بمكان يكاد يصلح للسكن استقرّت عائلة أبو أحمد قادمة من ريف حلب وشغلت ملجأ أحد الأبنية في منطقة ضاحية قدسيا بدمشق.
المنزل الجديد -إن صح تسميته بهذا الاسم- بالكاد يحمل مواصفات السكن فهو عبارة عن غرفة متوسطة الحجم قُسمت حالياً بخزانة منحها لهم أحد الجيران لتتحول إلى غرفتين خصصت كل واحدة منها لزوجة.
يتحدّث أبو أحمد "الذي فضّل عدم ذكر اسمه كاملاً" بحرقة عن الحال التي وصل لها، فالحرب أجبرتهم على ترك قريتهم وخسارة أرضهم ومنزلهم، وبعد رحلة طويلة من العذاب تنقّلوا فيها بين عدة مناطق وعدة بيوت استقروا في النهاية في هذه الغرفة التي حصلوا عليها مجاناً مقابل تقديم خدمات للبناء من تنظيف للدرج وتنظيف المدخل والحديقة.
ويقول أبو أحمد لـ"عربي بوست" إن "الوضع الحالي سيئ جداً ونحن تقريباً نجلس فوق بعضنا البعض ولكننا لا نملك أي حل آخر، فبعدما خسرت أرضي لم أتمكن من العثور على عمل لهذا لم أستطع استئجار شقة لي ولعائلتي ولولا مساعدة سكان هذا البناء لي لبقيت في الحديقة".
رحلة التشرد التي عاشتها عائلة أبو أحمد شملت إقامة لمدة يومين في إحدى الحدائق ومن ثم استئجار منزل في ضاحية قدسيا مشاركة مع عائلة أخيه اضطروا لاحقاً لتركه مع ازدياد أسعار الأجارات وانتهاء الأموال التي كانوا يملكونها.
الضاحية قبلة النازحين
استقطبت منطقة ضاحية قدسيا الكثير من النازحين ولا يخلو بناءٌ تقريباً من عائلة مشرّدة، ويقول المسؤول عن صفحة (ضاحية قدسيا وقدسيا) على فيسبوك، أن هذه المنطقة باتت ممتلئةً بالمهجرين القادمين غالبيتهم من زملكا وعربين وجوبر ودوما بالإضافة إلى القليل من أهالي حمص.
ويضيف أن ما جذبهم لهذه المنطقة انخفاض أسعار أجاراتها نسبياً مقارنة مع دمشق وخاصة في بداية الأزمة، لكن الوضع تغير حالياً وباتت الأسعار مرتفعةً مقارنة مع ظروف المهجرين ولا تتناسب مع دخل الناس.
ومع استمرار تدفّق النازحين وصعوبة حصولهم على بيوت في المنطقة قرّر السكان فتح الأقبية -التي كانت مخصصة كمستودع للبيوت العلوية أو كملاجئ وقت الأزمات-ومنحوها للنازحين إما مجاناً أو مقابل أجرٍ شهري زهيد.
وتروي صفاء شحادة قصتها وهي القادمة من القابون، أنها نزحت مع زوجها منذ حوالي الثلاث سنوات، وخرجوا يومها من منزلهم بثيابهم لا يملكون شيئاً اتجهوا نحو الضاحية وتمكنوا بعد بحثٍ طويل من الحصول على غرفة في قبو أحد الأبنية مقابل أجرٍ شهري رمزي.
لكن وضع شحادة لم يبق مستقراً على ماهو فزوجها تعرّض لقذيفة توفي على إثرها لتصبح وحيدةً ومسؤولة عن ثلاثة أولاد، وتقول: "حينما علم الجيران بوضعي السيئ قرروا منحي الغرفة بالمجان لأنني فقدت مُعيلي".
تعتمد شحادة في حياتها اليوم على المساعدات وقد اشتركت بإحدى الجمعيات الخيرية في المنطقة وتحصل عن طريقها على بعض المواد الغذائية كل شهرين تقريباً.
رفضتهم الجمعيات الخيرية
نشطت في ضاحية قدسيا مؤخراً الجمعيات الخيرية وكثر عددها، ويوضح مدير صفحة (ضاحية قدسيا وقدسيا)، أنه توجد حالياً جميعة اسمها (جمعية ضاحية قدسيا الخيرية الاجتماعية)، كما يوجد فريق مدني مقرّه المجمع التربوي، بالإضافة لمراكز الإيواء الحكومية.
وتعمل هذه الجمعيات على توزيع الطعام وتقديم بعض الخدمات للمهجرين، بشرط امتلاكهم عقد أجار أو عقد استضافة، وهما ورقتان لا يملكهما البعض، وفي هذا الخصوص يقول حسن الشيخ (نازح من دوما): "سكان البناء منحوني غرفةً في القبو لكنهم رفضوا تنظيم عقد إيجار معي أو استضافة تجنباً للمشاكل حسبما ذكروا، لهذا خسرت فرصتي في الحصول على المعونة ورفضت جميع الجمعيات تقبّل حالاتي رغم أني عاطلٌ عن العمل".
ولا يختلف وضع السيدة سعاد أحمد كثيراً عن وضع حسن فهي أيضاً لم تتمكّن من التسجيل في الجمعية لعدم امتلاكها مثل هذه الأوراق رغم تسديدها آجاراً شهرياً مقابل غرفة صغيرة جداً لا تصلح للسكن أبداً.