يدرس الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، الاعتراف بالقدس عاصمةً لإسرائيل، في خطوة تنهي سياسة أميركية استمرت عقوداً وتهدد بزيادة التوترات بالشرق الأوسط، لكنه من المتوقع أن يؤجل تنفيذ وعده بنقل السفارة الأميركية إلى هناك.
وبعد شهور من المداولات المكثفة بالبيت الأبيض، من المرجح أن يُصدر ترامب إعلاناً الأسبوع المقبل، يسعى به إلى إحداث توازن بين المطالب السياسية في الداخل والضغوط المتعلقة بقضية تأتي في قلب الصراع الإسرائيلي-الفلسطيني، وهي وضع القدس.
وقال مسؤولون إن ترامب يدرس خطة، يعلن بموجبها القدس عاصمةً لإسرائيل، ليسلك بذلك نهجاً مخالفاً لما التزم به أسلافه، الذين طالما أصروا على ضرورة تحديد هذه المسألة عبر مفاوضات السلام.
ويريد الفلسطينيون القدس الشرقية عاصمة لدولتهم المستقبلية. ولا يعترف المجتمع الدولي بدعوى إسرائيل بحقها في المدينة كاملة.
وقد يُغضب قرار ترامب هذا، الذي سيعلنه عبر بيان رئاسي أو كلمة، الفلسطينيين وكذلك العالم العربي، ويقوض مسعى إدارته الوليد باستئناف محادثات السلام الفلسطينية-الإسرائيلية، المتوقفة منذ وقت طويل.
وقد تُرضي هذه الخطوة التيار اليميني الموالي لإسرائيل والذي ساعد ترامب على الفوز في انتخابات الرئاسة، وكذلك الحكومة الإسرائيلية حليفة واشنطن الوثيقة.
ويرجح مسؤولون أن يسير ترامب على نهج أسلافه بتوقيع قرار يؤجل 6 أشهر تطبيق قانون يعود تاريخه إلى عام 1995، يقضي بنقل السفارة الأميركية من تل أبيب إلى القدس.
وقال أحد المسؤولين إن من ضمن الخيارات الأخرى التي يدرسها ترامب أن يُصدر تعليمات لمساعديه بتطوير خطة طويلة الأجل بشأن نقل السفارة؛ ليجعل نيته لتنفيذ ذلك واضحة.
غير أن مسؤولين أميركيين -طلبوا عدم ذكر أسمائهم- حذروا من أن الخطة لم تكتمل بعد وأن ترامب قد يغير أجزاء منها.
وقالت هيذر نويرت، المتحدثة باسم الخارجية الأميركية، الخميس 30 نوفمبر/تشرين الثاني 2017: "لم يُتخذ قرار بعد بشأن ذلك الأمر".
وقال مسؤولون أميركيون، لم يُخوَّل لهم مناقشة المسألة علناً وتحدَّثوا شريطة عدم الكشف عن هويتهم، إنَّ الخطوط العريضة لخطة ترامب قد انبثقت من اجتماعٍ لكبار مستشاريه للأمن القومي في البيت الأبيض الإثنين 27 نوفمبر/تشرين الثاني. وكان يُتوقَّع أن يحضر ترامب نفسه هذا الاجتماع لمدة 15 أو 20 دقيقة، لكن انتهى به المطاف بحضور ساعة على الأقل، وبدا نشطاً أكثر وأكثر في أثناء الجلسة، وفقاً لمسؤولين اثنين مُطَّلعَين على ما حدث.
ووفقاً لما نقلته "واشنطن بوست" عن مسؤولين ومستشارٍ بالإدارة، يدرس البيت الأبيض أيضاً إعلان الأمر في خطابٍ أو بيانٍ رئاسي بحلول الأربعاء 6 ديسمبر/كانون الأول. وقال أحد المسؤولين إنَّ احتمالاً آخر قد يتمثَّل في قيام نائب الرئيس مايك بنس، الذي يستعد لزيارة إسرائيل منتصف ديسمبر/كانون الأول، بإعلان الأمر في أثناء رحلته تلك. وكان بنس قال الثلاثاء الماضي 28 نوفمبر/تشرين الثاني، إنَّ ترامب "يدرس بنشاطٍ توقيت وكيفية" نقل السفارة.
وقد أكسبت وعود ترامب في أثناء موسم الحملة الانتخابية إيَّاه دعم أصواتٍ نافذة داعمة لإسرائيل داخل الحزب الجمهوري. لكن بعدما أصبح رئيساً، واجه ضغطاً قوياً مماثلاً من حلفاء مُقرَّبين للولايات المتحدة، مثل العاهل الأردني الملك عبد الله الثاني، الذي أطلعه على المخاطر التي قد تترتَّب على تخلّي أميركا عن موقفها المتوازن الدقيق فيما يتعلَّق بالمدينة المقدسة.
وإذا لم يجرِ توقيع التأجيل ونقل السفارة، ستخسر وزارة الخارجية نصف التمويل المُخصَّص لمرافقها والأمن حول تلك المرافق في مختلف أرجاء العالم. وقد دافع الجمهوريون عن تعزيز أمن السفارات منذ هجومٍ وقع في عام 2012 على مجمع القنصلية الأميركية بمدينة بنغازي الليبية.
نهج ترامب
وترى "واشنطن بوست" أن نهج ترامب يهدف إلى تحقيق توازنٍ دقيق، تماماً مثلما فعل مع الاتفاق النووي الإيراني. فبعد التعهُّد بالانسحاب منه، رفض ترامب في أكتوبر/تشرين الأول الماضي التصديق على الاتفاق النووي الإيراني، وأعلن أنَّه لم يعد يخدم مصالح الأمن القومي الأميركي. لكنَّه لم يعلن فرض عقوباتٍ جديدة أو اتخاذ أي خطواتٍ أخرى لإلغاء الاتفاق على الفور.
والآن، مثلما حدث من قبل، يواجه ترامب مقاومة كبيرة من جانب كبار مستشاري الأمن القومي.
ووفقاً للمسؤولين الأميركيين، أوضح كلٌ من وزير الدفاع جيمس ماتيس ووزير الخارجية ريكس تيلرسون، في لقاء البيت الأبيض الذي جرى الإثنين، أنَّ نقل السفارة بإسرائيل سيُشكِّل خطراً شديداً على الدبلوماسيين الأميركيين والقوات المتمركزة في الشرق الأوسط والبلدان الإسلامية.
وحسب المسؤولين، طرح الملك عبد الله الثاني، الذي التقى بنس وتيلرسون هذا الأسبوع في واشنطن، الرأي نفسه، وأخبر الملك نائب الرئيس وآخرين بأنَّ أي تغييرٍ يطرأ على السفارة في غياب اتفاق سلامٍ إسرائيلي-فلسطيني سيخلق اضطراباتٍ وعدم استقرار في مختلف أنحاء المنطقة ويُعزِّز المشاعر المعادية للولايات المتحدة.
وبعد شدٍ وجذبٍ طويلين في اجتماع البيت الأبيض، بدا أنَّ ترامب ودائرته المقربة قد تقبَّلوا المخاوف، لكنَّهم أصروا على أنَّ الرئيس يتعين عليه تأكيد التزامه المُعلَن بنقل السفارة، وفقاً للمسؤولين. وتحوَّل النقاش بعد ذلك باتجاه تأجيل نقل السفارة 6 أشهر أخرى، لكن مع قرن ذلك باعترافٍ بالقدس عاصمةً أبدية لإسرائيل، وهو الأمر الذي سعى إليه الإسرائيليون طويلاً.
ونصحت وزارة الخارجية، مؤخراً، الدبلوماسيين الأميركيين في البلدان ذات الغالبية المسلمة بأنَّ إعلاناً بشأن السفارة ووضعية القدس قد يصدر الأسبوع المقبل، ونصحتهم باليقظة حيال أي احتجاجاتٍ محتملة، وفقاً للمسؤولين.
وقال المسؤولون إنَّ النقاش داخل إدارة ترامب يتركَّز الآن على كيفية إصدار إعلانٍ بشأن القدس دون التأثير على مفاوضات "الوضع النهائي" الإسرائيلية-الفلسطينية. ويتمثَّل أحد الخيارات محل الدراسة في تضمين أي إعلانٍ كهذا إشارةٍ إلى التطلُّعات الفلسطينية بأن تكون القدس الشرقية عاصمةً لهم.
وتواجه الولايات المتحدة قيوداً قانونية أيضاً. فالاعتراف بالقدس عاصمةً لإسرائيل دون اتفاق سلام قد يتعارض مع قرارات مجلس الأمن الدولي التي لا تعترف بالسيادة الإسرائيلية على المدينة. وتمتلك واشنطن حق النقض (الفيتو) بالمجلس، وقد تمنع أي جهودٍ ترمي إلى إعلان الولايات المتحدة دولةً مُنتهِكة لقرارات المجلس، لكنَّ أي فيتو كهذا يخاطر بإحراج الولايات المتحدة ودق إسفينٍ بينها وبين الكثير من حلفائها المُقرَّبين.