"لا أستطيع النوم"، "لا أستطيع التركيز في المدرسة / الجامعة / العمل…"، "لا داعي للدراسة الجامعية، لا توجد وظائف في البلد، كثير من حملة الشهادات الجامعية عاطلون عن العمل"، "لا داعي للتفاني في العمل.. لا يوجد تقدير.. وفي النهاية سأتسلم نفس الراتب في نهاية الشهر"، "أنا مطلوب في الغد عند المسؤول.. أكيد فيها تسريح عن العمل.. كما حدث مع فلان"، "ماذا يقصد/ تقصد "فلان"/ "فلانة" بهذه النظرة / الكلمة..؟"، "لماذا لا يجيب عن اتصالاتي؟
.. أكيد متعمد"، "أنا زعلان من صديقي/ أخي/ صديقتي/ أختي/ زوجي/ زوجتي… لن أبادر أنا بالسلام والكلام.. الغلط لم يكن مني"، "كل الناس تكرهني.. لا أحد يحبني"، "حالي تغير إلى الأسوأ.. أكيد إما عين أو حسد أو سحر"، "يجب أن أستمع إلى هذا الصوت بداخلي..
لا.. هذه وساوس وكيد قرين السوء.. أعوذ بالله.. يجب أن أستمع.. أعوذ بالله.."، "لعلي أعاني من مرض خطير"، "أصلي وأدعو الله يومياً ولا يستجاب لي؟!"، "هل الدين في المظهر؟ هل الدين في المضمون؟ هل الدين في المظهر والمضمون؟"، "الالتزام الديني صعب وأنا شباب.. إن شاء الله ألتزم وعمري 50 سنة"، "ماذا لو.. يجب أن لا أكف عن التفكير في هذا الأمر.. أنا قلق.. ماذا يجب أن أفعل.. ماذا لو حدث ما أخشاه.. ماذا لو.."، "التفكير الزائد راح يجنني.. ماذا أفعل؟!"…
أعلاه تشكل بعض أعراض "أفتك أمراض العصر" ألا وهو مرض "التفكير السلبي" أو "حديث الرأس السلبي"، وقد ربما لاحظ القارئ عدم المنطق والتراتبية في سرد هذه "الأفكار" أو "أحاديث الرأس" وسخافة مضمونها، وهي كذلك في المقال، وعندما تغزو رؤوسنا صباحاً مساء، ولذا اكتفيت بذكر النزر اليسير من هذه "الأعراض"، ولعل هناك الآن من قراء هذا المقال مَن وافقني في بعضها أو جلها، بل وشرع في ملء فراغ ما لم يُذكر!، وقد اكتفيت هنا أيضاً باقتطاع "النتيجة النهائية" في أغلب هذه "الأحاديث الذاتية" التي قد تمتد للحظات أو ساعات أو أيام أو شهور أو سنوات! وكل ذلك يعتمد على مدى استفحال هذا "المرض" في رأس شخص ما، ومدى "تشريقه" و"تغريبه" لهذه الأحاديث!
تقول المقولة الطبية المشهورة: "إن أولى خطوات العلاج هي في الاعتراف بوجود المرض"، وتوصيف مثل هذه "الأفكار" أو "أحاديث الرأس" بـ"مرض العصر" لم يأتِ من "رأس" الكاتب، بل وفق أحدث دراسات تتعلق بالصحة النفسية، ووفق ما وصل إليه عدد من المختصين في الجانب الصحي بشقيه الجسدي والنفسي، و"خبطة زر جوجلية" كفيلة بإظهار ما لم يتسع ذكره في هذا المقال، كما أنه علاوة على ذلك، فإنه بتأمل بسيط في مثال واقعي مؤسف لنتيجة تأثير مثل هذه "الأفكار السلبية"، سنجد أنها في الغالب قد طالت بضررها أولاً صاحبها بطبيعة الحال أضِف إليه ربما فرداً آخر أو جماعة أو عائلة أو وطناً أو…، وهنا يكمن خطر هذا "المرض".
يقول المحاضر الأشهر اليوم في مجال الصحة النفسية والتنمية البشرية، الألماني المقيم في كندا "إيكهارت تول Eckhart Tolle":
"يجب علينا قبل كل شيء أن ندرك مبكراً الحقيقة المُسلّمة وهي بأن هناك حديثاً ذاتياً سلبياً لا واعٍ، ومن ثم وحتى نستبدل مثل هذا (التفكير السلبي) بآخر (إيجابي وإبداعي)، يجب علينا أولاً أن ننتشل إدراكنا الواعي من براثن (حديث الرأس السلبي اللاواعي)، حتى نصل إلى مرحلة "اليقظة"، وذلك عن طريق صرف انتباهنا عبر الإدراك الواعي بأن مثل هذا "التفكير السلبي" تافه ولا طائل من ورائه، وبقدر قوة مقاومة الشخص الإيجابية الواعية يكون الشفاء من مثل هذا التفكير السلبي اللاواعي".
ختاماً، أشكر كل قارئ "صرف انتباهه" في قراءة المقال حتى هنا، وأسأل الله ألا يبتلينا وإياكم بـ"حديث الرأس/ التفكير السلبي"، ويبقى أن ندرك الحقيقة العلمية وهي أن الدماغ يتعامل للأسف مع "الطاقة السلبية" بسلاسة أكبر من "الطاقة الإيجابية"، وهذه خاصية في الإنسان، وربما فيها بعض من قوله تعالى: "لقد خلقنا الإنسان في كبد".
خلصت عالمة النفس الأميركية المعاصرة الشهيرة/ باربرا فريديكسون، في دراسة لها، إلى أن "كل عاطفة أو فكرة سلبية، أو شعور سلبي، لكي نوازنه أو نعدِّله، فإننا نحتاج إلى خمسة أضعافه من الطاقة الإيجابية!".
أنا هنا أسألك أيها المسلم بربك وربي ورب "إيكهارت" ورب "باربرا" ورب كل شيء سبحانه، هل تعلم مصدراً لتوليد طاقة إيجابية بحجم "خمسة أضعاف" عن تلك السلبية، أسهل وأنجع من "الصلوات الخمس" في اليوم؟ عندما تصرف إليها جل انتباهك وإدراكك وخشوعك، وأنت تردد فيها "الله أكبر" من حزني، ومصيبتي، وكل شيء يكدرني.
باختصار جرِّب -إن لم تكن قد جربت- أن تصلي من اليوم "صلاة علمية" لا أدّعي فيها للإسلام هنا من أسبقية وأفضلية عن باقي الديانات إلا في الكيف والكم!
ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.