اجتمع بعضٌ من كبار مستشاري الأمن القومي للرئيس ترامب بالبيت الأبيض، يوم الإثنين، 27 نوفمبر/تشرين الثاني، فيما كان متوقعاً أن يكون نقاشاً غير مريح، وإن كان مباشراً.
كان المعروض على طاولة النقاش -وفقاً لصحيفة واشنطن بوست الأميركية- هو كيفية تعامل الإدارة مع انتهاء المهلة القادمة، ليقولوا إن كانوا سيؤجِّلون، مرةً أخرى، وعدهم بنقل السفارة الأميركية في إسرائيل من تل أبيب إلى القدس.
وبحسب مسؤولين وآخرين على اطلاع بهذا النقاش، فقد كان توقُّع الكثيرين من المشاركين في هذه الجلسة هو أنَّ البيت الأبيض سيؤجل من جديد هذه الخطوة، لكنهَّم سيصدرون بياناً بأنَّ ترامب مستمرٌ في الحفاظ على وعده أثناء حملته الانتخابية، لأنَّ مسألة نقل السفارة هي مسألة مُتعلِّقة بالوقت، وليس بإن كانت ستحدث أم لا، وهو كلامٌ مألوف من الإدارة.
قال شخصان على دراية بهذا النقاش، الذي استمر قرابة الساعة، إنَّ ترامب، الذي بقي في الاجتماع أكثر من المتوقع، قد أصبح منفعلاً وغاضباً بسبب ما رآه حذراً بيروقراطياً مفرطاً.
وقال الشخصان إنَّ ترامب، الذي ركَّز على وعد حملته بالقيام بتلك الخطوة، قد بدا مُحبَطاً من المقاومة التي لقيها في الاجتماع لتلك الخطوة، وهي المقاومة المبنيّة على أساس رد الفعل المحتمل من الفلسطينيين وداعميهم. وقد تحدَّث هذان الشخصان شريطة عدم الكشف عن هويتهما؛ لأنَّ البيت الأبيض لم يقل بعدُ ما الذي سيفعله بشأن التأجيل.
وقال المسؤولان إنَّ الاجتماع انتهى باقتراح، لا يزال قيد المناقشة، يتمثَّل في إصدار بيان تأجيل، لكن مع تصريحٍ رسمي بأنَّ الولايات المتحدة تعتبر القدس عاصمةً لإسرائيل.
تحولٌ لموقف استمر عقوداً
ولن يكون لهذا الأمر تأثيرٌ عملي فوري كبير، لكنَّه سيُحدث تحوُّلاً في الموقف الأميركي الذي استمرَّ عقوداً، بأنَّ القدس أرضٌ متنازع عليها، وأنَّ وضعيتها ينبغي أن تُحَلَّ عبر المفاوضات.
ومع أنَّ هذا التغيُّر في السياسة لن يفي بوعد حملة ترامب، فإنَّه يُقرِّبه ويسمح له بأن يُظهِر لداعميه أنَّه يُحدِث قطيعةً مع الطريقة التي كانت الإدارات السابقة تتعامل بها مع هذا الجانب من جوانب التوتر في الشرق الأوسط.
ومن المتوقع أن يوضح ترامب رؤيته حول مسألة السفارة، وجهود السلام في خطابٍ الأسبوع المقبل، بحسب أحد المستشارين. ورفض أحد مسؤولي البيت الأبيض مناقشة تفاصيل النقاشات التي جرت قبل الإعلان.
وقال متحدثٌ باسم البيت الأبيض: "لطالما قال الرئيس إنَّ المسألة مسألة وقت فحسب. ولا يزال الرئيس يدرس الخيارات، وليس لدينا الآن شيء للإعلان عنه".
وسيأتي أي إعلانٍ عن مستقبل السفارة وسط التداعيات السياسية للجهود السابقة للإدارة لمساعدة إسرائيل، وهي الجهود التي أصبحت الآن مُقحَمة في التحقيق الذي يقوده المُحقِّق الخاص روبرت مولر، حول دور روسيا في انتخابات 2016.
وأمس الجمعة، اعترف مستشار الأمن القومي السابق، مايكل فلين، بكذبه على مكتب التحقيقات الفيدرالي (FBI)، فيما يتعلَّق باتصالاته مع السفير الروسي، سيرغي كيسلياك، التي كان بعضها متعلقاً بجهود الفريق الانتقالي لترامب في إفشال أو تأخير أحد قرارات الأمم المتحدة المتعلقة بإسرائيل، في ديسمبر/كانون الأول 2016.
وكان البيت الأبيض قد أصدر، في يونيو/حزيران الماضي، تأجيلاً لتلبية الموعد النهائي نصف السنوي للامتثال لأحد القوانين الصادرة عام 1995، الذي ينص على نقل السفارة الأميركية من تل أبيب إلى القدس، أو شرح السبب الذي يجعل هذا الأمر متعارضاً مع مصالح الأمن القومي الأميركية.
وتذكر بيانات التأجيل هذه، التي أصبحت شكلية إلى حدٍّ ما، أنَّ نقل السفارة إلى القدس يرفع المخاطر الأمنية، وقد يضر بالتسوية السلمية النهائية بين إسرائيل والفلسطينيين.
وتقول إسرائيل إنَّ القدس عاصمتها، وتباشر حكومتها أعمالها من هناك. ويقول الفلسطينيون إنَّ القدس الشرقية، التي ضمّتها إسرائيل بعد حرب عام 1967، هي العاصمة الشرعية لدولتهم المستقبلية.
وتُبقي الولايات المتحدة ودولٌ أخرى كثيرة على سفاراتها في تل أبيب، وهي مركز تجاري على بعد ساعة بالسيارة تقريباً، لكي لا تبدو متحيزة في هذا النزاع.
اعتراف غير رسمي
وتتعامل أميركا، بالفعل، مع القدس بصفتها مقراً للحكومة الإسرائيلية، فتعقد اجتماعاتها مع المسؤولين الإسرائيليين هناك، ولديها قنصلية كبيرة في القدس تُعَد مقر التواصل الدبلوماسي الأميركي مع الفلسطينيين في الأراضي المحتلة.
وقد أُلقي على عاتق صهر الرئيس ومستشاره، جاريد كوشنر، مسؤولية السعي للتوصُّل إلى اتفاق سلامٍ في الشرق الأوسط. ولم يتضح ما إذا كان كوشنر قد حضر اجتماع يوم الإثنين أم لا.
ومن المقرر أن يُلقي كوشنر غداً الأحد، 3 ديسمبر/كانون الأول، خطاباً أمام منتدى سابان السنوي، التابع لمؤسسة بروكينغز حول العلاقات الأميركية الإسرائيلية.
وكان كلٌّ من نائب الرئيس مايك بنس، ووزير الخارجية ريكس تيلرسون، ووزير الدفاع جيم ماتيس، والسفير الأميركي في إسرائيل ديفيد فريدمان، من بين المشاركين في اجتماع يوم الإثنين.
وقال المسؤولان إنَّ وزارة الخارجية قد حذَّرت، في مذكرةٍ سرية أُرسِلت إلى السفارات في الشرق الأوسط، من اضطراباتٍ وتظاهرات محتملة مناوئة لأميركا، الأسبوع القادم، متعلقة بإعلانٍ يخص السفارة.
وقد أثارت وزارة الخارجية ووزارة الدفاع (البنتاغون) تحذيرات، هذا الأسبوع، حول المخاطر الأمنية المحتملة المتعلقة بأي تغييرٍ لوضعية السفارة، فضلاً عن مشكلاتٍ دبلوماسية وقانونية.
وحذَّر مسؤولون بوزارة الخارجية من أنَّ القبول العلني بالقدس عاصمةً لإسرائيل من شأنه أن يتعارض مع قرارات مجلس الأمن.
وحذَّر رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس، أمس الجمعة، من التبعات المحتملة لهذه الخطوة، التي من شأنها أن تمنع الفلسطينيين من المطالبة بالقدس الشرقية.
وقال بيان صادر عن مكتب عباس: "القدس الشرقية بمقدساتها هي البداية والنهاية لأي حل، ولأي مشروع ينقذ المنطقة من الدمار. والقدس الشرقية مفتاحٌ للحرب والسلام، وأي حل عادل يجب أن يضمن أن تكون القدس الشرقية عاصمةً للدولة المستقلة".
وكان ترامب، بتوقيعه بيان التأجيل، في يونيو/حزيران الماضي، قد استجاب، على مضضٍ، لنصيحة وزراء إدارته، وملك الأردن عبدالله الثاني وآخرين، جادولوا بأنَّ هذه الخطوة من شأنها أن تُشعل فتيل العنف. ويطالب الفلسطينيون بجزءٍ من القدس ليكون عاصمتهم المستقبلية.
وفي الوقت ذاته، قال البيت الأبيض إنَّ نقل السفارة من شأنه أن يُعرِّض جهود الإدارة الوليدة لإعادة محادثات السلام في الشرق الأوسط إلى الخطر.
وقد أثار بينس، الأسبوع الماضي، التوقعات بشأن قرار الإدارة.
فقال الثلاثاء الماضي، 28 نوفمبر/تشرين الثاني، إنَّ ترامب "يفكر بجدية" في كيفية تنفيذ تعهده بنقل السفارة الأميركية في إسرائيل إلى القدس، معيداً بذلك فتح هذه المسألة المثيرة للجدل، التي تجعل ترامب على خلافٍ مع مستشاريه العسكريين والدبلوماسيين وحلفائه المقربين.
وفي الفعالية التي احتفلت بمرور 70 عاماً على تصويت الأمم المتحدة، الذي أدى إلى إقامة دولة إسرائيل، حاز بينس تصفيقاً وصيحات استحسانٍ، حين قارن موقف إدارة ترامب في مسألة السفارة بموقف الإدارات السابقة.
فقال بينس: "في حين عبَّر الكونغرس والإدارات المتتابعة، على مدى الـ20 عاماً الأخيرة، عن رغبتهم في نقل سفارتنا، فإنَّ الرئيس ترامب، بينما نتحدث الآن، يُفكِّر بجدية في توقيت وكيفية نقل السفارة الأميركية في إسرائيل من تل أبيب إلى القدس".