التاريخ كُنّي بأبي جعفر، وأصبح اسمي الجديد لؤي.. أخذت علاقتنا تدريجياً تتباعد مثلما تباعدت المسافة بيننا، وأصبحت مراسلاتنا تقتصر من وقتٍ إلى آخر على السؤال عن الحال والصحة، وتمنّي كل منا للآخر العيش بسلام والأمل بلقاءٍ قريب كنا نعلم جيداً في كينونتنا مدى بعده؛ نظراً للمعطيات والوقائع التي تمر بها سوريا، وتزداد في تشابكها وتعقيدها، كما لم يحدث أن تأزمت كبرى القضايا الدولية على مر التاريخ.

أكتب له اليوم:
أبو حيدر.. كيف أيامك؟ ولم أجد في نفسي تفسيراً لمخاطبته بهذا الاسم.
شفتك مشيّر مقال لكاتب على مدونات الجزيرة.. ليش ما بتجرب تعمل حساب بموقعهم وتبعت لهم؟

عندك أسلوب طرح جميل وبتوقع أنت صاحب فكر وصحفي قبل أي شيء.
يرد عليّ: أهلين لؤي.. أنا بخير الحمد لله، امبارح سويت حساب وأنتظر الموافقة عليَّ كمدون.

صمتت قليلاً.. ما الذي دفعني إلى الكتابة لأبي حيدر الذي يختبئ وراء شخصية صديقي أبو محمود؟ ولماذا هو الآخر رد عليّ بالاسم الذي اضطررت لأن أكنى به عند أول لحظة قررت فيها سراً دخول العمل الإعلامي إلى جانب فريقٍ صحفي من الهواة الشباب الذين رأوا بأم أعينهم رصاصات جيشهم السوري العرمرم تخطئ طريقها من هضبة الجولان إلى هضبة حوران وسهول الغوطة وإدلب وحمص..

وإلى متى سيلازمني هذا الاسم الذي اختارته لي الثورة حالي حالَ آلاف الشباب الذين انخرطوا في صفوف الثورة، وهبوا للدفاع عن الأرض والعرض بالقلم والكاميرا والسلاح، وراحوا يستترون وراء أسماء جديدة، وكأنهم نزعوا أرواحهم عن أسماء بالية تتلقى ولا تتكلم، تُأمر ولا تعترض، تُهان ولا تجرؤ على التفوه بأي كلمة إلى أسماء أخرى متحررة جريئة طموحة تستعد لبناء الوطن من جديد، أو إعادة هيكلته على الأقل.

أعيشُ بين أهلي وأصدقاء الطفولة باسم، وأخرج على الشاشة لطبيعة عملي كمقدم للأخبار والبرامج باسمٍ آخر؛ لأكون علاقاتٍ جديدة وأضيف أصدقاء جدداً إلى رصيد اسمي لؤي على حساب اسمي الأول الذي يكاد يتلاشى خلف عتبات الاسم الجديد، ولا أجد حتى سبباً أو مبرراً لنفسي كي أذكره هنا بين دفتي مقال، لم تهبني الثورة اسماً فقط، بل وهبتني اسماً وعملاً وعمراً جديداً بأكمله، اختلفت معه نظرتي للحياة، ولكثيرٍ من الأشياء فيها كذلك.

ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

تحميل المزيد