بعد وقوع سلسلة من الزلازل القوية التي ضربت إيطاليا العام الماضي، سافر العالِم الألماني مارتن فيكلسكي لاختبارِ شعورٍ لطالما خالَجَ العلماء والمفكرين طويلاً، ألا وهو: هل تستطيع الحيوانات التنبؤ بالكوارث الطبيعية؟
قام العالم الألماني فيكلسكي بمراقبة عدد من الحيوانات الموجودة في مزرعةٍ ببلدة بييفي تورينا، الواقعة في إقليم ماركي بوسط إيطاليا، في أكتوبر/تشرين الأول الماضي، آملاً بأنه إذا تغيَّر سلوكها على نحوٍ ثابت قبل حدوث زلزال، قد يُستخدم هذا بمثابة نظام إنذارٍ مُبكِّرٍ، وقد ينقذ حياة آلاف البشر. وفي أحد الصباحات الدافئة هذا الربيع، عاد فيكلسكي بنتائجه.
قال فيكلسكي بحماسةٍ، بينما يحلِّل حاسوبه البيانات: "يا إلهي! يبدو أن هناك شيئاً يحدث بالفعل".
وكانت سلسلةٌ من الزلازل قد بدأت في إيطاليا أغسطس/آب الماضي، لتتبعها زلازلٍ كبيرة أخرى حدثت في أكتوبر/تشرين الأول 2016 ويناير/كانون الثاني 2017، مصحوبةً بآلاف الهزات الارتدادية.
وبلغ حجم الخسائر 23 مليار يورو (26 مليار دولار)، وشُرِّدَ الآلاف، فيما وصل عدد الوفيات إلى 300 شخص. لكن وقوع الهزات بشكلٍ ثابت في منطقة زراعيةٍ وريفيةٍ إلى حدٍ كبير قدَّمَ فرصةً نادرة للبحث في النظرية القديمة.
زلزال تركيا
في تركيا ضرب زلزال مناطق جنوب وغرب البلاد، الإثنين 12 يونيو/حزيران 2017، وأصبحت تغريدة لنائبة برلمانية سابقة على تويتر حديث الإعلام التركي، حين حذرت من الزلزال قبل ساعتين من حدوثه فعلاً، وفق ما ذكر تقرير لعربي بوست.
وكتبت ميلدا أونور، النائبة السابقة عن حزب الشعب الجمهوري السابق، قائلة: "إن هناك أخباراً عن رؤية الناس للثعابين منذ يومين في مراكز المدن، وهو حدث مشابه لما حدث قبل زلزال 1999، لا تقولي إني لم أخبركم".
2 gündür şehir merkezlerinde görülen yılan haberleri var. En son 1999 depremi az öncesi olmuştu. Demedi demeyin.
— Melda Onur (@meldaonur) ١٢ يونيو، ٢٠١٧
وبعد ساعتين من تغريدتها، شهدت مناطق الساحل الغربي لتركيا، كمدن إسطنبول وتشاناكالي وبورصة، بالإضافة إلى مدن يونانية، زلزالاً بقوة 6.2 درجة؛ ما أثار ذعر السكان.
ويقول جيانغ ويسونغ، وهو رئيس مكتب الهزات الأرضية بمدينة نانينغ الصينية، إن الثعابين قد تكون أكثر الكائنات الحية الموجودة على سطح الأرض قدرةً على استشعار قرب وقوع الهزات الأرضية، حيث تُغادر جحورها هاربة.
أبحاث سابقة
وقال فيكلسكي، مدير معهد ماكس بلانك لعلم الطيور في ألمانيا، إن بعض الأبحاث السابقة قد تكَّهَنت بقدرات الحيوانات التنبؤية، وكان من بينها دراسةٌ تولاها هو في الفترة من 2012 إلى 2014، راقَبَ فيها الخراف والماعز بجوار جبل إيتنا في صقلية.
وأضاف: "خلال هذين العامين، تنبَّأت الحيوانات بانفجاراتٍ بركانية كبيرة قبل وقوعها بـ4 إلى 6 ساعات". وقال إن 8 انفجارات قد حدثت أثناء فترة الدراسة.
وأضاف أيضاً: "في الليل، استيقظت الحيوانات وسارت بعصبية. وفي النهار، ذهبت إلى منطقة آمنة"، حيث كان من الواضح من حشائشها العالية أنها كانت معزولةً عن تدفُّق الحمم البركانية سابقاً.
واستناداً إلى هذا البحث، قُدِّمَ فيكلسكي في 2013 للحصول على براءة اختراع بعنوان: "استخدام الطبيعة في التنبؤ بالحوادث"، ولازالت براءة الاختراع مُعلَّقة حتى الآن.
وعقب وقوع الزلزال المُدمِّر الذي ضرب المنطقة في أكتوبر/تشرين الأول الماضي، طار فيكلسكي بصحبة مدير مشروعه، أوشي مولر، إلى إيطاليا. ووصلوا إلى مزرعة أنجيلي، حيث تبيع العائلة صاحبة المزرعة الجبن المصنوع من لبن الأغنام والأبقار، إلى جانبِ أنواعٍ أخرى من الأطباق المحلية.
ثبَّت فيكلسكي أجهزة استشعارٍ صغيرة ومُتطوِّرة على أجسادِ عددٍ من حيوانات المزرعة – أرنب، وبعض الخراف والأبقار والديوك، والدجاجات، والكلاب.
وقاست أجهزة الاستشعار كل حركةٍ تقوم بها الحيوانات في الثانية: الاتجاه المغناطيسي، والسرعة، والارتفاع، ودرجة الحرارة، والرطوبة، والتسارع، والموقع. ووصف فيكلسكي الأجهزة المدعومة بلوحةٍ شمسية صغيرة بـ"الصندوق الأسود الغني بالمعلومات".
وبعد مرورِ أيامٍ من وسم الحيوانات الأولى بهذه الأجهزة، وقعت هزةٌ أرضيةٌ بقوة 6.5 ريختر وفَّرت بيانات عن حدث زلزالي كبير.
استرجع فيكلسكي ومولر أجهزة المراقبة بعد أسابيعٍ، ثم عادوا في يناير/كانون الثاني لوسم عددٍ آخر من نفس الحيوانات، من ضمنها 6 أبقار، وضعف عدد الخراف، وكلبان.
في أبريل/نيسان الماضي، عاد الباحثان مرةً أخرى لإزالة الأجهزة المتبقية ودراسة البيانات التي جمعاها.
قد يكون وسم أنواع مختلفة من الحيوانات إجراءً مبدئياً، بحسب تصريح فيكلسكي، إذ يشعر كلٌّ منها بالبيئة المحيطة بطريقته الخاصة. وقد تشكّل سويةً "نظامَ استشعارٍ جماعي"، بحسب وصفه، ما قد يُوفِّر معلوماتٍ جديدة كلياً.
ويأمل الباحثان أن تظهر الحيوانات سلوكاً خاصاً قبل وأثناء وبعد الهزات الأرضية، من خلال مقارنة بيانات الحيوانات ببيانات الهزات الأرضية التي تقع في المنطقة.
وفي أفضل الأحوال، قد يُمثِّل سلوكُ الحيواناتِ في الساعات السابقة لوقوع الزلازل نظامَ تنبيهٍ مُبكِّرٍ قد يسمح للناس بإخلاء المكان.
ويُعد هذا البحث جزءاً من مشروعٍ عالمي بمبادرةٍ ألمانية – روسية، تسمى ICARUS، اختصاراً لـ"منظمة التعاون الدولي للبحوث الحيوانية باستخدام الفضاء"، وهي نظامٌ للمراقبة مبنيٌّ على الاتصالات الفضائية يتتبَّع عشرات الأنواع من الحيوانات المُزوَّدة بأجهزةِ إرسالٍ تعمل بالطاقة الشمسية.
وقال فيكلسكي: "سنكون قادرين على التعلُّم من الحيوانات في أي مكانٍ في العالم. إنها فكرةٌ بسيطة ونافذة".
وذَكَرَ الموقع الإلكتروني للماسح الجيولوجي الأميركي: "تُقدِّم لنا الحيوانات، والأسماك، والطيور، والزواحف، والحشرات، أدلةً قويةً، بعد أن أبدت سلوكاً غريباً قبل حدوث الزلازل بمدة تتراوح بين أسابيع وحتى ثوانٍ".
لكن المؤسسة الفيدرالية المسؤولة عن تسجيل النشاط الزلزالي في الولايات المتحدة الأميركية قالت: "لا يزال السلوك الثابت والقوي قبل الأحداث الزلزالية غامضاً بالنسبةِ لنا، وكذلك الآلية التي تشرح كيفية عمله".