عبدالخالق عبدالله وضاحي خلفان يغردان خارج السرب ويدعوان لـ”تهدئة” الأزمة الخليجية.. فهل أخذا الضوء الأخضر من ولي عهد الإمارات؟

عربي بوست
تم النشر: 2017/08/07 الساعة 07:34 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2017/08/07 الساعة 07:34 بتوقيت غرينتش

في خطوة غير معهودة، ولا بد أنه قد حسب لها ألف حساب، قبل أن يرسل مقالته إلى موقع سي إن إن الأميركي، دعا الأكاديمي الإماراتي عبدالخالق عبدالله، المقرب من ولي العهد الإماراتي، إلى التهدئة مع قطر، وتقليص الدور الدولي في الأزمة، مقابل تفعيل دور الوسيط الخليجي بشكل أكبر، والبدء في حوار مباشر، فلم يعد استمرارها أكثر من ذلك في صالح أي من الأطراف، بحسب قوله.

ودفع عبدالله ثمناً باهظاً من قبل حين غرد خارج السرب بشأن مصرية جزيرتي تيران وصنافير، حيث اختفى 10 أيام في يناير/كانون الثاني الماضي وقيل إنه اعتقل، ثم عاد بعدها ليغرد بأنه تعلم من رحلته هذه الدرس جيداً، ومن ثم فمن المستبعد أن يغامر مجدداً بالتغريد خارج السرب بشأن قضية أكثر حساسية لبلاده، وهي التهدئة مع قطر.

فما الذي دفع أستاذ العلوم السياسية المقرب من ولي عهد الإمارات وحاكمها الفعلي محمد بن زايد، أن يكتب لموقع سي إن إن الأميركي بعد مرور 60 يوماً على دعوة أبوظبي والرياض والمنامة والقاهرة لمقاطعة قطر، مقراً بالثمن الباهظ الذي تدفعه دول الحصار جراء هذه المقاطعة، وداعياً إلى التوقف عن الانشغال بهذه الأزمة إعلامياً وسياسياً؟

يبدو أن هناك ضوءاً أخضر ما من جهة أو شخصية سيادية للدعوة للتهدئة، مع قطر، أو ما وصفه أحد المعلقين على مقال عبدالله المنشور أمس الأحد 6 أغسطس/آب 2017 بـ"اعتراف ضمني بفشل سياسة دول الحصار والبحث عن خروج مشرف".

فأستاذ العلوم السياسية الإماراتي الذي جعل من أبرز بنود مبادرته للتهدئة ما وصفه بـ"الصمت الإعلامي"، ليس الوحيد، إذ نشر نائب رئيس الشرطة والأمن العام في دبي ضاحي خلفان والمعروف بهجومه المستمر على قطر، تغريدة بالتزامن مع مقال عبدالله أعلن فيها التزامه بعدم الحديث عن الدوحة مجدداً بزعم أن لديه ما هو أهم.

ثمن الحصار

وقدم عبدالله لطرحه بما زعم أنه "مبررات إنسانية" للتهدئة، إلا أنه ما فتئ أن أشار إلى التكلفة الباهظة للأزمة على دول الحصار كذلك، حيث يقر الكاتب الإماراتي "لم تكن المقاطعة بدون ثمن للدول التي قررت المقاطعة".

ويستطرد "وجدت الرياض والقاهرة وأبوظبي والمنامة نفسها منهمكة في الموضوع القطري بأكثر مما كانت تتوقع، وتشتت تركيزها السياسي والدبلوماسي بعيداً عن ملفات وقضايا إقليمية ساخنة أخرى. كذلك تفاجأت هذه العواصم بالموقف الأميركي الملتبس، والموقف الأوروبي المتردد"، الأمر الذي جعلها تتراجع عن التصعيد في اجتماع المنامة الأخير "لاعتبارات إنسانية أولاً ولاعتبارات دولية ونصائح من قوى كبرى لديها مصالح حيوية في الخليج العربي".

وبعيداً عن مزاعم الاعتبارات الإنسانية، ومحاولة التقليل من شأن قطر وأن دول الحصار لديها ما هو "أهم إقليمياً"، فإن دول الحصار متورطة بالفعل في صراعات داخلية وإقليمية، ربما تدفعها دفعاً لمحاولة فتح باب للتهدئة مع الدوحة، خاصة في ظل نجاح الأخيرة في إدارة الأزمة بشكل أفقد محاصريها الدعم الدولي لموقفهم.

ففي الوقت الذي يسوء موقف الإمارات في ليبيا، بعد إعلان مصادر إسرائيلية توقيع صفقات نفط وسلاح مع اللواء المتقاعد خليفة حفتر، بوساطة إماراتية، تواجه فيه السعودية، التي تترأس مجموعة دول الحصار، مشهداً مربكاً داخلياً وخارجياً.

فعلى الصعيد الداخلي، تطل ملامح الأزمة الاقتصادية برأسها، مع ما تحمله من تداعيات على تعثر الشركات العاملة في المملكة، ومعاناة العمالة الأجنبية، التي يسوء وضعها يوماً بعد يوم، بحسب تقرير لموقع "ميدل آي إيست" البريطاني 29 يوليو/تموز المنصرم، ويزداد الأمر حدة مع تورط التحالف الذي تقوده الرياض وتشارك فيه الإمارات في الصراع اليمني، وعدم قدرته على حسم الأوضاع على الأرض، بل وامتداد العمليات الانتقامية إلى داخل الأراضي السعودية.

كما تشهد المملكة أمراً غير مسبوق، وهو المواجهات المسلحة بين الدولة ومواطنيها في قرية العوامية ذات الغالبية الشيعية، والمحاصرة منذ نحو ثلاثة أشهر، والتي بدأت وسائل الإعلام الدولية والمنظمات الحقوقية تكسر حاجز الصمت والتعتيم المفروض على ما يحدث بداخلها، من مواجهات أعقبت رفض سكانها البالغ عددهم 30 ألفاً الانصياع لقوات الأمن التي جلبت جراراتٍ ومعدّات بناءٍ لتنفيذ أوامر بهدم المنطقة القديمة وإعادة تطويرها، تحاشياً لهروب ما تصفهم بـ"الإرهابيين"، ويقول عنهم الأهالي إنهم "معارضون".

سلاح الإعلام

حين يستعر الصراع بين دول يمتلك كل منها واحدة على الأقل من أهم المنابر الإعلامية في المنطقة العربية، فإن الإعلام في هذه الحالة يتخطى كونه مجرد قوى ناعمة، إلى سلاح حقيقي، وهو ما يبدو أن قناة الجزيرة القطرية، قد حازت فيه قصب السبق، إذ وصفها الكاتب الإماراتي بأنها "الأكثر ضراوة".

ولفت عبد الله إلى أنه "انشغلت هذه الدول (دول الحصار الأربع) خلال الشهرين الماضيين بخوض معركة إعلامية شرسة مع منصات إعلامية قطرية بما في ذلك الجزيرة أكثر تلك المنصات ضراوة".

وجعل من أولى بنود طرح التهدئة المقترح وعودة الوسيط الكويتي للقيام بدوره، ما وصفه بـ"فترة صمت إعلامي"، قائلاً "أول خطوة في سياق تخفيف التوتر هو الاتفاق على فترة من الصمت الإعلامي ووقف فوري للحملات الإعلامية".

وربما كما يقول المثل العربي الشهير "مصائب قوم عند قوم فوائد"، حيث علق أحدهم على مقال عبدالله بقوله "لا يستطيعون. لم يتحملوا الجزيرة عندما كانت تدللهم فكيف سيفعلون وقد أصبحت مطلقة اليدين؟"، وهو أمر يعكس الواقع الذي انخرطت خلاله وسائل الإعلام المملوكة لأطراف الأزمة وحلفائهم في ماراثون بث إخباري، قد يعتبره البعض من باب المكايدة السياسية، بينما يأتي في صالح الجمهور، حيث أسقطت الأزمة الكثير من الضوابط والقيود وأطلقت يد وسائل الإعلام في تناول العديد من القضايا التي كان مسكوتاً عنها من قبل.

وعلى ما يبدو أن هناك تحجيماً لبعض المهاجمين لقطر على منصات السوشيال ميديا كضاحي خلفان، الذي أعلن ذلك صراحة، وربما يوجد آخرون قد تلقوا ذات التعليمات، ولكنهم يعتزمون اتباعها في صمت.

وتبدو تلك الخطوة، كبالونة اختبار، غير محسوبة على السلطات بشكل مباشر، بانتظار رد فعل قطر على مقترح التهدئة وما يتضمنه من فترة "صمت إعلامي" بشكل رسمي.

تخفيف الحصار مقابل "التعاون التركي"

أما ثاني بنود طرح الأكاديمي الذي يعتبره البعض أحد المستشارين السياسيين لمحمد بن زايد ولي العهد والحاكم الفعلي للإمارات، هو أن تتقدم دول الحصار بـ"مبادرة تسمح بحرية انتقال الأفراد (من وإلى قطر) وإعادة الوضع على ما كان عليه قبل 5 يونيو/حزيران 2017 (تاريخ بدء الحصار)".

وفي المقابل يدعو قطر لوقف التدريبات والمناورات العسكرية مع تركيا، ومغادرة القوات الموجودة بالقاعدة العسكرية التركية في قطر، معتبراً ذلك قد يمثل "خطوة سياسية تصالحية هدفها تخفيف مخاوف العواصم الخليجية"، تجاه ما يزعم أنه "الأطماع التركية في الخليج العربي".

ورغم إقراره أن موقف دول الحصار بعد التصعيد هو استجابة لـ"نصائح قوى دولية كبرى لديها مصالح حيوية في الخليج العربي"، وتعجبه مما وصفه بالموقف الأميركي والأوروبي غير الواضح والمتردد من أزمة قطر، هاجم عبد الله تركيا متهماً إياها بأنها "انحازت لقطر وأقحمت نفسها في الخلاف الخليجي".

الخوف من الهجمة المرتدة

يبدو أن التواجد العسكري التركي ليس هو أكبر مخاوف الكاتب الإماراتي أو من يمثلهم، فتهمة "دعم الإرهاب" التي أشهرتها دول الحصار في وجه قطر قبل شهرين، ونفتها الأخيرة، قد تطال الجميع إذا ما امتدت الأزمة أكثر من ذلك.

إذ يقول عبدالله في مقاله "كلما استمر الموضوع القطري زادت فرص أقلمته بل وتدويله، فالخليج العربي منطقة استراتيجية تستقطب الاهتمام الخارجي القريب والبعيد بأجنداته تختلف عن الأجندة الخليجية. وربما كانت الولايات المتحدة أهم طرف دولي معني بالموضوع القطري ويمكن أن تكون تدخلاته سلبية وإيجابية ويرغب في ترتيب البيت الخليجي وفق رؤيته ومصالحه".

ويتابع "فالكونغرس الأميركي متحفز ويهدد عبر رئيس لجنة العلاقات الخارجية في مجلس الشيوخ الأميركي تقديم تشريع جديد لوقف مبيعات السلاح لدول الخليج، كما تهدد لجنة العلاقات الخارجية في مجلس النواب الأميركي بفتح ملفات علاقة جميع دول الخليج بالإرهاب".

وأقر الكونغرس الأميركي بأغلبية ساحقة في 28 سبتمبر/أيلول الماضي قانون "العدالة ضد رعاة الإرهاب" المعروف بـ"جاستا". وبعد صدور القانون رفعت عشرات القضايا ضد السعودية، التي طالبت القضاء الأميركي برفض 25 دعوى قضائية تتهمها بالتورط في التخطيط لهجمات الحادي عشر من أيلول/سبتمبر 2001 وتطالبها بدفع تعويضات لضحايا يصل عددهم لمئات القتلى وآلاف الجرحى.

الحوار والوسيط كويتي

وفي طيات سرد البنود والمخاوف الضمنية والمباشرة التي تهدد الجميع -بحسب رأيه- اعتبر الكاتب الإماراتي أن تفعيل دور الوسيط الكويتي هو الحل، مبرراً "الوسيط الكويتي هو الوسيط الوحيد المطلع على ملف الموضوع القطري القديم والجديد بكامل التفاصيل، ولديه خبرة ومصداقية أكثر من أي وسيط من خارج البيت الخليجي، كما يتمتع الوسيط الكويتي بدعم قوى إقليمية ودولية لها مصالح حيوية في المنطقة، ويمكن أن تكون طرفاً ضامناً في أي حل مستقبلي".

وأردف "من المهم بعد خصومة استمرت لأكثر من شهرين أن يبقى الموضوع القطري ضمن البيت الخليجي، ومن مصلحة دول مجلس التعاون إيجاد أرضية للحوار سريعاً، ومن المهم تفعيل دور الوسيط الكويتي حالاً".

التهدئة لا تعني الحل.. وهذا ما سيكون عليه الوضع

الأزمة التي ربما "زادت عن حدها وحان وقت تجاوزها"، وفق الكاتب الإماراتي، يبدو أنه لن تحظى بحل نهائي في وقت قريب، رغم دعوى التهدئة، التي يقصد بها الكاتب أو من يقف خلف مبادرته إحداث انفراجة تساعد على إدخال الأزمة في ملف المحفوظات حاملة عنوان "يبقى الوضع على ما هو عليه".

تتمثل الانفراجة المقترحة في تقديم بعض "التنازلات" من الطرفين، هي باختصار تخفيف الحصار وإتاحة حرية الحركة للأفراد، مقابل وقف التعاون العسكري القطري التركي، فيما يلتزم الطرفان بـ"صمت إعلامي" حيال الهجوم على بعضهما البعض.

أما الأزمة نفسها، فستدخل ديلمة الحوار والوساطة، فالدول التي قررت مقاطعة قطر عليها أن "تدير ظهرها لها" وتركز في انشغالاتها الأخرى، بينما ترضى قطر بالوضع القائم من بقايا الحصار و"العزلة"، مطمئنة إلى أن "العزلة السياسية مهما استمرت لن تغير حكومات ولن تغير سياسات"، بحسب الكاتب الإماراتي.

ويبدو أن التورط في الأزمة كل هذا الوقت لم يكن في حسبان دول الحصار التي ظنت أن بإمكانها حسم الأمر سريعاً، مؤملة في دعم دولي لموقفها، وهو ما لم يحدث، ما جعلها تبحث عن حل يخرج الجميع متعادلين، أو على الأقل يدخل الأزمة مرحلة التجميد، لحين تتمكن هذه الدول من التعامل مع صراعات أخرى قد تورطت فيها ويبدو أنه لا أمل أن تنتهي قريباً.

تحميل المزيد