هوامش على دفتر المرأة “4 – 7”

من الذي نستطيع أن نقول له: "واللي جوَّه القلب كان في القلب جوَّه، رحنا وتغيرنا إحنا إلا هو" في داخل القلب بقي مستقراً قابعاً هادئاً مستحكماً مستغلقاً مستغرقاً؟

عربي بوست
تم النشر: 2016/11/09 الساعة 00:53 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2016/11/09 الساعة 00:53 بتوقيت غرينتش

حين بدأت أكتب المقال الرابع، تأنَّقت ولبست ربطة العنق وكأني ذاهب إلى حفل، محاولاً تقمص روح الشاعر الفلسطيني محمود درويش، الذي لم يكن يكتب أشعاره إلا ورائحة العطر تعبق المكان، وكأنه كان يغمس قلمه من مداد ذلك العبق، ولكن سكنتني فجأة كلمة نزار قباني: "الكل يتآمرون على الحب".

وبالفعل حدث ما كنت أتوقعه فقد وجدت الكهرباء في المكتب قد تآمرت على حروفي وشنقت نفسها حتى لا أكتب عن الحب.

لا أعرف لماذا شعرت أني بكتابتي عن الحب أنني أقوم بأقوى بعملية تفجير إرهابية لأكون إرهابياً مطلوباً من العدالة العالمية، ومشيت أختفي من العيون مخافة أن يقرأ أحد في عيني كلمة "الحب".

وعلى مكتبي بُحت بالحروف المقدسة كمن يعترف على كرسي الاعتراف، ولكن دون ستار ودون معلم ووصي بل على الملأ وعلى العالم.

فالكل يا سادة يخشى "البوح" والكل يخشى "المواجهة"، ولكني سأحاول أن أستحضر روح عنترة وقيس وخصلات ليلى في جيبي كدليل لا يقبل الدحض لأدّعي وصلاً بها.

لا أعرف من أين أبدأ؟ هل أقول للقارئ الذي أرهقته معي بتلك السلسلة كلاماً أكاديمياً عن الحب مؤصلاً ومحرراً لتاريخية اللفظ، وما وصل إليه الفلاسفة والعلماء من تفسيرات عميقة جداً عن تلك الحالة الانفعالية الإنسانية الراقية.

أم أن أقول كلام قلبي وكفى؟ أم أغني "مضناك جفاه مرقده"، و"من الشباك لرميلك حالي"؟ لأعرف الناس أنني أكتب عن الحب أم ماذا؟

كم أنت محير أيها الحب؟ ولكنني أعتقد أننا السبب الأول، فقد طمسناه كثيراً في زماننا الرديء واغتلنا براءته حتى بالحديث عنه على مذبح الشعر وملحمة النثر كمخترع الديناميت الذي حاول أن يغسل يديه بجائزة نوبل في الآداب الراقية والعلوم الإنسانية بعد أن قتلت البشرية نصف عددها بسببه مخترعه الذي كان في البداية باسم النهضة فتخيل حبنا انتقل من مقولة "هذه الدنيا كتاب أنت فيه الفكر" إلى مقولة "بحبك يا حمار"!

بالله عليك أليست الكراهية تليق بنا أكثر؟

توقفنا في المقال السابق عند البحث عمّن يستحق "الحب"؟

ومن يستحق قلادة الحب؟ ليتوج على منصة التتويج؟

لا أعرف لماذا كثرت تساؤلاتي في هذه المقالة كثيراً ولكن لمَ العجب فهو الحب؟ أبو التساؤلات.

من يستحق؟ ما أصعب هذا السؤال؟ تخيل، من يستحق الدموع وتنهدات القلب ولذة الانتظار لرؤية الحبيب بطرف العين مخافة الملاحظة من قوى الشر؟

مَن يستحق أن "أسرح" في ملكوت ملامحه؟

مَن يستحق أن أنتظره طويلاً ليأتي ويقول لي: "إني خيرتك فاختاري بين الموت على صدري أو على دفاتر أشعاري"؟

من الذي نستطيع أن نقول له: "واللي جوَّه القلب كان في القلب جوَّه، رحنا وتغيرنا إحنا إلا هو" في داخل القلب بقي مستقراً قابعاً هادئاً مستحكماً مستغلقاً مستغرقاً؟

فلا يُرى إلا وشعاعه ممتد ليقطع آلاف الكيلومترات ليتصل بقلب هناك مختفٍ خلف الأشجار العتيقة بعيداً لا تستطيع حتى الولايات المتحدة وروسيا أن تقطعه، أو أن تكتشفه الـ"سي آي إيه" أو الـ"كي جي بي".

حتى لو كان بيني وبينك خطوتان فسنبقى متصلين عبر قلبين تنطق بلا حروف وبلا لغة وبلا أبجدية اخترعناها حتى لا يقرأه أحد حتى ولو كان شامبليون.

ولكن بقي من يستحق "الحب" بعد تأمّل وجدته وبشكل مباشر، سأقوله هو ذلك الذي يغفر أولاً، ويسامح ثانياً، ويحتوي ثالثاً، ويتحمل رابعاً، ويصبر خامساً، ويقبل سادساً، ويفهم سابعاً، ويتفهم ثامناً، ويحب أولاً وأخيراً عيوبنا قبل مميزاتنا فليس الحب يا سادة أشعاراً وكلاماً حلواً وهدايا، ولكنه تجربة تميزك عن بقية الخلق، تجربة تجعلك أكثر سمواً ورقياً وليس غريباً أن يقول أحد الفلاسفة: إذا أحببت فأنت تستطيع أن تفعل أي شيء آخر بسهولة، فمن تمتع قلبه بهذه الصفات فهو يستحقه؛ لأنه أهله، وقد وقع الخير في قلب مَن يستحق ولكن يا تُرى مَن لا يستحقه؟

هنا تجدُ السلسلة :

هوامش على دفتر المرأة "1 – 7"

هوامش على دفتر المرأة "2 – 7"

يوميات غائب في الأرياف 3-7

ملحوظة:

التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

تحميل المزيد