ماكرون.. الحب الذي أحرج رجال العالم

انعكس هذا كذلك في الهستيريا التي تجتاح العالم للحصول على الجمال الظاهري، بعمليات التجميل الخطرة، ومواد التجميل باهظة الثمن والمؤذية، ووصلات الشعر وزراعته، وبرامج الفلترة والفوتوشوب، والحميات، وصالات الجيم ودروس الرياضة، وحملات الطبخ الدايت، وبيوت الأزياء، وغيرها مما ملأ جيوب المستثمرين وأسال لعابهم لاختراع وسائل أخرى تهز ثقة النساء بأنفسهن

عربي بوست
تم النشر: 2017/05/19 الساعة 08:19 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2017/05/19 الساعة 08:19 بتوقيت غرينتش

لم يكن مستغرباً أبداً أن يسخر رئيس الوزراء الإيطالي الأسبق سيلفيو بيرلسكوني من الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون مدَّعياً أن لديه "أماً جميلة" وهو المتورط بعلاقة مع قاصر ما زالت جلسات محاكمته بشأنها في أروقة المحاكم.

وفي الحقيقة كشف "إيمانويل ماكرون" سطحية الكثير من الرجال وأثار حفيظتهم؛ لأنه خالف عرفاً كان يرضيهم ويريحهم، وقد تعودت عليه وارتضته النساء أيضاً لطول المدة وانتفاء المخالف، وهو أن الحب يوهب للمرأة على أساس حسنها فقط، فكان الأمر ذريعة للخيانة، والزواج الثاني، والإهمال، والتكبر، بل وحتى الانتقام من المرأة بالسخرية، وإفقادها شعورها بالثقة والأمان، وبأن لها قيمة من دونه في قلب الرجل.

لم يكن إيمانويل ماكرون الأول من المشاهير الذي يتزوج بامرأة تكبره بأكثر من عشرين عاماً، فعلتها مادونا عندما تزوجت مَن يصغرها، وجانيت جاكسون بزواجها من الملياردير القطري وسام المانع، ونابليون وزوجته جوزفين أو روز، وغيرهم كثر، لكنهم لم يثيروا تلك الزوبعة التي أثارها ماكرون بوفائه منقطع النظير، وحبه المشتهى عند كل النساء لروح تلك المرأة لا لجمالها.

عندما كنت أعمل في قسم السوشيال ميديا في إحدى وكالات الأنباء، كنت أحرص على رفع أخبار اللاعب السويدي "زلاتان إبراهيموفيتش" كنوع من التغيير، وإضفاء البهجة والطاقة على المكان، وهرباً من توتر غرفة الأخبار، ومن وجوه الصحفيين ذات الطاقة السلبية المحبطة، وكنت أتتبع أخباره الاجتماعية كذلك في أوقات الفراغ، ولم يفتني مطلقاً زواجه بمن تكبره بـ12 عاماً دون أن تلفتني العلاقة، وذلك لأسباب عدة، فقد كان وجه الزوجة يعكس حزناً وتوتراً، ولم يكن يشير إلى سعادة مطلقا، ولأنها في عرف الرجال امرأة كاملة من الناحية الظاهرية فقد كانت حسناء رشيقة وجميلة جداً، وكان يكفيني تتبع بضع صفحات على الإنترنت؛ لأكتشف أنه خانها أكثر من مرة، وأنه مغرور معتد بنفسه ومتكبر في تعامله معها، وظهر هذا عندما أهداها في عيد ميلادها إطاراً به صورة له، لقد بدا الأمر مهيناً جداً وغبياً، وأيضاً أشار في إحدى المقابلات معه إلى أنها تقود سيارة الفيراري التي أهداها لها كما تقود الفيات، وهي إهانة أخرى.

إيمانويل كان عكس هذا تماماً فحبه واحترامه وتقديره لزوجته رائع ودافئ ومثير للغيرة بالتأكيد، ليس لأنه فائق السحر، ويتكلم الإنكليزية بلكنة فرنسية رائعة، أو لأنه المليونير، أو السياسي، الأديب، الفيلسوف المتألق، والعنيد، الواثق، الثائر، وإنما لأنها حصلت على الحب غير المشروط ببقاء جمالها.

اللافت والجميل والآسر في حكاية آل ماكرون هو دفء تلك العلاقة، وغرابتها، واختلافها عما تعودناه منذ أن كنا نقرأ حكاية سندريلا والأميرة النائمة والتي غرست فينا مفاهيم عنصرية تقول إن "الحب لا يليق إلا بالفتيات فائقات الجمال"، حتى إنهم ربطوا الجمال بالخلق الحسن، وأظهروا لنا الفتيات الأقل جمالاً شريرات وشرسات وحسودات.

غرست تلك القصص بداية عقداً كثيرة لدى الفتيات، وكلنا يعرف أن نسبة الجمال الفائق ليست عالية، وأنهن وإن امتلكنه وهن صغيرات فلن يلبث أن يضيع مع السنوات، وستنضم لقافلة المضطهدات من النساء، وستبدأ رحلة الألم والسخرية والتحييد عن حياة الرومانسية والحب.

انعكس هذا كذلك في الهستيريا التي تجتاح العالم للحصول على الجمال الظاهري، بعمليات التجميل الخطرة، ومواد التجميل باهظة الثمن والمؤذية، ووصلات الشعر وزراعته، وبرامج الفلترة والفوتوشوب، والحميات، وصالات الجيم ودروس الرياضة، وحملات الطبخ الدايت، وبيوت الأزياء، وغيرها مما ملأ جيوب المستثمرين وأسال لعابهم لاختراع وسائل أخرى تهز ثقة النساء بأنفسهن، بل وامتدت الرغبات إلى سوق الرجال أيضاً، وها نحن نرى عمليات التجميل، ونحت الجسم، ونفخ العضلات، وموضات الشعر العجيبة بالشكل والتلوين.

هذا هو لب القضية في حكاية آل "ماكرون"، فإيمانويل الوسيم -أو فائق الوسامة- لم يحب بريجيت عندما كانت صغيرة، بل كانت في الـ41 من العمر، ولديها ثلاثة أولاد في عمره، وفي عرف مجتمعاتنا أو عالمنا فإن المرأة في هذا العمر تكون قد انتهت، وخرجت بقسوة من حياة الرومانسية، وبقي عليها أن تقوم بواجبها كآلة وتربي أطفالها، وتخدم زوجها الذي سيبدأ بالحديث عن الزواج الثاني، أو سيتذمر على الأقل ليل نهار من التجاعيد التي ستبدأ بالظهور على وجهها، دون أن ينظر هو لوجهه الممتلئ بالأخاديد، أو لتلك الانحناءة في عموده الفقري، أو بطنه المندلق.

أما بريجيت فقد دخلت عالم الحب في هذه السن، وهي ليست جميلة أصلاً، ولم يتوقف الحب بعد عامين شأنه شأن أغلب علاقات الحب الزائفة، بل استمر بذات الزخم والحرارة لعشرين عاماً، وصلت خلالها تلك السيدة إلى عمر الرابعة والستين ولا تزال بفضل الحب ممشوقة القوام أنيقة، تغطي وجهها ابتسامة الرضا والسكينة، وبجانبها أولادها وأولادهم، يدعمون تلك العلاقة دون أن يحولوها إلى وسيلة للقطيعة كما يفعل الأولاد وربما الأهل عادة خشية من كلام الناس.

لكن المدهش والغريب في الأمر هو مهاجمة النساء لتلك العلاقة، وسخريتهن من شكل بريجيت، دون أن تتوقف إحداهن لحظة لتفكر في شكلها هي عندما تصل إلى سن الرابعة والستين، وكم سيكون محيط خصرها عندئذ، أو انحناء ظهرها، أو شكل تجاعيدها، وهو ما يشير إلى أن المرأة كما قالوا عدوة نفسها أولاً، ومن يفرط بداية بحقوقها.

ليس انبهار النساء بحب إيمانويل لبريجيت هو دعوة للزواج ممن يصغرهن من الرجال، فالنساء بالكاد يستطعن التفاهم مع من يكبرهن بعشر سنوات، لكنها دعوة لاحترام إنسانية المرأة، ونبذ العنصرية في التعامل معها حسب شكلها الخارجي فقط، وإرهاقها بأن من واجبها أن تبدو مثالية طوال عمرها دون أن يكون هذا الأمر مطلوباً من الرجال كما تقتضي العدالة.

ملحوظة:

التدوينات المنشورة في مدونات هاف بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

تحميل المزيد