قريباً ستكون القصة أكبر من مجرد رواية، ستكون أكثر كتاب إلهاماً لمجتمع متصدع يبحث عن مخرج، وستكون دستوراً ليعبر به الشباب نحو طموحهم، وسيكون نهضة لانحدار النخبة النائمة التي باتت متعمقة في مجالها فقط.
هذا ما قلته لنفسي حين شرعت أخطط لمشروع كتاب! نعم.. أنا متفاجئ مثلكم، وأشعر مثلكم بالكثير من التهكم، وأعلم أن قدراً لا يستهان به من السخافة سيتضمنه هذا الكتاب، لكني اتخذت القرار ولا رجعة عنه!
كم بدا لي عظيماً وأنا أخطط له، وأرسم شخصياته في مخيلتي، وأنحت موضوعه، شعرت وكأنه خلاصة الفكر الذي اكتسبته منذ عشرين عاماً، صرت أخفي فيه أسراري الكثيرة، وأضمنها بسطور لا يلاحظها القارئ، ولا يكتشفها مَن يقربني أو يصادقني، وضعت فيه الكثير من المعارضات، والكثير من التمرد على الواقع، وعلى القانون، وطرحت الكثير من النقاشات حول الدين والمجتمع، تلك النقاشات التي تدور بيني وبين دراجتي وأنا ذاهب إلى عملي كل يوم!
أذكر أني وضعت فيه شخصيات لا يجب أن أتذكرها مرة أخرى، وناقشتهم في الكثير من ذنوبهم التي اقترفوها معي، وشكرت آخرين على فضائل أثرت في حياتي، اختلقت أصدقاء أقرب للكمال لم أجدهم في حياتي، وعاتبت أحباء لا تمكنني طيبتي من الكف عن حبهم، وبكيت حين سألني أحدهم: "لماذا لم تنسنا؟ نحن بخير بدونك!".
وضعت في خطة الكتاب كل شاعريتي المتواضعة، وطفولتي التي لم تجد ملعباً لتحلق فيه، ووضعت فيه قصصي التي لا يصدقها أحد، وعددت بعضاً من الأعمال التي عملتها دون علم أحد بذلك، ووضعت فيه كيف رآني مرة أحد الأصدقاء أعمل في ورشة خياطة كمستخدم أكنس الأرض فصُعق وصاح: "ما الذي أجبرك على العمل هنا؟ ما الذي أودى بكَ إلى هذه الحفرة؟".
أحييت أبي مرتين في خطة الكتاب، وسألته غير مرة عن سبب رحيله المفاجئ، لماذا لم ينتظر حتى أشرب شخصيته جيداً، وعاتبته على تركي مراهقاً وحيداً أقاتل هياكل من حقد وفواتير لا أعرف طريقة تسديدها.
استحضرت أيضاً عدة شخصيات تاريخية، ودينية، وسألتهم عن سبب اقتتال الناس من أجلهم، هل هم راضون عن ذلك؟ وهل يعنيهم شيء من هذه الدماء، هل هم خجلون أمام الله على ذلك، أم يكتفون بالصلاة من أجلنا؟ سألتهم عن الحقيقة فارتبكوا، وحين جاء دورهم سألوني كيف خطر لنا من بعدهم أن نكون مجرد مستهلكين لاختراعات دأب الغرب على اختراعها كالكهرباء وما تبعها من معجزات صناعية؟
ودار بيني وبين كتابي نقاش علمي حول احتمالية عرض المزيد من أجزاء المسلسل الأسطوري "باب الحارة" لكنه صدقاً لم يجب، تجاهلني غير مكترث، وبات عليه الخجل وكأنني أكفر بحقيقة لا تفنيد فيها.. لم أدرِ أي نظرة تلك التي حدجها كتابي نحوي حينها..
وبحثت في خطة هذا الكتاب المجيد عن بعض الأسرار التي من حولنا ولا نأبه بها: كالسبب وراء طائفيتنا، وكرهنا للمختلفين، وقمعنا لكل مجدد، وعن سبب وجود الآلاف من الباحثين وراء أسرار الحياة ما بعد الموت، بينما الباحثون عن الحياة قبل الموت هم قلائل، لا قبل لهم على تحمّل تفاهات هذه الحياة، فذهبوا إلى ما هو أكثر سحراً وتشويقاً.. ذهبوا إلى ما هو أكثر دفعاً للاقتتال!
ولم أنتهِ بعد من وضع الخطة تلك، إنني فقط أرجأتها إلى حين أتملك قدراً آخر من الشجاعة لأواجه نفسي مرة أخرى، فأغنيه بمواد أخرى، وربما قد أفكر بوحدانيتي التي ستتزوجني مجدداً إن نشرت كتاباً كهذا، فأمزقه، وأقنع دراجتي بخطة كتاب آخر يناقش تطورات حارة شامية ما يتعرض أهلها لاعتداءات من محتل في ظل اقتتال صريح على الزعامة!
ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هاف بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.