إن الحركة الإسلامية جزء من المجتمع، تجري عليها القوانين المجتمعية، وتحكم بضوابط تنظيماته، وبما أنها تجمع بشري، فإن معيار البقاء لأي تجمع بشري قائم على عدة أمور، أهمها التحديث والتطوير الداخلي، ذلك إن أراد هذا التجمع البقاء بمفهومه المعروف من تأثير وتأثُّر، وتمدد فكرته، وجلب مريدين وأنصار.
ولا شك أن الحركة الإسلامية بمختلف راياتها هي في الأصل تجمع بشري متمدد في الأرجاء، له قيادة وصف ومنابر إعلامية تعبر عن آرائها وأطروحاتها الفكرية والسياسية، وتتواصل أيضاً مع العالم الخارجي من خلال هذه المنافذ؛ لذا فإن الحركة الإسلامية اليوم في أشد الحاجة للتطوير والتحديث الصادق، الذي يعزز وجودها، ويحتوي أبناءها، ويقضي على كل محاولات الوقيعة، ونغمات الكراهية، والمزايدات والتخوين، فالتغيير سُنة كونية وضرورة حياتية مُلحة، وهو ما يعطي قُبلة الحياة والنشاط والهمة العالية للحركة الإسلامية.
وأنا هنا أتحدث بشكل صريح عن المشهد المصري كنموذج في حتمية التغيير والتطوير للحركة الإسلامية، وفي القلب منهم جماعة الإخوان المسلمين، رمانة ميزان الإسلام السياسي في الشرق الأوسط.
ولا يخفى على أحد ما تعانيه هذه الجماعة الأم هذه الأيام، ودون الخوض في هذه المشاكل، وحتى لا نتَّهم بأننا نضع البنزين على النار، لكن اليقين عندي أنها أزمة شديدة تفوق أزمات الخمسينيات، شاء مَن شاء وأبى مَن أبى، ولا مجال لنشر ثقافة التسكين، أو إشهار سلاح التخوين، أو حتى عبارات عاطفية بأن هذه الدعوة تنفي خبثها، فليس معقولاً أن نصدر هذه العبارات في وجه كل مَن يسعى للتغيير، أو يطلب التجديد والتطوير في الإدارة على مستوى الأفهام والأفراد، فالأمر سُنة كونية، والنبي الأكرم وهو القدوة تحدث أن الله يبعث على رأس كل مائة عام مَن يجدد لهذه الأمة أمر دينها، فكيف لا تجدد وتحدث الدعوات والأفكار بما يتماشى مع الواقع الحالي؟
لقد عانى الصف الإخواني ومع الأسف لم يجد من يحنو عليه أو يبصره ويوضح له الحقائق حتى تطمئن القلوب والعقول، وما زالت المعاناة قائمة، وأتعبته محنة الانقلاب، وزادت جراحه، هذه البيانات والنزاعات واختلاف الكلمة ونكران الجميل، بل وذهاب الفضل بين الأحبة، حتى أصبحنا محل شماتة وسخرية بسبب هذه النزاعات والاختلافات والسجال الإعلامي الشديد، مما أثار الحزن، وترجمت العين ما يجول في الصدور، فانساب البكاء على حالنا المتجمد، وصار انفراط العقد الوثيق أمراً محل انتظار وترقب.
وعليه.. فإن حتمية التغيير الشامل في الجماعات والحركات، وتصدر الشباب للعمل والإدارة من العوامل الصحية بل طوق نجاة، والضمانة الحقيقية للبقاء، فالشباب هم الأمل المنشود القادم، وشباب الحركة الإسلامية أكثر طاقة وكفاءة، ولكنها مهدرة ومتروكة، والنبي الأكرم تحدث أنه: "نصرني الشباب وخذلني الشيوخ".
وكثيراً ما نردد قصص تولّي القيادة، وإصرار النبي على التغيير، ومنح الفرصة للشباب القادة، ونذكر مثلاً بالصحابي أسامة بن زيد، رغم حداثة سنه وقلة خبرته في الحياة العسكرية، وتحول الموقف مع الأسف إلى دندنة في الغرف المغلقة، ونضرب مثالاً للجندية الصادقة بوجود الكبار أبي بكر وعمر في الجيش، دون تطبيقها على كبارنا وقادتنا وكأنهم في عصمة من التغيير.
لكن عزائى أنها نفوس بشرية، فليسوا ملائكة معصومين، بل نفوس ونفوذ، ولا مجال للتنطُّع أو المغالاة فالحي لا تؤمن عليه الفتنة.
وهنا سؤال لا بد منه: ما هو المانع والمعوق لهذا التغيير والتطوير؟ والجواب الذي أقتنع به كفرد أفخر بانتمائي لهذه الشجرة الطيبة، وكمتابع وكاتب في الحركات الإسلامية، أن العائق كمثال واقعي هو الشعور بأن الدعوة وإدارتها كبيت مملوك لعائلة فقط، ومن يحاول الدخول لمعالجة بعض المشاكل والانهيارات في الحائط، أو ترميم البيت ككل، يتم منعه، زاعمين أن صاحب البيت الذي لم يرَه أحد موجود في غرفة داخل البيت، لكنها بعيدة عن الناظرين! وكلما طلب البعض رؤية صاحب البيت، لمناقشته في حتمية ترميم وإعادة ملامح ورفع قواعد البيت فالوضع خطير والتصدعات واضحة في البنيان لكن يكون الجواب بالرفض والإقصاء أحياناً، فضلاً عن اتهامهم بالسعي لتفكيك البيت وهدمه، وهذا غير مقبول، لكنه ليس محلاً للاستهلاك اللفظي أو الكتابي، بل هو ترجمة بسيطة واقعية لمعوقات البناء والترميم والتحديث، وما ينتج عن هذا الأمر من تفويض بإدارة البيت بشيء من الهدم والفرقة بين أبناء العائلة الواحدة والاستمرار في سيل النعرات التي لا تسمن ولا تغني من جوع، حتى صار الوضع شقاقاً واتهامات وكل هذا والخصم متمكن وسعيد بما حققه، فالضربات قوية جداً، والحال صعبة داخل البيت الواحد الذي شاخ، ولا بد من ترميمه.
الخلاصة: إن الدعوات والأفكار تندثر إذا وقفت مكانها والكل يتغير حولها، عندها تذهب ريحها، وإن القادة والأفراد لا يملكون صكاً بالثبات أو القدسية، فكلكم لآدم، وآدم من تراب، فالسياسات الخاطئة في إدارة الدعوات قد تعجّل بزوالها؛ لتصبح أثراً أو ذكرى تاريخية فقط، وقتها لن يرحمنا أحفادنا فضلاً عن التاريخ.
لذا، فواجب الوقت هو الاستمرار في السعي للتغيير دون التفات لكل معطل أو مدّعٍ للبناء، فمن كان يوماً أصلاً للمشكلات لن يكون يوماً سبباً للحل والاستقرار، وحتمية تقديم كل من تصدر أو تولى يوماً مهام لكشف حساب بما فعل وما أخّر، وما هي المعوقات والإيجابيات، لنحيي معاً مبدأ المحاسبة داخل الصف الإسلامي، فخلفنا آلاف الشهداء والمعتقلين يصرخون أن كفى نزاعاً وتشرذماً.
أيها القادة.. إن الصف يطمع في تغيير حقيقي يتماشى مع الواقع وحجم التجبر والتكبر والتآمر المركب على مدار الساعة، نريد وحدة الراية، وتوحيد الكلمة، وحسن العمل، والتجرد، نريد تطبيقاً لسنن التغيير بأيدينا، وعلى القادة الكرام أن ينتهجوا نهج شيخ الثوار المرشد السابق الأستاذ مهدي عاكف، الذي رفض البقاء رغم حقه فيه، لكنه ضرب مثالاً راقياً في فن القيادة لفهمه أن هذا هو الطريق الناجح واليافع.
ختاماً.. وحتى لا يصطاد البعض في الماء العكر، يجب أن نفرق بين نقد الأشخاص كمديرين لعمل وقادة وحملة لواء، وبين الطعن في الأخلاق والصفات، فالجميع على الرأس، له كامل التوقير الشخصي، لكنه محل سؤال وعتاب ونصح على المستوى الإداري.
أسأل الله أن لا يذيقنا حظ أنفسنا، وأن يرزقنا صدق التجرد له ولدعوته.
ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.