كيف تستخدم أشياء بسيطة في منزلك لبناء عالِم صغير| سلسلة ابني مستكشف "3"
"لقد اختلفت مع أصدقائي في اعتقادي أن الإعاقة العقلية تمثل في أساسها مشكلة تربوية أكثر من كونها مشكلة طبية".
هذه المقولة الشهيرة للدكتورة ماريا منتسوري هي لُب وجوهر الموضوع، فقد يعتقد البعض أن تطوير عقل الطفل هو فقط بتدريس منهج وشراء مستلزمات باهظة الثمن، ولا نعلم أنه يمكننا من أبسط الأشياء حولنا في المنزل نستخدمها لتعريف الطفل النظريات العلمية المعقدة ببساطة، كما يمكننا تنشيط مخه وتفكيره ليظل يعمل على نفس الكفاءة، وبذلك يمكن الحصول على مستكشف صغير في منزلنا.
حيث تحتاج الأم خاصة إلى التركيز في عمل معين في المنزل وترى دائماً وجود طفلها بجانبها شيئاً مزعجاً بالنسبة لها؛ لذلك سنستعرض بعض الاستكشافات البسيطة لإشغال طفلك في شيء مفيد في خلال المواقف المختلفة.
• فمثلاً من أبسط الاستكشافات لطفلك هو رمي الأشياء على الأرض ورؤيتها تسقط أمامه، وبذلك يمكننا تعليمه كل شيء عن الجاذبية الأرضية، وبذلك يفهم لماذا يجب عليه مسك الأشياء جيداً حتى لا تسقط؟ وكيف تسقط بهذه السرعة؟ ويمكن من خلال هذا تعليمه في صغره الفرق بين الأشياء القابلة للكسر وغيرها غير القابلة.
كما يمكن إعطاؤه كرة مطاطة للعب بها سيسعد جداً عندما يراها ترتد مرة أخرى في اتجاهه.
• عندما ينقطع التيار الكهربائي، يصبح الأطفال أكثر إزعاجاً وتشعر دوماً بالخوف والملل، فبدلاً من لعن الظلام يمكننا طرح سؤال بسيط على مستكشفي الصغير "هل تعلم يا صغيري لماذا عند انقطاع الكهرباء لا نستطيع الرؤية؟".
إنه الضوء هو الذي يسقط على الأشياء؛ لينعكس إلى أعيننا لكي نراها، وبذلك استغللنا هذا الوقت الضائع في شيء مفيد.
كما يمكننا سؤاله أسئلة ذكاء أو حتى إعطاؤه مسألة حسابية على شكل قصة طفل ذهب لشراء شيء ما، ومعه مبلغ من المال، وما هو المتبقي، أو إعطاؤه بعض الحروف العربية أو الإنكليزية ويأتي هو بكلماتها.
• جميعنا نفتح النوافذ الشيش الخشبي صباحاً، خصوصاً في الشتاء ونغلق الزجاج دون الاكتراث أن هذا الفعل يمكننا نقاشه مع صغيرنا؛ ليجعله يدرك نظرية هامة عن الضوء، وأنه ينفذ من مواد ولا ينفذ من أخرى، وأن هناك جسماً شفافاً (كالزجاج الشفاف) ونصف الشفاف (كالزجاج المصنفر) ومعتماً (مثل خشب النوافذ).
• وقوف الطفل أمام المرآة يومياً، هي جسم هام جداً لشرح مفهوم الرؤية وكيف نرى أنفسنا في المرآة دون غيرها من الأجسام، وبذلك يمكننا تعريف المستكشف الصغير الفرق بين الجسم العاكس للضوء والمعتم، ولذلك عندما يسقط الضوء على المرآة يرتد مرة أخرى على ما أمامها كانعكاس ضوء الشمس التي تمر عبر النافذة في الصباح، أيضاً تسمى انعكاساً؛ لأنها تعكس اتجاهنا بها، فنرى يدنا اليمنى وكأنها يسرى والعكس، وكل هذا يمكننا التحدث به مع الطفل كل يوم معلومة بسيطة خصوصاً للأمهات الذين يعانون من تمشيط شعر بناتهم في الصباح الباكر قبل الذهاب للمدرسة بالبكاء، ويستقبلون هذا بالزجر والنهر، لكن هذا سيشغل تفكيرهم بما هو مفيد لهم ويجعلهم ينظرون لكل شيء حولهم نظرة المستكشف، بدلاً من الانخراط في الملل دون تفكير، الذي ينتج عنه الضوضاء والشجار والبكاء.
• كم مرة فقدنا ريموت التلفاز وتبدأ رحلة البحث بعد زجر الطفل الصغير في المنزل وبعدها نبحث في تأفف وضيق، لماذا لا نأخذ رحلة البحث ونحدد عدداً معيناً من المحاولات لكل فرد في الأسرة وكأننا نبحث عن الكنز، ونرى تخمين الطفل ونطور عقله وتفكيره في البحث عن الأشياء، وتصبح لعبة البحث عن الكنز المفقود دون أدنى مجهود لعبة مسلية ومطورة لعقل طفلك وتفكيره ومن يجده يصبح هو الفائز.
• عند الطعام يمكننا تعليم الطفل أشياء كثيرة، فعند أكل البيض تبدأ في سؤال المستكشف الصغير: "هل تعلم يا صغيري أن هذا الأصفر هو الكتكوت؟"، وأن الأبيض الذي حوله هو غذاؤه وهو بداخل هذه القشرة.
وعند أكل الدجاج أو الأرانب أو ما له هيكل عظمي يمكننا حثه للتفكر في الهيكل العظمي للإنسان، وخصوصاً فقرات العمود الفقري، ومضاهاة كل عظمة بشبيهها في جسده ويمكنه أن يتحسس هيكله العظمي، وبذلك نجعله دائم التفكير في تكوينه.
أيضاً عند أكل الجبن أو الزبادي يمكننا حس الطفل كيف يتم صنعه، ولو كان الطفل أصغر سناً يمكننا سؤاله من أين يأتي اللبن؟ ومن أين نحصل على البيض؟
• جميع الأمهات عند تنظيف المنزل نجد الأطفال مشتتين ولا نعطي لهم اهتماماً، لكننا يمكن فعل الكثير معهم لإشغالهم ونمو تفكيرهم، كالصوت وصداه في غرفة شبه فارغة، وكيف يتردد الصوت في الفراغ، وأيضاً عند استخدام الماء في تنظيف الأسطح، كيف تجف هذه المياه؟
• عند شرب كوب الشاي كم منا نجد الأم أو الأب لا يجدان الراحة من تواجد الأطفال حولهما في وجود كوب الشاي الساخن، ماذا لو أعطيت طفلك ملعقة الشاي التي كانت به؟ وسؤاله هل تشعر بسخونتها؟ هل تعلم لماذا هي ساخنة؟ بينما نستخدم الملاعق الخشبية في طهي الطعام؟ وهنا نعلمه الفرق بين المواد جيدة التوصيل للحرارة ورديئة التوصيل وما فائدتها في الحياة العملية.
• كم مرة اشترينا الأسماك دون تنظيفها وكان علينا تنظيفها في المنزل؟ لماذا لا نستفيد من هذا العمل في الطلب من طفلك رؤية السمكة بشكلها الكامل ومم تتكون وكيف تحميها القشور وما هو شكل خياشيمها وكيف تتنفس منها؟ وكيف أن الصياد ما أن يخرجها من الماء لا تستطيع العيش؟
• عندما يلعب طفلك الصغير بالأشكال المغناطيسية على الثلاجة، يمكننا استغلال ذلك في معرفته للمغناطيس وخواصه وكيف ينجذب على سطح الثلاجة بينما لا يمكنه ذلك على الباب الخشبي؟
• يمكننا في الحمام تعليم الطفل الكثير والكثير، فعند الاستحمام يمكننا لفت نظره إلى تراكم البخار على سطح المرآة وما هو مفهوم التكثف. أيضاً عند تنظيف أسنانه يمكننا سؤاله: لماذا نغسل أسناننا وكيف تؤثر بقايا الطعام عليها؟ وكيف يعمل السوس على تلف الأسنان؟ كذلك عند غسل الأيدي بالصابون كيف يعمل الصابون على إزالة الدهون والأوساخ؟ وكيف يستطيع تفتيت هذه الدهون؟
• كم مرة في فصل الصيف خصوصاً اكتشفت ربة المنزل إصابة العفن للخبز وترميه دون اكتراث؛ لأن هذا من الممكن أن يعلم طفلها كيف تكون العفن على هذا الخبز؟ وكيف دخل ونما داخل الكيس المغلق؟
• وجود الملح أو السكر على طاولة الطعام، يمكن من خلاله سؤال طفلك: هل تستطيع التمييز يا صغيري هل هذا ملح أم سكر بمجرد النظر إليه؟ بالطبع يجب تذوقه وبذلك نعلم الطفل ما هي حاسة التذوق وما فائدتها لنا؟
وبذلك لم يعد من الصعب بناء مستكشف صغير يبحث هو بعد ذلك، وينظر للأشياء بطريقة مختلفة ليس ككل الأطفال في نفس عمره، فقط نحن علينا وضع حجر الأساس وهو من سيكمل البناء بعدك، ويمكن لطفلك مفاجأتك بالكثير والكثير.
انتظروني في باقي حلقات سلسلة "ابني مستكشف".
ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هاف بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.