حتى نفهم ما يحدث باليمن

هناك شيء لا يعرفه الكثيرون وهم يستمدون معلوماتهم من الإعلام الذي يتلاعب بهم والذي كان يصف علي عبد الله صالح بـ"المخلوع"، ومنذ يومين أصبح يصفه بـ"الأسبق".

عربي بوست
تم النشر: 2017/12/09 الساعة 08:58 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2017/12/09 الساعة 08:58 بتوقيت غرينتش

يتفاعل الناس مع ما يحصل في اليمن وهو رش الرماد بالعيون، فهناك شيء لا يعرفه الكثيرون وهم يستمدون معلوماتهم من الإعلام الذي يتلاعب بهم والذي كان يصف علي عبد الله صالح بـ"المخلوع"، ومنذ يومين أصبح يصفه بـ"الأسبق".

الحوثيون نسبة إلى الحوث، وهي منطقة في اليمن انحدر منها رأس العائلة الكبير، وهم من أتباع المذهب الشيعي الزيدي، وهو يختلف عن الشيعة الاثني عشرية في إيران، إلا أنه يحكم العلاقات ود وعلاقات طويلة، وأيضاً علي عبد الله صالح شيعي زيدي، والحوثيون أو الزيديون يحكمون اليمن الشمالي منذ قرون.

فاليمن الذي نعرفه بشكله الحالي كان قسمين؛ جنوبي وشمالي، وجرى تثبيت الوضع الحالي بشكل نهائي في عام 1994، فاليمن كدولة تبلغ مساحته 500 ألف كيلومتر مربع، وعدد سكانه نحو 27 مليون نسمة، أي تعادل مساحته 3 مرات مساحة سوريا وعدد سكانه هو عدد سكان سوريا نفسه.

تتوزع الكثافة السكانية الأعلى لليمن في الجزء الشمالي، وبالضبط في الزاوية المطلة على البحر الأحمر والسعودية، ففي هذه الزاوية تتوضع نسبة 70 في المائة من السكان، ويشكل الزيديون نسبة 30 في المائة من مجموع سكان اليمن ويتركزون بالشمال اليمني. بينما في الجنوب اليمني، الذي يمتد على مساحة 70 في المائة من اليمن ففيه 30 في المائة فقط من السكان، ومعظمهم من المذهب الشافعي، فلا مكان لسنّة أو شيعة أو غيرهم، معظمهم شافعي أو حنبلي.

تعاقب على الجنوب اليمني عدة أحداث وعدة إمبراطوريات، بدءاً من الفارسية إلى البريطانية، والعثمانية، التي دخلت وخرجت المنطقة الجنوبية ثلاث مرات، ثم انتهت الحال بجعل عدن عاصمة الجنوب ومحميّة بريطانية في الحرب العالمية، واستقدمت بريطانيا جنوداً من الهند وقامت بتوطينهم في الجنوب، ومنهم من بقي بعد انتهاء الحرب العالمية، فبكل بساطة يمكن أن تجد يمنياً جنوبياً جدُّه أو جدته هندي. ولتداخل الهنود بالسكان هناك كان للهند قنصلية مستقلة في عدن وكان لها صولات وجولات وحضور في المناسبات.

خلال فترة سياسية عصيبة، تشكلت عدة تشكيلات سياسية في الجنوب، ظهر فيها عبد ربه منصور هادي، وهو سنّي من مدينة أبين (جنوب اليمن)، وكان له ميل نحو الشمال وصالح وأحزاب الزيديين في الشمال، ففي الوقت الذي كان ينادي فيه الجنوبيون بضرورة قيام الجنوب كدولة مستقلة، كان لعبد ربه رأي آخر تمثل بمساعدة القوات الشمالية في 1994 لدخول الجنوب وبسط سيطرة الشمال عليه بالقوة التي تزود بها. وبذلك، نقض الاتفاق مع رفاق الجنوب، وبقي من ذلك الوقت نائباً للرئيس صالح إلى المبادرة الخليجية التي فُرضت أخيراً على اليمنيين.

وفي 1994، أصدرت الأمم المتحدة قراراً بسحب قوات الشمال عن دولة الجنوب، فدخلتها قوات صالح، ولما اعترضت الأمم المتحدة كان رد السفير اليمني لدى الأمم المتحدة: "لقد سحبنا قواتنا إلى داخل اليمن الجنوبي وانسحبنا من محيطه".

في الشمال، قام علي عبد الله صالح بـ12 معركة مع الحوثيين بدعم من السعودية، في حرب طويلة تدرب فيها الحوثيون على الأسلحة وخزّنوا الكثير منها، وقام علي عبد الله صالح بثبيت نفسه في الحكم بدعم الجيران، فالحوثيون يطالبون بأراضي جازان وخزانات الغاز فيها ويرونها أراضي يمنية.

إذن، علي عبد الله صالح والحوثيون هم من المذهب الزيدي، وعبد ربه سنّي، إلا أنهم جميعاً حزبياً مع "المؤتمر العام"، غير أنهم من قبائل مختلفة.

أما الشخصية الثالثة، فهي ابن عم علي عبد الله صالح، وهو علي محسن الأحمر مؤسس حزب الإصلاح الذي يتبع الإخوان المسلمين وهو زيدي المذهب، فالاصطفاف السياسي في اليمن ليس صاحب الكلمة الفصل، فهناك الاصطفاف المذهبي والقبلي.

فالحكمة اليمانية تتجلى بأن يوزع اليمني أولاده بين الأحزاب ويزوجهم من عدة قبائل، بحيث إن أي اضطراب يندلع، الفصيل القوي في العائلة والتابع للجهة المسيطرة يتكفل ببقية أفراد العائلة المنتمين إلى الفصائل المغلوبة على أمرها، وأمام هذا التداخل الكبير لك أن تتصور كم أن القدرة على ضبط الأمور صعبة.

بدأت مظاهرات الربيع العربي بالشباب اليمني من كل الطوائف والجهات، وتوالت الأحداث، وتفجير المسجد الذي كان يصلي به علي عبد الله صالح، وذهابه للسعودية للعلاج وعودته، ثم فرض المبادرة الخليجية على اليمن التي نصَّبت عبد ربه منصور هادي رئيساً، ومن بعدها ترك اليمن يواجه مصيره؛ فلا دولة قوية، وأسلحة منتشرة بكثرة، ففي الحالات الطبيعية لكل يمني 3 قطع سلاح فردي.

وبدأت الميليشيات والفِرق، كل يبحث عن داعم ليدعم سيطرتها، وتأمين مستلزماتها للمناطق التي تسيطر عليها، ووجد الحوثيون (الزيديون) أنفسهم مع جماعة علي عبد الله صالح (الزيدي) أمام مبادرة أخرجت حكم الشيعة الزيود لمدة 400 عام، وقد ذهبت من أيديهم إلى السنّة الشوافعة المنحدرين من الجنوب اليمني، الذي ينظرون إليه أساساً باستعلاء، فغريب البلد الذاهب من مطار صنعاء إلى عدن يجري التحقيق معه وكأنه ذاهب إلى أرض الأعداء!

أعادت هذه الفكرة تحالف الطائفة الزيدية، وبدأت السيطرة من جديد والانقضاض على اليمن والسيطرة على المعسكرات التابعة للجيش التي يعرف مواقعها علي عبد الله صالح والذراع العسكرية ممثلة بالحوثيين، وكان هذا التمدد سهلاً؛ لأن الضباط الذين يديرون المعسكرات من تعيين علي عبد الله صالح وتربيته فهم لا يخالفون الأوامر.

لقد كانت المبادرة الخليجية لاختطاف ثورة الشباب وتوجيه رسالة لهم بألا يفكروا في أن يصبحوا أصحاب القرار في بلدهم أو غيره، والآن أصبحت الحرب في اليمن مكلفة سياسياً وإنسانياً للتحالف، الذي بقي منه فعلياً تحالف بين السعودية والإمارات فقط، وهما تقريباً من تبقى من دول مجلس التعاون الخليجي.

فمن يراقب الإعلام السعودي-الإماراتي يجد أنه يركز على هذه الثنائية فقط، فسلطنة عُمان عزلت نفسها عن الأحداث بحكمة سلطانها الإباضي المذهب، أما الكويت التي فيها الشيعة نسبة مؤثرة فعزلت نفسها أيضاً عن هذه المعمعة؛ حتى لا تفقد السيطرة على البلد ولا تريد الدخول في متاهات الحروب.

أما البحرين، فالشيعة فيها أكثر من السنّة، وقطر -كما تعلمون- أصبحت بالنسبة لدول الخليج العدو الأول. أما ما يحدث هذه الأيام، فهو تنصُّل الدول التي سببت كل هذا الخراب لليمن من مسؤولياتها وزيادة في الفوضى، وتصوير الأمر بأنه تحول إلى حرب أهلية.

وبالنسبة إلى الإنسان الذي يتفاعل مع الأحداث سلباً أو إيجاباً، فيجب أن يضع في الحسبان أن هناك ملايين الآن من اليمنيين والأطفال مصابون بالكوليرا والمجاعات، ولا يوجد شيء أفضل من الحرب إلا إيقافها.

يوجد في اليمن ملايين الأحباش والصوماليين الفارين من حروب بلادهم، كانوا يعيشون باليمن في بيوت مستعارة لا تصلح للدواب، والآن رجعوا إلى أتون الحرب، يحملون معهم بعض العائلات اليمنية التي آوتهم يوماً في اليمن، عابرين البحر الأحمر بزوارق لا تقوى على حملهم.

ومن المعلومات الأخرى المثيرة في اليمن، أن فيها كل التضاريس؛ فتجد الجبل بجانب البحر وتجد الصحراء، وفيها أطول كورنيش بحري يمتد إلى 600 كيلومتر، وفيها مضيق باب المندب الذي يسيطر عليه الحوثيون في الحديدة والذي تريد الإمارات ابتلاعه كجزيرة سقطرة؛ لتسيطر على حركة التجارة العالمية. كما أن الإمارات تؤوي ابن صالح وتحاول إعادته للمشهد اليمني، وهي التي حطمت موانئ عدن الأجمل والأسهل عالمياً لرسو السفن؛ لتصبح موانئها محطات عالمية للسفن.

وعلى الجانب الآخر، من هذا المضيق تتوضع دولة جيبوتي التي تؤجر مساحات من هذا الساحل، المطل على هذا المضيق، لقواعد مراقبة إيرانية وإسرائيلية وفرنسية، فقط تراقب حركة السفن في هذا المضيق. وأيضاً، يجب أن نعلم أن الثروة السمكية لليمن تشكل أحد أهم اقتصادياته، إلا أنه يستورد السمك من سلطنة عُمان بالدرجة الأولى، فالثروة السمكية مسروقة تماماً.

واليمن بلد القهوة، فهناك اكتُشفت من قِبل راعٍ حبشي، وقام الأتراك بتطويرها وتصديرها إلى بقية العالم. أما الآن، فقد حلت مزارع القات بدل مزارع القهوة والقمح.

والقات مسؤول عن تقلّبات المزاج والقرار اليمني، وفي الوقت نفسه وحّد اليمنيين على طول الفترات السابقة، فهم يتحاربون حتى الساعة الواحدة ظهراً، ثم يجلس بعضهم مع بعض لتناول القات والسهر والسمر! وأيضاً فإن القات كان درعاً لحماية اليمن من المخدرات، وتعدد الزواج السهل الميسر كان درعاً لانتشار الفاحشة والزنا، الذي يرافق مثل هذه الأوضاع القلقة المضطربة.

ملحوظة:

التدوينات المنشورة في مدونات هاف بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

تحميل المزيد