يشعر وزير الخارجية الأميركي ريكس تيلرسون بالقلق على نحوٍ متزايد جرَّاء ما يرى أنَّها محادثاتٌ سرية بين جاريد كوشنر، صهر الرئيس الأميركي دونالد ترامب ومستشاره البارز، وولي العهد السعودي محمد بن سلمان، خوفاً من إمكانية أن ترتد تلك المحادثات بنتائج عكسية وتدفع بالمنطقة إلى الفوضى، بحسب ما قاله ثلاثة أشخاص على اطلاعٍ بمخاوف تيلرسون، لوكالة بلومبيرغ الأميركية، السبت 2 ديسمبر/كانون الثاني 2017.
ويتمثَّل الهدف الأساسي لمحادثات كوشنر- بن سلمان في التوصُّل إلى اتفاقٍ تاريخي يتضمَّن إقامة دولة فلسطينية أو أراضي فلسطينية مدعومة مالياً من عددٍ من الدول بينها السعودية، التي قد تضخ عشرات المليارات من الدولارات في ذلك الجهد.
وكان التوصُّل إلى معاهدة سلامٍ مستمرة في الشرق الأوسط يمثل أحد أهداف الولايات المتحدة منذ عقود، وفي بدايات إدارته، اختار ترامب كوشنر صاحب الـ36 عاماً ليقود الجهود الرامية لتحقيق ذلك.
وبحسب المصادر المُطلعة التي تحدت للوكالة الأميركية، يعتقد تيلرسون أنَّ كوشنر لم يقم بما يكفي لإطلاع وزارة الخارجية على تفاصيل المحادثات التي يجريها، وأنَّه يخفي عن كبار لدبلوماسيين الأميركيين النطاق الكامل لمفاوضاتٍ شديدة الحساسية.
أحد الأشخاص المطلعين على مخاوف تيلرسون، قال إن "المشكلة تكمن في أن كوشنير لا يتشاور مع وزارة الخارجية، وليس واضحاً أيضاً مستوى تشاوره مع مجلس الأمن القومي. وتلك مشكلةٌ لكلٍ من مجلس الأمن القومي ووزارة الخارجية، وهو أمرٌ لا يمكننا حله بسهولة".
وتلك المخاوف جاءت سابقةً على التقارير التي ظهرت هذا الأسبوع وتفيد بأنَّ ترامب قد يقيل تيلرسون بنهاية هذا العام، وهي التقارير التي نفاها الرئيس لكن يذكيها حلفاء كوشنر. وقال مسؤولٌ بالإدارة إنَّ كوشنر لا علاقة له بتلك التقارير.
وعند سؤاله عن مباعث قلق تيلرسون، قال المتحدث باسم وزارة الخارجية آر. سي. هاموند: "إن كانت لديه مباعث قلق، فإنَّه يثيرها على انفراد أو بصورةٍ شخصية".
وكان ترامب أكد أمس الجمعة عدم صحة الأنباء عن تخليه عن تيلرسون، قال في تغريدة على حسابه في تويتر إن "تكهنات وسائل الإعلام بأنني طردت ريكس تيلرسون أو أنه سيغادر قريباً هي أخبار كاذبة"، بحسب وكالة الأنباء الفرنسية.
استعادة النفوذ
وتشير وكالة بلومبيرغ إلى أن تيلرسون ومسؤولين كباراً آخرين في وزارة الخارجية يشعرون بالقلق أيضاً من أن ينظر القادة السعوديون، الذين أبقى الرئيس السابق باراك أوباما على مسافةٍ معينة معهم، إلى علاقاتهم مع كوشنر باعتبارها سبيلاً لاستعادة النفوذ في البيت الأبيض، ودعم الولايات المتحدة لخطواتٍ قد تكون مثيرة للجدل.
وتضيف الوكالة: "بالفعل، بدأ ولي العهد الأمير محمد بن سلمان في اتخاذ العديد من تلك الخطوات"، ومنها استدعاء رئيس الوزراء اللبناني سعد الحريري إلى الرياض، الذي ما إن استقال هناك في البداية حتى أجَّل قراره إلى حين عودته لبيروت؛ واعتقال عشرات الأمراء، والوزراء، ورجال الأعمال السعوديين على خلفية اتهاماتٍ بالفساد؛ وموقفه الأكثر عدوانية في حرب اليمن.
وكان ترامب قد أعلن عن دعمه لحملة مكافحة الفساد، ولم يصدر عن البيت الأبيض سوى تعليقات هادئة النبرة بشأن الحريري والصراع في اليمن.
ووفقاً لمسؤول بالبيت الأبيض، فإنَّ كوشنر لم يكن على علمٍ مسبق بالخطوات السعودية، وإنَّه لم يمنح أي إشارة على موافقةٍ مسبقة.
"ثقة كاملة"
ونفى مايكل أنتون، المتحدث باسم مجلس الأمن القومي، التقارير حول عدم إطلاع كوشنر لكلٍ من مجلس الأمن القومي ومستشار الأمن القومي هربرت ماكماستر على الأمور بصورةٍ كاملة.
وقال أنتون في بيانٍ مُعد سلفاً: "يعتقد الجنرال ماكماستر ومجلس الأمن القومي أنَّ فريق السلام الإسرائيلي – الفلسطينيي الذي يقوده جاريد يدير عمليةً شاملة وشفافة بين الوكالات، ويشعران (ماكماستر ومجلس الأمن القومي) بأنَّهما مُطّلعان ومشاركان بفعالية في ما يتعلَّق بمحادثات الفريق مع السعوديين والأطراف الأخرى، ولديهما ثقة كاملة في إشراف الفريق على جهود الإدارة لتسهيل التوصُّل إلى اتفاق سلامٍ إسرائيلي – فلسطيني بدعمٍ إقليمي".
ووفقاً للمصادر المطلعة التي نقلت عنها "بلومبيرغ" يشعر تيلرسون بالقلق من أنَّ السعودية ربما ترغب في العمل بحريةٍ أكبر في مسألة قطر، متجاوزةً الحصار الاقتصادي للقيام بعملٍ عسكري. وتتمثَّل أحد المخاطر الكامنة في خطوةٍ كتلك في أنَّه قد يكون لها عدد غير محدد من التبعات الخطيرة وغير المتوقعة، بما في ذلك إثارة توتُّراتٍ ملتهبة مع تركيا وروسيا، أو ردودٍ عسكرية من إيران، أو هجومٍ صاروخي على إسرائيل من جانب حزب الله المدعوم إيرانياً.
وقال الأشخاص المطلعون إنَّ تيلرسون حاول في الأسابيع الأخيرة تعطيل أجزاء رئيسية من أي خطة محتملة لذلك، قائلاً إنَّه لا يرغب في أن يستقبل السعوديون رسائل متضاربة من جانب كلٍ من الدبلوماسيين الأميركيين وصهر الرئيس.
ونفى البيت الأبيض الادِّعاء بأنَّ كوشنر لا يتواصل بصورةٍ كاملة مع تيلرسون ووزارة الخارجية، ورفض الخوض في المناقشات بين كوشنر والأمير بن سلمان.
ويزور كوشنر وزارة الخارجية بصورةٍ دورية لإطلاعهم على جهوده في الشرق الأوسط، لكنَّ القلق مصدره أنَّ كوشنر، إما عمداً أو بدافع من الإهمال، لم يُطلِع وزارة الخارجية أو كبار مستشاريه على الكثير من تفاصيل مفاوضاته الخارجية هذه.
وقد خلص تيلرسون إلى أنَّه حتى ترامب لا يعرف كل تفاصيل نقاشات كوشنر مع ولي العهد السعودي.
وقالت سارة ساندرز، المتحدثة باسم البيت الأبيض، في بيانٍ عبر البريد الإلكتروني إنَّ "الرئيس مسرور للغاية بالانخراط والتقدم الذي أحرزه فريقه الذي يتولَّى الملف الإسرائيلي الفلسطيني، وهو يدعم جهودهم بما في ذلك السفر إلى المنطقة والمناقشات المستمرة مع نظرائهم. وهو على علمٍ بالمحادثات والتطورات، وهذا الأمر ما يزال يُمثِّل أولوية لإدارته".
رسالة حول قطر
وأصبح كوشنر مقرباً من الأمير بن سلمان، نظيره صاحب الـ32 عاماً في المحادثات، وقد سافر إلى السعودية لإجراء بعض هذه النقاشات. لكنَّ الأمر المثير للقلق على وجه الخصوص بالنسبة للمسؤولين الأميركيين هو أنَّ كوشنر ربما يكون قد أعطى السعوديين تطميناتٍ سرية لا تحظى بدعمٍ أوسع نطاقاً في الولايات المتحدة.
وفي شهر سبتمبر/أيلول الماضي، تدخَّل ترامب بنفسه في مسألة العمل العسكري السعودي ضد قطر، وأخبر القيادة السعودية بأن تتخلّى عن هذه الفكرة، كما أوردت وكالة بلومبيرغ في ذلك الوقت.
لكن، وفقاً للأشخاص المطلعين، ربما لم يستسلم السعوديون. وقال أحد هؤلاء الأشخاص إنَّ ترامب كلّف تيلرسون بإبلاغ القادة السعوديين أنَّ الولايات المتحدة لن تتسامح مع أية محاولة لفرض تغييرٍ للنظام في قطر، حتى لو كان كوشنر قد أخبرهم بخلاف ذلك.
ونقلت وكالة بلومبيرغ نفي مسؤول سعودي بارز وجود مثل هذه الخطط، وقال: "إنَّ مسألة قطر مسألة صغيرة وقد حُلَّت عن طريق المقاطعة ونسيناها".
صفقة القرن
وقال الأشخاص الثلاثة إنَّه المدى الذي ذهب إليه المناقشات بين كوشنر والأمير محمد ليس واضحاً. ويتشكك البعض داخل الإدارة الأميركية في نجاح هذه الجهود، جزئياً بسبب التعنُّت التاريخي للإسرائيليين والفلسطينيين، ولأنَّ أي اتفاق سلام سيتطلب في نهاية المطاف دعم الكثير من الزعماء المتنافسين في المنطقة.
ويكشف تشكُّك مسؤولي وزارة الخارجية بشأن مناقشات الشرق الأوسط عن إحباطٍ متنامٍ من قرار الرئيس بتجاوزهم وانتقاصه المتكرر بالمؤسسة الدبلوماسية الأميركية. وبدلاً منهم، وضع ترامب مفاوضات السلام الحساسة هذه في يد كوشنر، الذي لا يمتلك أي خبرة دبلوماسية وليست لديه سوى خلفية ضئيلة حول تعقيدات واحدةٍ من أكثر مناطق العالم تقلُّباً.
ومع ذلك، أظهر ترامب، الذي لطالما تحدث عن السلام في الشرق الأوسط باعتباره الإنجاز الأكبر لأي وسيط سلام، ثقةً لا تتزعزع في قدرة صهره على تحقيق ذلك الأمر.
وقال الرئيس، مُخاطِباً كوشنر من فوق منصة إحدى الفعاليات المرموقة التي جرت احتفالاً بتنصيبه في شهر يناير/كانون الثاني الماضي: "إذا لم تستطع أن تُحقِّق السلام في الشرق الأوسط فلن يستطيع أي شخص آخر. لقد كنتُ أسمع طيلة حياتي أنَّ هذه هي أصعب صفقة يمكن إتمامها، لكن يراودني شعورٌ بأنَّ جاريد سيقوم بعملٍ عظيم".
وكان موقع "ميدل إيست آي" نقل في وقت سابق عن دبلوماسي غربي، ومسؤولين فلسطينيين، أن كوشنر زار السعودية مؤخراً، وأطلع ولي العهد السعودي، محمد بن سلمان، على خطة "صفقة القرن"، أو الصفقة النهائية التي يطرحها ترامب على الفلسطينيين، وتضمنت ضغوطاً تمارَس بمشاركة رسمية عربية على السلطة الفلسطينية لقبولها.
وطلب كوشنر من السعوديين المساعدة في إقناع الرئيس الفلسطيني، محمود عباس، بقبول الخطة التي ستُقدَّم رسمياً في أوائل عام 2018.
وقال الدبلوماسي إنَّ بن سلمان أبلغ كوشنر أنَّه مستعد لاستثمار كميات كبيرة من رؤوس الأموال في الصفقة، وسيعطي القيادة الفلسطينية الأموال اللازمة ليستجيبوا بصورة إيجابية.
وتلعب المصرية الأميركية دينا باول دوراً رئيسياً في مبادرة ترامب الدبلوماسية في الشرق الأوسط، ما جعل دبلوماسيين يصفونها بالسلاح السري في بعثة ترامب إلى المنطقة، بحسب تقرير لصحيفة "التايمز" الأميركية.
وكانت زوجة كوشنر إيفانكا ترامب ابنة الرئيس الأميركي هي من وظَّفَت دينا للعمل في البيت الأبيض. وعلى الرغم من أنَّ عمرها 44 عاماً فحسب، تُعدُّ دينا واحدةً من أكثر مسؤولي البيت الأبيض خبرةً؛ إذ شغلت عدداً من المناصب العليا خلال إدارة الرئيس الأميركي الأسبق، جورج دبليو بوش.
وتقول الصحيفة الأميركية إن دينا رافقت في شهر أكتوبر/تشرين الأول الماضي، كوشنر في زيارةٍ غير معلنةٍ إلى الرياض، حيث تردَّد أنَّ الاثنين ظلَّا يتناقشان مع بن سلمان، حتى ساعات الصباح الباكر حول قضايا الإرهاب والطموح الإيراني في المنطقة وآفاق الاتفاق بين الجانبين الفلسطيني والإسرائيلي.