عندما أُمِر بركة، وهو موظف سعودي حكومي، بالنظر إلى بلاغات إساءة استخدام ممتلكات عامة في جدة، حقَّق دون حماس في قضية أزياء غير مصرح بها، وكان ذلك هو القرار الذي غيّر حياته.
فخلال التحقيق، رأى بيبي -وهي عارضة أزياء سعودية وإحدى مشاهير موقع إنستغرام- دون غطاء رأس، على عكس التقاليد المحافظة في المملكة، وقرر بركة -وهو ممثل مبتدئ يمارس التمثيل في وقت فراغه- ألا يُبلغ الشرطة التي يُخشى تدخلها، وبدلاً من ذلك عاد إلى رؤسائه قائلاً: "الجو جميل والناس في حالة طبيعية، وكل الأمور على ما يرام هنا. أغلقوا ملف القضية من فضلكم".
وبحسب مقال لصحيفة "Financial Times" البريطانية، فإن بركة وبيبي -اللذين يحبان بعضهما في الفيلم- هما نجوم أول عرض رومانسي كوميدي بالمملكة العربية السعودية "بركة يقابل بركة"، إذ يعيشان حياة طبيعية، وقصة حب، على نهج يناقض الخطاب العالمي للحرب والإرهاب والهيمنة الذكورية التي عادة ما يربطها الكثيرون بهذه الدولة الخليجية.
الفيلم ينافس بالأوسكار
ويعد هذا الفيلم -الذي تتنافس به السعودية في فئة الأفلام الأجنبية بمسابقة الأوسكار- باكورة أعمال المخرج محمد الصباغ، وهو في طليعة جيلٍ جديدٍ من المبدعين السعوديين، الذين يناهضون القيود التي تفرضها الثقافة المحافظة المتشددة.
ليس لنيل إعجاب الغرب
ويقول الصبّاغ إنه أراد أن يفعل شيئاً يتحدّى الصور النمطية للسعوديين، وكذلك الصور النمطية السائدة بينهم.
وأضاف قائلاً: "أردت بشكل أساسي أن أنتج فيلماً عن الطريقة التي نعيش بها اليوم في المملكة العربية السعودية، لا من أجل نيل إعجاب الغرب، بل لكي أعبر فقط عن هذه الأيديولوجية".
لكنه يعمل في بلد تُقيَّد فيه بعض الفنون والأنشطة الثقافية، وتُحظر فيه دور العرض السينمائي، وتسود فيه الرقابة الذاتية عبر منصات وسائل التواصل الاجتماعي التي انفجرت بالجدل في أعقاب الربيع العربي.
بن سلمان يغيِّر خطاب المملكة
ومع ذلك، فإن نائب ولي العهد السعودي البالغ من العمر 31 عاماً، محمد بن سلمان آل سعود، يدفع بخطة جرئية لتغيير المملكة، والخطاب فيها، على أمل قد يبدأ بهذا التغيير البطيء.
ورغم أن ما يركز عليه الأمير محمد بشكل أساسي هو تطوير القطاع الخاص والحد من اعتماد المملكة على النفط، تتحدث خططه أيضاً عن مد أفق الفنون والثقافة، بإنشاء مرافق ترفيهية و"مدن ترفيهية متكاملة".
ويقول الصباغ الذي نال درجة الماجستير بمجال السينما من جامعة كولومبيا: "إنه أمرٌ إيجابيٌّ أن القيادة الشابة في السعودية تبدأ لأول مرة منذ أجيال بمعالجة المشاكل الحقيقية التي نواجهها كشباب".
في فيلم "بركة يقابل بركة"، نرى بيبي، واسمها الحقيقي هو بركة، وهي امرأة قوية قيادية تغير الصورة النمطية للمرأة السعودية، وهي تعطي رقم هاتفها إلى عاشقها عندما يلتقيان أخيراً في معرض فني "كي يتمكنا من مناقشة الفن".
ويُنظر إلى هذه المُستخدمة شديدة الاهتمام بوسائل التواصل الاجتماعي على نحو يتجاوز كونها ببساطة عارضة أزياء، فالفتاة بيبي تحث متابعيها عبر إنستغرام على شراء القهوة الإثيوبية عبر التجارة الحرة، بدلاً من قهوة الشركات الكبرى والعلامات التجارية الأخرى.
مواكبة الشباب السعودي للتحديات
وتُبين الحوارات الوثائقية في الفيلم أن والدَي بيبي وبركة أكثر انفتاحاحاً في جدة.
وتقول بثينة كاظم، المؤسسة المشاركة لسينما عقيل، التي تعد أول منصة فنية سينمائية بالخليج إن "هذا الفيلم يبين كيف يواكب الشباب السعودي هذه التحديات، وكيف يعيش حياة طبيعية بطرق عديدة".
الفيلم الذي تم تمويله ذاتياً وتكلف إعداده 500 ألف دولار أميركي، يعرض على نطاق محدود بالمنطقة، فالسعوديون سيضطرون إلى الذهاب إلى دور السينما خارج البلاد لمشاهدته، أو أنهم سيشاهدونه عبر الإنترنت.
وغالباً ما يشير الشباب إلى إعادة فتح دور السينما، باعتباره أحد مطالبهم من أجل مجتمع أقل تقييداً.
وقد مُنعت دور السينما في أواخر السبعينيات.
ويقول السكان المحليون في جدة، إن مشاجرة بين اثنين من مرتادي السينما اليمنيين قد تسببت في إغلاق آخر دار عرض سينمائي في المدينة المطلة على البحر.
عودة السينما
وتوجد شائعات الآن أن عودة السينمات العامة قد تكون جزءاً من الانفتاح على الحريات الاجتماعية، الهادفة إلى تخفيف حدة إجراءات التقشف التي تضطر الحكومة إلى تطبيقها، بالتزامن مع مواجهتها لأزمة تراجع أسعار النفط.
ولكن الحكومة تتبع نهجاً تدريجياً في التغيير في وسائل الترفيه العامة.
وقال أحد مستشاري الحكومة: "إن هذا لن يحدث بين عشية وضحاها، وقد ترى بعض الشاشات في الفعاليات، كالملاعب الرياضية مثلاً، فالأمر سيحدث بشكل تدريجي للغاية".
ويرغب المخرج محمد الصباغ أن تمضي الحكومة قدماً بهذا المسار على نحو أسرع.
فيقول إن "عليهم أن يعرفوا السينما كفن، وأن يمنحوا التصاريح لدور السينما، فنحن لدينا شباب موهوبون، بمقدورهم أن يكونوا جزءاً من التقدم المجتمعي، وأن يبعثوا برسالة للعالم".
– هذا الموضوع مترجم عن صحيفة The Financial Times البريطانية. للاطلاع على المادة الأصلية اضغط هنا.