في حضرة المصطفى

أشكو لك حال أمة رضيت بأن يكون الدين أفيوناً لشعوبها.. ومخدراً لصحوتها.. فبدل أن يكون الذكر فيها أساساً.. وعاملاً للنهضة.. باتت تستخدم الدين كمغيبٍ لها عن الوعي والواقع.. فصار حال كثير من المتدينين في الجوامع لا يختلف عمّن يقضون لياليهم في النوادي الليلية والحانات..

عربي بوست
تم النشر: 2016/06/28 الساعة 07:03 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2016/06/28 الساعة 07:03 بتوقيت غرينتش

"إليك يا رسول الله أكتب.. بعد أن فاضت روحي بوجع هذه الدنيا القاسية.. إلى قلبك الذي جاء ليكون سلماً وسلاماً للعالمين.. فما أحوجنا إلى هذا القلب في أيامنا هذه..

تعبنا يا رسول الله في بُعدك.. والله شاهد على ما أقول.. شاهد على حال أمتك في غيابك.. علمتنا أن ندعو بأن لا تكون الدنيا أكبر همنا ولا مبلغ علمنا.. لكنها للأسف دوختنا فأعمت بصائرنا ونسفت أرواحنا الطاهرة.. علمتنا أن نرجو الله بأن لا يجعل مصيبتنا في ديننا.. لكن مصيبتنا.. كل مصيبتنا في ديننا.. وقد نخر الوهن في جسد أمتنا فصرنا نخشى لقاء رب العالمين ونتمنى ألا نفارق هذه الحياة الزائفة..

أشكو لك حال أمة نائمة.. لمّا فكرت أن تستيقظ وتنصرك.. قامت بمقاطعة نوع زبدة والقيام ببضع مظاهرات، لكنها لم تأبه لإحياء سُنتك الشريفة وقراءة سطر واحد عنك كي تعي الطريقة التي كنت ستتصرف فيها في هذه الحالة.

أشكو لك يا رسول الله مَن نصبوا أنفسهم وكلاء الله على هذه الأرض!.. من استباحوا الدماء والأموال والأعراض.. وأنت المُوَصي بألا تُقطع شجرة في الحرب.. أشكو لك مَن صاروا يقيمون قرب الناس أو بعدهم عن ربهم على أهوائهم الخاصة.. وأنت القائل "لا فضل لعربي على أعجمي إلا بالتقوى".. ولما سألوك عن التقوى أشرت إلى قلبك.. حيث لا يعلمها إلا رب العالمين.. وبالتالي مهما أفنى الإنسان عمره في محاولة أن يحكم على إنسان آخر إن كان تقياً فقطعاً لن ينجح..

أشكو لك يا سيدنا بعض من شوهوا سنتك الطاهرة الشريفة.. ففهموا الدين بلحية يطلقونها وثوب يقصرونه.. وصوم نهار وصلاة ليل.. ولكن.. غاب عنهم جوهر هذه المظاهر.. وغاب عنهم كلام رب العزة (إلا من أتى الله بقلب سليم).. فباتوا يشتمون ويطلقون الأحكام على خلق الله كما يحلو لهم.. ينظرون إليهم بدونية وكأنهم لن يبلغوا مقامهم.. ويجزمون بمصائرهم عند الله من قبل أن يحاسبهم حتى!!.. وغابت عنهم الحادثة المعروفة عنك، عندما جيء برجل لجلده وإقامة الحد عليه بسبب شرب الخمر، فلما لعنه أحد الموجودين نهيته وقلت: "لا تلعنه، فإنه يحب الله ورسوله".. غاب عنهم حديثك بشأن المرأة الزانية التي دخلت الجنة بسبب كلب سقته وأشفقت عليه فغفر الله لها ورحمها.. وهؤلاء يعجزون عن رحمة إخوانهم من البشر.. فتجدهم لا يتوانون عن الخوض في عرض امرأة لمجرد أنها غير محتشمة في لباسها.. وغيره الكثير من الأمثلة البائسة..

أشكو لك حال أمة رضيت بأن يكون الدين أفيوناً لشعوبها.. ومخدراً لصحوتها.. فبدل أن يكون الذكر فيها أساساً.. وعاملاً للنهضة.. باتت تستخدم الدين كمغيبٍ لها عن الوعي والواقع.. فصار حال كثير من المتدينين في الجوامع لا يختلف عمّن يقضون لياليهم في النوادي الليلية والحانات.. فكلاهما يعيش حالة غفلة كاملة وتخدير وكأنه يعيش في عالمه الخاص الذي لا يمت لهذه الدنيا بصلة.. فكما أن النوادي والكحول انتشرت في بلادنا لتغييب شبابنا وطمس عقولهم.. فإن الخطاب الديني وللأسف الشديد يستغل أيضاً للغرض ذاته وإن اختلفت المظاهر.. أشكو يا رسول الله حال أمتك التي رضيت بأن يدنس أولى القِبلتين ولم تحرك ساكناً.. ورضيت بأن يحترق أبناء جلدتها بأفظع أنواع الأسلحة ولم تحرك ساكناً.. رضيت بأن يشرد ويقتل المئات من أبنائها وبدل أن تهبّ لنصرتهم أخذت تصفهم بالفسق والكفر؛ لأنهم لا ينتمون لنفس الفكر والمذهب والعقل.. أشكو لك حال أمة أذعنت بالتفريق بين أبناء الدين الواحد والبلد الواحد وأنت القائل عن العنصرية "دعوها فإنها نتنة".

أشكو لك حال أمة تحيي أقدس شهر في السنة بمسلسل يعرض فكرة زواج امرأة من خمسة رجال في الوقت ذاته.. ومشاهدين يتخدرون بعد صيام نهارهم أمام مشاهد تخدش حياء المؤمن.. أشكو لك حالنا بعد أن بتنا نقيم الليالي في أي مكان سوى المساجد.. أشكو لك قسوة قلوبنا وحالة الغفلة التي غشيت أرواحنا..
أشكو لك رجالاً يستغلون ضعف المرأة ويضهدونها، متناسين قولك "رفقاً بالقوارير"، وآخرين يتعالون عن معاونة زوجاتهم في المنزل وكأنهم أكثر رجولة ممن كان يخيط ثوبه ويصلح نعله بنفسه.. عليه أفضل الصلاة والسلام.
أشكو لك أشخاصاً باتوا يعتبرون مفهوم الثقافة والحضارة مقترناً بالعلمانية، والاستهزاء بكافة أشكال الدين.. وكأن الإنسان إذا أراد أن يرتقي بفكره فلا بدّ له أن يتخلى عن دينه ومنهاج حياته كي يلقى القبول عند أبناء التراب بغض النظر عن مكانته لدى ربهم أجمعين..

اشتقنا لك يا رسول الله.. تعبنا كثيراً في فراقك.. نخشى أن تعرض أعمالنا عليك فتحزن وتخجل بأننا نسبنا إليك.. حُرمنا صحبتك في هذه الدنيا وكل ما نخشاه أن نحرمها مرة ثانية أيضاً.. ولكن نرجو الله أن يصلح حالنا وأن يستخدمنا في إصلاح الأرض ولا يستبدلنا كما كان حال أقوام أخرى.. وأن نلقاك فتبتسم بوجهك المضيء لنا..

صلّ يا رب على حبيبي.. واجعل شربة من كفه نصيبي.. حُرمتُ صحبته في دنيا مريرة.. فعدني بلقياه في يومٍ قريبِ.

ملحوظة:

التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

تحميل المزيد