بعد إمضائه أكثر من 3 سنوات سجيناً، وبعد أهوالٍ من التعذيب في غيابات سجون مصرنا، بعث صاحبنا برسالة مكتوبة يقول فيها: "الله لن ينصر أصحاب الأهواء المفرطين، فاستقيموا أو اغدوا جيلاً لنصرٍ مفقودٍ ننشده".
بدأت قصة صاحبنا هذا منذ 20 عاماً خلت، تحديداً حين كان يُنادَى "شبلاً" في حلقات التربية الخاصة بجماعة الإخوان المسلمين، ذلك الشبل الذي تعلّم القرآن فأحسنه واستقى من المعرفة ما يُثلج الصدور، هو أيضاً الطالب المُتميز في فصله الدراسي، هو الناشئ الذي يشيد به الجميع في بيته، ومجتمعه، ومدرسته، وحلقته التربوية، هو الشبل الحالم بأن يصير أسداً للإسلام فصار حبيس إسلامه هذا!
شبَّ صاحبنا على أن "الإسلام هو الحل" فسعى يصدح بها في الآفاق، حاملاً رسالته لمجتمعه – المتدين بطبعه – أن أصْلِح نفسك وادعُ غيرك، فعاش مؤمناً بأن هؤلاء الناس الذين يعاملونه في مجتمعاتنا أحب إليه من نفسه، فهرول لإغاثة الملهوفين، ومساعدة المحتاجين، وتسكين جراح غائرة لم يسبقه إليها أحد. انطلق صاحبنا حاملاً الخير لوطنه مصر فقرر أن يكون هو وإخوانه "جيلاً للنصر المنشود"، وظل هكذا يخدم الناس وإخوانه، ويُراعونهم ويسهرون على راحتهم ويمدون لهم يد العون لسنوات حتى سَئِم الناس من عطائهم فقتلوا أبناء جيله وسجنوه!
والآن، وبعد جولات بين حق وباطل، أما ينبغي لجيل طال به التيه أن يعود؟! بل آن والله. بل لربما لا سبيل أمام جيلنا للنجاة سوى العودة لما فرط فيه من إيمان وإعداد، فجميعكم يعلم أن الله ناصر دينه لكنه -سبحانه- لن ينصره إلا بجيل يستحق ذلك النصر، جيلٍ يبذل فلا ينتظر أن يأتيه النصر عن طريق العدوى، أو أن يُهزم الباطل وحده بعوامل التعرية.
ونصرة قضيتنا تفتقد قائداً حريصاً على جنده، وجنداً متجردين في بذلهم، وإلا فلن ينصرنا قادة لا رؤية لديهم ولا إعداد، ولن ينصرنا جندٌ يُقوِّم اعوجاج قيادته بفحش القول وبذاءة اللسان، ديننا لن ينصره جيلٌ مبدع في التنظير مفرط في البذل، لن ينصره جيل بات رد فعله منحصر في إعلام انحصر في وسائل التواصل الاجتماعي، ديننا لن ينصره سوى جيل أراد الله مقصداً وغاية فأعدَّ نفسه جيلاً مؤمناً، تقياً لله ورعاً، ينفر لنصرة دينه ببذل ما يستطيع ولو لم يكن في يديه سوى يديه، جيلٌ لم يملأ الدنيا ضجيجاً بفريد صنيعه فليس غير الله يُريد، وإلا فلا نُصرة لجيلنا وإن انتصرت قضيتنا!
والحقيقة الثابتة التي يعلمها جميعنا؛ بل لا يُنكرها حتى الباطل وجنده هي: إن الله منجز وعده بالنصر والتمكين لدينه بنا أو بغيرنا ببذلنا أو بتقصيرنا. فابذلوا لأنفسكم لا لدين الله، ولا تركنوا إلى القعود، وإلا فمهزومون نحن حين ينتصر الدين ثم يُنادى علينا أن ادخلوا نار جهنم خالدين فيها؟!
أيا جيلاً للنصر ينشُده كلُ مُستَضْعَف: اجتهدوا في تربية أنفسكم فأحيوا القرآن وأخلاقه بينكم وإن لم تسعكم المساجد، استنفدوا في سبيل نصرة قضيتكم كل إعداد وطاقة، ولا تركنوا إلى القعود فتُنصر القضية ولا تنتصرون، وفروا من النار بحسن بذلكم فذلكم الانتصار إن كنتم تعقلون.
وأخيراً.. إن أردتم نصراً لأنفسكم ونُصرةً لقضيتكم فاتخذوا من أحلام الفتية المُضحِّين من الشهداء والمعتقلين والمستضعفين في الأرض أهدافاً في الحياة، واثبُتوا حتى بلوغها، أو اقضوا نحبكم مُنتصِرين على الطريق وإن لم يُدركم نصر القضية، واعلموا أن الله لن ينصر أصحاب الأهواء المفرطين.. فاستقيموا أو اغدوا جيلاً لنصر مفقودٍ ننشده.
ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.