استقلال كردستان العراق

مؤخراً، ظهر الخلاف على إمكانية "الاستفتاء" العام في كردستان العراق والذي بطبيعة الحال يمهد لـ"الاستقلال" الجزئي ثم الكلي، وكان القادة الكرد المناضلون يعيبون على من يستخدم الاستقلال شعاراً له، واستبدلوه بكلمة "حلم الدولة الكردية".

عربي بوست
تم النشر: 2017/06/19 الساعة 05:24 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2017/06/19 الساعة 05:24 بتوقيت غرينتش

مؤخراً، ظهر الخلاف على إمكانية "الاستفتاء" العام في كردستان العراق والذي بطبيعة الحال يمهد لـ"الاستقلال" الجزئي ثم الكلي، وكان القادة الكرد المناضلون يعيبون على من يستخدم الاستقلال شعاراً له، واستبدلوه بكلمة "حلم الدولة الكردية".

ولكن بعد عام 2010، أخذ الإعلام في كردستان يعمل على تطبيع هذا المصطلح ضمن الثقافة الكردية وبشكل مبالغ فيه، والسرد كان مكثفاً ويستهدف كل فئات الشعب الكردي، والتعريف بالاستقلال وما له وما عليه وحدّه بضوابط الوسائل الديمقراطية، فأصبح الاستقلال كالعصا يلوَّح بها ضد الخصوم في بغداد ونينوى والنجف والبصرة ويتم امتحانهم به!

ومع كثرة استخدامه، فإن الإعلام الكردي لم يُعرِّفه من الناحية القانونية والدستورية بشكل واضح ولم يذكر ما هي الشروط والضوابط التي يجب أن يتصف بها الشعب الذي يختار تقرير مصيره بالاستقلال، تجارب الشيشان والبوسنة وجنوب السودان ليست عن شعبنا في كردستان ببعيد!

للأسف، إن الكثير ممن يُحسبون على الزعامات الكردية المناضلة ليس لديهم لوبي دولي وإقليمي كي يغامروا باتخاذ مثل هذا القرار المصيري. فربما عدم انسجامهم مع بغداد أو أنهم يقدمون العجلة جانباً دون جانب، أو ربما يتغافلون عن جانب دون جانب!

فالقائد عندما يختار تقرير مصير شعبه لا بد أن يكون ملمّاً ومحيطاً بتفاصيل القرار وبتوابعه، ولا يمكن المجازفة بجني الثمار لأول موسم دون حساب تكاليف المواسم القادمة!

الشعب الكردي شعب حي وفيه من المدنية والحضارة، ولديه القدرة على العمران، ومن أجمل صفاته الصبر الاستراتيجي، والمثقفون من الشعب الكردي، وعلى الأقل في قياداته السياسية العليا، هم أبعد الناس عن المغامرة المذكورة، ويكفي أن نعلم قادة مثل بارزاني وطالباني ونوشيروان وبرهم صالح وفؤاد معصوم ومحمود عثمان.. نحن نعرف لهم قدرهم ونضالهم في صناعة التحرير من النظام الديكتاتوري ونؤيدهم وندعمهم بكل ما نستطيع؛ فهم قادة العراق بعد 2003 ونحن وهم تحت خيمة العراق وعَلمه ودستوره. ‏

بغداد وواشنطن تنصحان قادة الشعب الكردي بالرجوع عن الدخول في إجراءات الاستفتاء، وأن الأولى تأجيلها حتى يتم النصر الكامل على داعش، وضرورة التزام واحترام قرارات البرلمان العراقي والدستور الاتحادي، وأيضاً الإصغاء إلى النصائح الدولية والإقليمية وألا يضعوا أنفسهم في مغامرة قد تفسد عليهم كل المنجزات العظيمة التي قاموا بها في كردستان، مع الأخذ بعين الاعتبار أن تقرير المصير لكل شعب حق يكفله الدستور إذا ما تم ضمن الوسائل الديمقراطية المتفق عليها.

من الصفات المميزة لقادة الكرد، الانفتاح على الكل بعلاقات دولية رصينة، وعدم التقوقع على المحاور والعلاقات المذهبية والقومية كما هو الحال في العلاقات الخارجية لقادة بغداد!

وربما أهم مغامرة في استقلال شعب كردستان العراق هي التقوقع في جغرافية نافرة لهم فيتحول الاستقلال من وسيلة لتوحيد الشعب الكردي وتجميعه إلى وسيلة لحصار سياسي واقتصادي ولصراعات حزبية كردية داخلية بين الموالاة والمعارضة، وخاصة أن البعض من القادة الكرد ربما يفكر في تجزئة شعب كردستان بحسب قربه من بغداد أو أنقرة أو طهران مع نرجسية يزينها برغبة الحصول على كركوك وخيراتها، فيتحول الاستقلال حينها إلى تصفية حسابات تضر أكثر مما تنفع.

وبالقطع، ليس من منهج قادة بغداد والنجف ونينوى التوجه نحو العنف في معارضة ما يختاره الشعب الكردي لتقرير مصيره، وبغداد سارعت بالاستعانة بواشنطن في تهدئة الغضب الكردي في أكثر من مناسبة، وغالباً ما تنتهي الأمور بالتسوية والمهدئات الآنية، فحلم الشعب الكردي بالاستقلال من أكثر من 100 سَنةٍ ولم يحققوه واقعاً حتى اليوم، وكأنه لم تحِن له الفرصة؛ بسبب تعقيد المشاكل الجيوسياسية.

العبادي في منهجه الذي يعتمد على الاحتواء والتكيف، يعلم أنه ليس مطلوباً منه الموافقة على الاستقلال بالمطلق، وكذلك ليس المطلوب منه المعارضة بالمطلق! وإن كان القادة الكرد هم من حصروا اختيارهم في إطار محدد دون الرجوع للفاعلين الكبار في واشنطن وأنقرة وطهران وموسكو والرياض؛ فحتى يخرجوا من قوقعة هذا الاختيار يلزمهم إعادة النظر والتريث في التوقيتات، وأن يستفيدوا من نصائح بغداد وواشنطن.

ملحوظة:

التدوينات المنشورة في مدونات هاف بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

تحميل المزيد