لم تكن تلك الدولة صغيرة الحجم مجهولة الهويّة التي تقع في أقاصي الشرق الآسيوي ضمن قائمة الدول التي خططنا لزيارتها، ترتبت الأمور بشكل عجيب ومفاجئ، خصوصاً بعد أن باءت محاولات زوجي بالفشل في استخراج تأشيرة دخول دول الشنغن.
مدة الرحلة كانت قرابة العشرة أيام، وقد رتّبنا للرحلة بأنفسنا من حجوزات للطيران والفنادق والمعالم التي سنزورها هناك، دون اللجوء أو الاستعانة بمكتب سياحيّ أو أيّ وسيط، مما قللّ علينا تكلفة الرحلة وترك لنا حرية التنقل والاختيار بعيداً عن الالتزام ببرامج المكاتب السياحية والمجموعات.
بالنسبة لحجوزات الطيران، كما هو معلوم للجميع، فإن حجزك للرحلة قبل وقت يقلل عليك التكلفة، هناك أيضاً مواقع متخصصة على شبكة الإنترنت تستطيع البحث من خلالها على أقل الأسعار لجميع خطوط الطيران، نذكر منها موقع (ويغو) وغيره الكثير، أما بالنسبة للفنادق فكان التحدي الأكبر هو العثور عن فنادق ذات سعر جيد وقريبة من خطوط المواصلات، وقد استعنّا في ذلك بموقع (بوكينغ)، هذا الموقع وغيره يتيح لك فرصة البحث عن فنادق حسب السعر الذي تريد، ويذكر لك كل المواصفات والامتيازات التي تخصّ الفندق.
هونغ كونغ، جوهرة آسيا وتحفتها المجهولة، سلّمت بريطانيا ملكيتها للصين عام 1997م وهي دولة صغيرة الحجم نسبياً تقع جنوب الصين محصورة بين بحر الصين الجنوبيّ ودلتا اللؤلؤة، يبلغ عدد سكانها حوالي سبعة ملايين نسمة، وهي بذلك تضم أكبر كثافة سكانية في العالم، كما تتمتع هونغ كونغ باستقلالية عالية، ولها نظام سياسي وقانون مستقل، انعكس بشكل إيجابي على مظاهر الحياة هناك، ووفّر حياة كريمة وتطوراً اقتصادياً ملحوظا للدولة والمواطن معاً.
ما يلفت الانتباه للوهلة الأولى التي تطأ فيها قدماك أرض هونغ كونغ هو مطارها الضخم، الذي يعدّ واحداً من أفضل المطارات تنظيماً ودقة في التشغيل، كما ترتبط هونغ كونغ بشبكة مواصلات عالية في الجودة وذات دقة في المواعيد من مترو أنفاق وقطارات خفيفة وحافلات عمومية وسيارات أجرة، مما يجعل التنقل بين ضواحيها وجزرها أمراً غاية في الراحة والسهولة.
يتكون الشعب في هونغ كونغ من مزيج من الصينيين الأصليين وعرقيات أخرى متعددة، يتحدث معظمهم الإنجليزية بطلاقة، وهم ودودون جداً يهرعون إلى تقديم المساعدة بكل رحابة صدر وطيبة قلب، يأكلون الطعام في أيّ وقت وفي أيّ مكان، ويقبلون على متاجر التسوّق بنهم، لا يلقون المخلفات في وسائل المواصلات أو الشارع، ربما يمنعهم من ذلك الغرامات العالية التي تفرضها الدولة أو أخلاقهم ولو كانت الأخيرة أقرب، يحترمون الإشارات الضوئية وممرات عبور المشاة، ولا يخالف أحدهم القانون، سواء كان سائقاً أو من المشاة.
المتتبع والمقارن للتطور الملحوظ الذي حظيت به دول مثل هونغ كونغ وسنغافورة وغيرها وبين ما يحدث في الدول العربية، سيجد هوّة كبيرة وفارقاً شاسعاً سببه فساد ينخر جسد مؤسسات الدولة، وترهلاً وعجزاً في تقديم الخدمات الحقيقية للمواطنين، وحقوقاً سياسية محظورة وظلماً في توزيع الثروات وتفشّي البطالة والفقر وحرماناً من حرية التعبير وإبداء الرأي، وانشغالاً بالطائفية والحزبية الوهمية، وتجريداً للمرأة من حقوقها السياسية، كله هذا وغيره أدى إلى وصول الحالة إلى ما هي عليه.
ولكي تخرج الأمة من مأزقها يجب عليها أن تتخذ دولاً مثل هونغ كونغ مثالاً يحتذى به، تنطلق إلى العلوم الطبيعية والإنسانية بحثاً، وتمضي في الكون نظراً وتفكراً وتسخيراً، وفي مؤسسات المجتمع عملاً وإصلاحاً وتطهيراً من كل أشكال الفساد والواسطة والمحسوبية، ويجب إعادة صياغة مبدعة لمنظومة حقوقية أساسية وتأسيس مسلّمات دستورية تحفظ لكل إنسان في الدولة حقّه في الاعتقاد والعبادة والتفكير ومحاسبة الحاكم والمساواة أمام القانون، وتصون ثرواتنا ومستقبلنا وتحميها.
ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.