قالوا بانقراض الديناصورات، لأنّ التجربة التي بوسعك خوضها قد فاتتهم.
فإن صعدوا بك إلى المنصة يوماً، قد تكتشف أنك صِرت من العماليق. احكم بنفسك: أنصِت لصياحك وهو يدوي في أسماعهم ويزلزل القاعة عبر لاقط الصوت، وتأمّل رأسك المتضخم على شاشة كبرى تتضاءل إزاءها كعقلة الإصبع، واحجب يديك العملاقتين عن أن تصفعا الحشود المتراصة.
ثم لا تخجل من مواجهة المرآة وإمعان النظر فيها بعد أن تتقلّص إلى حجمك المُختزَل. فواقع الحال أنك مع وفرة الإطلالات ستستقرّ في أذهانهم رأساً كبيرة، سيرونك ديناصوراً بحق، يتضاءل إزاء عظمته حشد من الأفراد فيفسحون له الطريق طوعاً أو كرهاً. وإن سمعتهم يقولون مثلاً إنك زعيم، أو أنّ لديك سحراً أخّاذاً ثم تلفظوا بكلمة "كاريزما" تحديداً؛ فاعلم أنك على الطريق الصحيحة التي تستدرجك إلى مواصلة التجرية.
مؤسف أن تم حشو رؤوس الأجيال بمقررات بالية قالت بانقراض الديناصورات في الأزمان الغابرة، فها هي الكائنات العملاقة تعود إلى كوكبنا من أبواب شتى. ألا ترونها وهي تمضي في مسالك المال ومسارب السياسة، وتظهر بين العسكر وأجهزة الأمن، وتتعاظم عبر المرئي والمسموع في الشاشات والمقاطع. ثم لا تفوتكم ديناصورات المجتمع المدني والعمل العام، ونظيرتها المتضخمة بألوان الفكر والأيديولوجيا والوعظ والفن أيضاً.
تتنامى ظاهرة الراغبين بالتحول إلى ديناصورات، ولحيازة هذا الشرف يظهر بعضهم في مواجهة "لجنة تحكيم"، يعتلي الواحدة منها أربعة ديناصورات خَرِفة، للبت في أهلية الالتحاق بنادي الكائنات العملاقة.
بات عليكم أن لا تجعلوا مناهج التعليم المتقادمة تصرفكم عن الواقع، فباشروا تحرير أذهان التلاميذ من أساطير الماضي. أزيحوا مقررات الانقراض الساذجة من المدارس وافرضوا مكانها أفلام الديناصورات، بدءاً من "غيرتي الديناصور" فهو فيلم تحريكي مشوق لرياض الأطفال وإن مضى على إنتاجه قرن كامل، ثم انتهوا بالنشء إلى مشاهدة الإنتاجات الجديدة التي تحبس الأنفاس من قبيل "عصر الديناصورات".
من القسط الإقرار بأنّ مشكلة الأجيال الصاعدة تكمن في افتقارها إلى درس واحد يعينها على مواجهة التحدي الذي ستواجهه؛ من قبيل "كيف تتعامل مع ديناصور؟"، أو "كيف تصبح ديناصوراً في خمسة أيام؟".
ما ينبغي قوله للتلاميذ بوضوح: إنها الكائنات التي ستحكمكم عندما تكبرون، ستعملون عندها وتأكلون قوتكم من الفتات الذي تجود به عليكم، أو تمضي من حولكم وتخشون سطوتها، قد ترفعون صورها أو تنصبون لها التماثيل، ستهتفون بحياتها في طابور الصباح وتنشدون الأغاني، أو تتلقفون ما تخاطبكم به عبر شاشات بالأبعاد الثلاثة، فارضخوا لها مبكراً واحذروا من أن تسحقكم في دروب الحياة.
سيفغرون أفواههم عندما تعترفون بأنّ الديناصورات كائنات عجيبة حقاً، لكنها ستظهر لهم يوماً من حيث لم يحتسبوا، وأنها قابلة للاستنساخ بأنواع متعددة، طبقاً لسلسلة أفلام "حديقة جوراسيك" لستيفن سبيلبرغ ورفاقه. ثم إنّ ديناصورات الحاضر أكثر ذكاء من تلك التي سمعتهم عنها في الماضي، فقد تبدو ودودة للوهلة الأولى، وتم تمرينها بعناية على لغة الجسد، كما أنها تطلق التغريدات عبر الشبكات، وتلتقط الصور الذاتية مع الجماهير فهل جرّبتم متعة الظهور مع أحدها في #ديناصور_سيلفي.
ستجدون في فصول المدارس أو في هوامش المجتمع عدداً من صغار الديناصورات، وهي تتحسس طريقها وتباشر الهيمنة على رفاقها، فلا تكبتوها. امنحوا الصغار فرصة التعبير عن أنفسهم منذ نعومة أظفارهم، فإن قال أحدهم: أريد أن أصبح طبيباً أو مهندساً، وزعم غيره: سأكون شرطياً أو رائد فضاء؛ ألا يكون من حق آخر أن يفصح عن أمنيته بأن يصبح ديناصوراً، أسوة بالصور المعلقة في الأرجاء؟!
ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.