الأقصى سقط سهواً!

عندما تُلهيك متاهات الدنيا، وتُنسيك الأخبار المتسارعة خبر الأقصى، وتحجب عنك المعلومات الوافدة إليك من كل حدب وصوب خبر الأقصى، وتُعلن لكَ الأخبار العالمية أن فرنسا تهتز بمقتل أفراد، وألمانيا تعلن حالة طوارئ، وتركيا تواصل إفشال الانقلاب العسكري، فيما تعيش أنت كصحفي فلسطيني أخبار وطنك، حيث الاحتلال الإسرائيلي يعتقل كماً هائلاً من الشباب والنساء كل فجر.

عربي بوست
تم النشر: 2016/10/09 الساعة 04:59 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2016/10/09 الساعة 04:59 بتوقيت غرينتش

عندما تُلهيك متاهات الدنيا، وتُنسيك الأخبار المتسارعة خبر الأقصى، وتحجب عنك المعلومات الوافدة إليك من كل حدب وصوب خبر الأقصى، وتُعلن لكَ الأخبار العالمية أن فرنسا تهتز بمقتل أفراد، وألمانيا تعلن حالة طوارئ، وتركيا تواصل إفشال الانقلاب العسكري، فيما تعيش أنت كصحفي فلسطيني أخبار وطنك، حيث الاحتلال الإسرائيلي يعتقل كماً هائلاً من الشباب والنساء كل فجر.

وتراقب تطورات قضية احتجاز الاحتلال الإسرائيلي لجثامين شهداء منذ 9 أشهر، وتتابع منذ أكثر من شهر إضراب عدد من الأسرى رفضاً لاعتقالهم الإداري، ليصلك نبأ إطلاق الاحتلال الرصاص على صديقة لك واعتقال صديقة أخرى، عندما تتعامل مع كل شيء حولك بصورة متسارعة، وتتذكر عند أول رشفة لفنجان قهوة الاستراحة، أن خبراً ما لم تنجزه اليوم، خبر ما حدث وسقط منك سهواً، فتدرك أن الأقصى هو الذي سقط منك سهواً.

أعطيك جولة سريعة في وطني، أبدأها من القدس عاصمته، ستجد شوارعها مكسوّة باللون الأحمر، لون دم الثائرين الذين سطروا ملاحم البطولة والرجولة، فتمرّ إلى بيت لحم والخليل، حيث لا مكان للبكاء على الشهداء الراحلين الذين طُبعت صورهم على كل جدار في الوطن، البكاء يكون على أجساد يغطيها الجليد لا التراب، أجساد باعت روحها للسماء وعجزت الأرض عن احتضانها، ستجد الجدران تحمل أيضاً صور أسرى يضربون عن الطعام مطالبين بحريتهم، إنه لا إنسانية في هذا العالم اللاإنساني، فكم من عين تبكي الآن في رام الله ونابلس وجنين وطولكرم، وغزة أيضاً.

في غزة أخبركم عن فقراء بلا طعام، مشردين بلا مأوى، مواطنين مع وقف تنفيذ حقوقهم، مرضى بلا علاج، معابر معطلة عن خدمة السفر، جواز سفر يبكي قلة منفعته، في غزة طفل يقف على حافة الشارع يرى ضوء الشمس ويستبعد أن يرى ضوء مصباح البيت الكهربائي، وآخر يرتشف من ماء البحر المالحة؛ لأن ثمّة خطراً مشابهاً في المياه الواصلة لمنازلهم..

هل أعرّج بكم إلى حال الوطن أكثر، كل هذه الويلات ألا تكفي لأن يلعن كل منّا عيشه، كل هذا أتراه لا يُنسينا خبر الأقصى وتهويده، كل هذا أتراه لن يُسقط منا الأقصى سهواً!

يقولون الوطن أغلى ما نملك، وفي الحقيقة أرواحنا المزهوقة على يد الخذلان أغلى من الوطن، الوطن الذي نموت فيه ظانين أنه يحيى بذلك، يموت هو أيضاً، هلّا قلتم لي الآن لو أنكم جثامين محتجزة، ما حال أمهاتكم، لو أنكم أسرى مكدسين، ما حال عوائلكم، لو أنكم شهداء قضية يتاجر فيكم المقامرون ماذا ردكم؟ لو أنكم أطفال تنشدون النشيد الوطني في المدارس صباحاً، وتنشأون على شعارات رنانة وعندما تكبرون تكتشفون أنها مزيّفة، ماذا ستكون ردود أفعالكم؟

لا أبرر سقوط الأقصى سهواً، ولا أهاجم الوطن، إني أهاجم الموت من أجل أن يحيا الوطن فيقتل هو قبلنا، قل لي بربك كيف يحيا وطن مات شعبه، ماذا لو أن أمراء السياسة في وطني تقدموا صفوف المقاومة وكانوا على جبهات القتال بدل أن تُفتح لهم الفنادق، أتراهم أمراء السياسة لا يجيدون القتال، أجل أنا أراهم هكذا، فلو أنهم أجادوه لما ضاع منا الوطن، أتراه كنفاني كان قارئاً فذاً محقاً للتاريخ عندما قال "إذا كنا مدافعين فاشلين عن القضية، فالأجدر بنا أن نغيّر المدافعين لا القضية"، للأسف نحن غيّرنا الوطن ومفاهيمه وغيّرنا المدافعين لغيَّر ذلك.

الشهداء المتفانون في حبهم للوطن، أتساءل عما يدفعهم لحبه حتى يبايعوه على أرواحهم، لأدرك كل مرة أن هؤلاء الكرام تعلموا العطاء لا الأخذ، أعطوا الوطن أرواحهم ولم يأخذوا منه شيئاً سوى الجنسية!

يا وطني، يا وطن الشهداء تكاتف، لا نملك شهداء آخرين، ونأسف عن المدافعين الفاشلين، إننا ننتظر يوماً نملك فيه مدافعاً يدير القضية، ويبحر بها نحو شواطئ يافا وحيفا وعكا وغزة، حينها لن يسقط منّا الأقصى سهواً، بل سيكون الأقصى علماً.

ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

تحميل المزيد