إن عملية توجيه الانتقاد والاستنكار، سواء على الأفراد أو المؤسسات أو الدول، تستلزم ابتداء أن يكون الناقد مبرأً مما ينكره على الآخرين ثم – وهو الأهم – تناول الآخر بالانتقاد وتسليط الأضواء على الجوانب السلبية فيه يجب أن يقابله استعداد وقدرة على إعطاء هذا الحق – حق الانتقاد – للآخر ليمارس عليه نفس هذا الدور.
أي أن يكون الشعار والممارسة واحدة، ومتطابقة كما في القول والفعل، فيتحقق معيار صدق التوجه وشرط القسط في الميزان. ولذلك دائماً ما يقولون إذا أردت أن تختبر المصداقية فما عليك إلاّ أن تختار مبدأ معيناً وتراقب مدى تطبيقه والصمود عليه في عدة مواقف وقضايا، فإذا صمد الرأي والموقف ذاته، ولا يتغير أمام أمور معينة أخرى شبيهة بالقضايا ولا تختلف عنها؛ فاعلم أن المصداقية التي وُضعت على المحك قد كُتب لها النجاح، وغير ذلك يُسمى ازدواجاً وتناقضاً.
مناسبة هذه المقدّمة هي حجم التقارير والبيانات التي تصدّرت هذه الأيام بعض نشرات وعناوين دول ومنظمات أممية وحقوقية تتناول الوضع في مملكة البحرين بصورة يُخيل إلى متابعي تلك التقارير والبيانات فقدان الأمن والأمان وربما انتشار الفوضى أو مثلها مما يُراد ترويجه عنها بخلاف الواقع الذي يعيشه ويعرفه أهلها.
تضخيم حوادث معينة والمبالغة فيها وحمْلها لتتصدّر واجهات ناشطة، سواء إعلامية أو حقوقية، مع أن مثلها وأكبر منها يقع في مختلف دول العالم فلا يكون لها ذات الصدارة عند هؤلاء إنما ينبئ عن أن البحرين باتت مطلوبة أكثر في لعبة التآمر على مقدّرات ومكتسبات الشعوب، وأنها ما زالت محط أنظار الطامعين والمتربصين بها خصوصاً، وبدول الخليج العربي عموماً.
إن أحداثاً من مثل هروب أشخاص من أحد السجون أو تنفيذ حكم إعدام في محكومين استوفى الحكم عليهم كل درجات التقاضي والاستئناف والتمييز؛ ليست نادرة اختصّت بها البحرين فقط، أو أنه لا يوجد ما يضاهيها من عمليات هروب مساجين أو إعدام محكومين.
والواقع أنه كنّا – على الأقلّ – سنصدق أو سنتفهم هذا القلق الذي أبداه البعض لو كانوا قد نجحوا في الكثير من اختبارات المصداقية التي تكرر سقوطهم فيها مرة بعد مرّة إزاء مذابح ومجازر وإعدامات، تُنحر فيها أعناق الناس على الهويّة والانتماء، بلا قانون ولا محاكم، في فلسطين كما في إيران كما في سوريا كما في العراق.
الأميركان والأوروبيون ومن سار في فلكهم تصبّ بوارجهم وقاذفاتهم حمِم الموت على الآمنين، تدكّ بها قراهم وتسوّيها بالأرض فلا يبقى منها شيء، وأعمَل الصفويون ومعهم الروس كل أسلحة الغدر والدمار والتشريد في أهلنا في سوريا، ويعربد الصهاينة اغتصاباً واستيطاناً وحصاراً لأهلنا في فلسطين، وفي بورما يُحرق الناس وهم أحياء، فلا يرقّ لحالهم أحد من هؤلاء الذين يتراكضون اليوم لتسجيل شجبهم وانتقادهم للبحرين بسبب وضع لا يُقارن أبداً بأوضاع أولئك الذين يطوي الصمت ملفاتهم وجرائمهم. ولا يمكننا أن نصدّق أنهم دعاة إصلاح وحمائم سلام يتملكهم القلق على حقوق الإنسان وينتابهم الشعور بالخوف علينا وعلى حرياتنا المدنية والدينية.
فأعمال الخزي والعار التي تلطخهم واستمرت معهم كسياسة كيد وخبث وتآمر، ولصقت بهم ممارسات القتل والفتك لا تؤهلهم للحديث اليوم عن وضع البحرين التي يمكننا أن نقول لهم: لا تقلقوا على البحرين، لديها مشكلات سياسية أو اقتصادية أو غيرها، تكبر أو تصغر، كمثلها من دول العالم، أهلها قادرون إن شاء الله على معالجتها.. بس طلعوا انتو منها.. بتنصلح.
ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.