عشرون تغريدة في عشرين “الجزيرة”

حياد "الجزيرة" في تغطياتها محل جدل ومناظرة، وقد صرح بذلك الكثير ممن داخلها، فضلاً عمن خارجها، لكنني كمشاهد لا أهتم بأكثر من أن تحافظ "الجزيرة" على شخصية القناة الإخبارية، سواء حايدت أو انحازت، وألا تنزلق لتصبح مكتباً إعلامياً ملحقاً بوزارة خارجية أو منظمة أو شخصية ما كغيرها.

عربي بوست
تم النشر: 2016/11/01 الساعة 08:40 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2016/11/01 الساعة 08:40 بتوقيت غرينتش

– أهنئ القائمين على شبكة الجزيرة بمرور عشرين عاماً على منذ ولادة هذا المشروع الذي أطلق عليه المحلل السياسي والعسكري إبراهيم آل مرعي إمعاناً في تفخيمه لقب "هارفارد الإعلام العربي"، وليست التهنئة على الانطلاقة فقط بل وحتى النجاة من العديد من العواصف التي واجهتها على مدى عقدين.

– كل المكتوب في المقالة عن تجربتي مع "الجزيرة" مشاهداً خلال الفترة الماضية لا الفترة القادمة.

– ما زلت أتذكر باكورة انطلاقة الشبكة بقناتها الإخبارية مع أنني كنت طفلاً حينئذ، وأتذكر تلك السنوات التي كانت توضع فيها عقولنا في قوالب الثلج، وكيف صُوِّر لنا جمال ريان شيوعياً وسامي حداد صهيونياً وأحمد منصور ماسونياً وفيصل القاسم حنكليشياً شنكليشياً (كما يقول).

– واجهت "الجزيرة" ولا تزال سيلاً عرمرماً من الانتقادات والاتهامات، وكنت أتفهم ذلك إلى أن قمت وأنا طالب إعلام بالجامعة بعرضٍ مرئي لزملائي حول عمل القناة، فلما استمعت منهم لنفس النغمة من الانتقادات والاتهامات، سألت كل واحدٍ منهم على حدة عن عدد ساعات مشاهدته لها يومياً، ففوجئت أن مجموع عدد ساعاتهم جميعاً يساوي "صِفر"، حتى خرجت بمعادلة أن (صِفر ساعات مشاهدة لا يعطيك القدرة لتقييم أداء قناة فضائية وإبداء رأي فيها فضلاً عن نقدها موضوعياً).

– مشكلة "الجزيرة" ليست أنها عرضت رأياً، فالرأي كان سائداً في الإعلام العربي، لكن المشكلة هي أنها قامت بعرض الرأي الآخر الذي كان غائباً تماماً، ما استدعى وصول العديد من مكممي الأفواه إلى الجمهور، فالجزيرة سبقت شبكات التواصل الاجتماعي في ذلك بعقد تقريباً.

– في وقت لم تكن قنوات -تعتبر نفسها إخبارية- تجرؤ أن تقدم برنامجاً مباشراً على الهواء معتمدةً فقط على البرامج المسجلة والمنقحة، كانت "الجزيرة" تعرض البرامج المباشرة والفورية، وتفتح الباب على مصراعيه لمشاهديها لتوجيه أشد الانتقادات لمن شاءوا، على قاعدة الرأي والرأي الآخر أيضاً.

– لأنها بلا جمهور مستهدف معين، فإنني أعتقد أن "الجزيرة" نجحت في إيجاد خط تحريري فريد عبر خلق "شأن داخلي مهم للخارج" في كل بلدٍ تقوم بتغطيته، وهذا يشبه إلى حدٍ بعيد إيجاد هوية معرفية جديدة لمتلقٍ مُلم بالمهم في كل مكان ولو كان داخلياً صِرفاً.

– تلعب الدولة المقر دوراً مهماً في تشكيل حال القناة التلفزيونية، ولعل من حسن حظ "الجزيرة" أن مسقط رأسها جاء في دولة غنية، ومن النادر أن توجد فيها المعلومات ذات القيمة الخبرية أو الـ"نيوزوورثي"، ورغم ذلك لم يسلم دور البلد المقر الخارجي من لذائع "الجزيرة" مثلاً في حوارات أحمد منصور الشهيرة مع حمد بن جاسم بن جبر.

– كانت "الجزيرة" فنار القضية الفلسطينية وكفى.

– حياد "الجزيرة" في تغطياتها محل جدل ومناظرة، وقد صرح بذلك الكثير ممن داخلها، فضلاً عمن خارجها، لكنني كمشاهد لا أهتم بأكثر من أن تحافظ "الجزيرة" على شخصية القناة الإخبارية، سواء حايدت أو انحازت، وألا تنزلق لتصبح مكتباً إعلامياً ملحقاً بوزارة خارجية أو منظمة أو شخصية ما كغيرها.

– فتحت "الجزيرة" باباً لقامات مهنية عربية كان سيكون مصيرها التهميش، أو النفخ في قِرَب المؤسسات الإعلامية الحكومية المهترئة، أو في أحسن الأحوال العمل تحت الظل في مؤسسات الإعلام الغربية. وللإنصاف فإن هناك مؤسسات صحفية عربية عدة أسهمت في ذلك قبل "الجزيرة" أيضاً وإن لم تكُن في حجمها.

– حققت "الجزيرة" في التاريخ الحديث للمنطقة بشكل دقيق وغير منقطع ومن مختلف الزوايا، على سبيل المثال في "شاهد على العصر" و"أرشيفهم وتاريخنا" و"مع هيكل".

– جعلت "الجزيرة" العولمة ظاهرة أكثر حياداً في نظري، وذلك بالمقارنة مع قنوات أخرى دأبت على الاستيراد الثقافي. بل تجرأت من خلال "الجزيرة الإنكليزية" على مقارعة عماليق الإعلام الدولي كالـ"سي إن إن" والـ"بي بي سي".

– في وجود "الجزيرة الإنكليزية" حصلنا على تغطية تراعي قضايانا في عيون المشاهد الغربي، وأيضاً تغذية راجعة لأي إجحافٍ يمارسه الإعلام الغربي علينا.

– قضيت الكثير من الوقت خلال العام الماضي بحكم الدراسة في مكتبة جامعة لندن في راسل سكوير، فلم أجد مشروعاً إعلامياً عربياً واحداً نال من البحث والدراسة والتقصي ولفت النظر غربياً بالحجم الذي حظيت به "الجزيرة".

– من الطريف أن "الجزيرة" استقبلت أكبر عدد من التصنيفات الأيديولوجية المتضادة، فتارةً هي بعثية صدامية وأخرى بعثية أسدية ومرة إخوانية وصهيونية ووهابية وصفوية وهلم جراً، إذ إن تصنيفها هو أسهل طريقة للتعبير عن الغضب من تغطيتها، والغضب من تغطيتها كثير.

– لم تهتم "الجزيرة" بشكل كبير بشريحةٍ حديثةٍ من المتابعين الجدد للإعلام الإخباري في العالم العربي وهم الشباب، فعمق المحتوى الذي يطل على شاشتها وبطء الرتم الذي تسير عليه لا يتواكب مع هذا الجمهور العريض والمتعطش، والذي قد يكون وجد ضالته في شاشات أخرى، لكنها ذات سقف طرح شديد الانخفاض.

– التطوير هو قلب "الجزيرة" الذي يضخ الدماء في عروقها دون توقف، فما أن تنتهي من مشروع حتى تشرع في الذي يليه، فالجمود والتوقف في عالم الإعلام يعني شيئاً واحداً فقط هو "النهاية".

– لو استشارتني "الجزيرة" لاقترحت لها برنامجاً حوارياً يقوم على محورية الضيف بل وحتى محورية الجمهور لا محورية الموضوع، فهذا الأمر غاب منذ "زيارة خاصة" و"حوار مفتوح" حسبما أتذكر، ما جعل الشاشة أكثر خشونةً للمشاهد.

– أكتب أخيراً ما كان يجب أن يكون أولاً، وهو أن الجزيرة قدمت أرواح عدد من صحفيّيها وحرياتهم مهراً للحقيقة وللمعرفة في العديد من المناسبات، ليس لأنهم فاقدون للعقول أو كارهون للحياة، لكن لأنهم محبون للمهنة، والحب تضحية.

ملحوظة:

التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

علامات:
تحميل المزيد