"مجزرة لاس فيغاس مجرد مؤامرة"، فيديوهات يروّجها موقع يوتيوب، تزعم أنَّ حادث إطلاق النار بمدينة لاس فيغاس منذ أيام كان في الحقيقة خدعة؛ ما أثار غضباً عارماً من جانب الناجين وعائلات الضحايا.
اللافت أن طرق البحث على الموقع تؤدي في كثير من الحالات للوصول لمثل هذه الفيديوهات التي لا تحرج مشاعر الضحايا؛ بل قد تعرضهم للخطر مثلما حدث في جرائم سابقة مماثلة، حسب تقرير لصحيفة الغارديان البريطانية.
مرّت بضعة أيامٍ فقط منذ فتح رجلٌ مسلّح النار من فندق ماندالاي باي النار على حفلٍ موسيقي يضم 22 ألف شخص؛ ما أسفر عن مقتل 59 شخصاً، وجرح 529 آخرين.
لكنَّ الفيديوهات المشكّكة في حقيقة حدوث إطلاق النار، والتي تزعم أنَّ الحكومة قد كذبت بشأن الوقائع الأساسية للحادث، شوهدت ملايين المرات على موقع يوتيوب بالفعل، وما زالت تنتشر على نطاقٍ واسع.
مسؤولية يوتيوب
ويبدو أنَّ لموقع يوتيوب دوراً فعالاً في وصول مثل تلك الفيديوهات لقاعدةٍ واسعة من المشاهدين؛ إذ تؤدي كتابة كلماتٍ مثل "Las Vegas shooting videos" أو "فيديوهات عن إطلاق النار في لاس فيغاس"، في محرّك بحث الموقع، إلى عددٍ وافرٍ من الفيديوهات واسعة الانتشار التي تطرح نظرية أنَّ الشرطة وغيرها قد خدعت العامة قصداً.
ويصف بعض تلك المقاطع مأساة لاس فيغاس بكلمة "False Flag"، أو ما يعني "عملية تمويه"، وهو مصطلح عادةً يستخدمه المؤمنون بنظرية المؤامرة للإشارة إلى حوادث إطلاق النار التي يزعمون أنَّ الحكومة تدبّرها للدفع بجهود الحد من حيازة الأسلحة.
وقال ستيف ميلانسون، الذي أصيب كل من زوجته وابنته بطلقٍ ناريّ جراء الهجوم، لصحيفة الغارديان البريطانية، إنَّه على موقع يوتيوب حُذفت الفيديوهات التي تقترح أنَّ الهجوم المميت الأكبر في تاريخ الولايات المتحدة الحديث هوَ حادثٌ مُلفَّق.
وقال ميلانسون، الذي هربت زوجته، وابنتاه، واثنان من أصدقائهما أحياءً من الهجوم الحادث بمهرجان "روت 91 هارفست" الموسيقي ليلة الأحد الماضي، 1 أكتوبر/تشرين الأول: "عندما أنظر لزوجتي وهي تكافح للبقاء على قيد الحياة بطلقٍ ناري في صدرها، وابنتي أُصيبَت بطلقٍ ناري أيضاً- فهذا دليلٌ قاطع أنَّ الحادث كان حقيقياً. أرسلت لي ابنتي رسالة كتبت فيها: (هُناك إطلاق نار أمامنا مباشرةً)، ثم أخرى تقول (أُصيبت أمّي بطلقٍ ناري)".
250 ألف مشاهدة
أحد الفيديوهات التي تظهر في أول صفحة من نتائج البحث على منصّة يوتيوب، المملوكة لشركة جوجل، صباح يوم الأربعاء، 4 أكتوبر/تشرين الأول، تحوي مقطعاً يُدعى "حادث إطلاق النار في لاس فيغاس.. هل حدث بالفعل؟"، ويشكّك الفيديو في حقيقة الهجوم، وما إن كان الضحايا هُم في الحقيقة مجرد "ممثلين". وشوهد المقطع أكثر من 250 ألف مرة بعد رفعه على الموقع بيومٍ واحدٍ فقط.
وأخبر موقع يوتيوب صحيفة الغارديان بأنَّ هذا المقطع وفيديوهاتٍ أخرى مروّجة لنظرية المؤامرة، والتي تظهر عند البحث العام عن الحادث، لا تنتهك معايير الاستخدام الخاصة بالموقع.
معادٍ لترامب
وتأتي الشكاوى المتعلقّة بإتاحة موقع يوتيوب فيديوهاتٍ تروّج أخباراً كاذبة، بعد تقاريرٍ أخرى أفادت بأنَّه وبعد بضع ساعاتٍ فقط من وقوع مأساة لاس فيغاس، كان كلٌ من موقع فيسبوك وجوجل يروّجان لمدوّناتٍ يمينية ومواقع مروّجة لنظرية المؤامرة.
وكذب بعض تلك المواقع بشأن هوية مُطلِق النار، زاعمة أنَّه كان منتمياً إلى الديمقراطيين ومعارضاً لدونالد ترامب.
وجاء انتشار الدعاية المُسيَّسة تلك فيما تواجه شركات سيليكون فالي التقنية تدقيقاً متزايداً يتطرّق لدورها في السماح بوصول الأخبار الكاذبة للملايين من المشاهدين عبر منصّاتهم، ما قد يكون له دورٌ مساعد لجهود روسيا في التدخّل في السياسة الأميركية.
كيف يروج يوتيوب لهذه الفيديوهات؟
ومع أنَّ نظريات المؤامرة المُحاكة حول حوادث إطلاق النار الجماعيّ ليست بأمرٍ جديد في أميركا، فإنَّ البعض يخشى أنَّ شعبية موقع يوتيوب والخوارزميات المستخدمة فيه لإظهار نتائج البحث قد تفاقِم من هذه المشكلة. فبالإضافة لاقتراح مقاطع تروّج لنظرية المؤامرة ضمن النتائج المعروضة في حالة البحث بصورةٍ عامة عن الحادث، فإنَّ الموقع يروّج أيضاً لمقاطع متنوعة أخرى من المحتوى الكاذب ذي الصلة لمن يبادرون بمشاهدة أيٍ من مقاطع الدعاية الكاذبة، فيسهّل لهم الموقع مشاهدة المزيد من هذه المقاطع.
وبالنسبة للبعض، فإنَّ هذا معناه أنَّ موقع يوتيوب لا يقترح على المشاهدين مصادر أخبار جيدة السمعة؛ بل يعرض لهم مزيداً من عشرات الفيديوهات التي ترسم صورة مؤامرة مهولة بدلاً من ذلك.
بعد أن شاهدت صحيفة الغارديان فيديو واحداً مشكوكاً فيه ظهر في الصفحة الأولى من نتائج بحث "حادث إطلاق النار في لاس فيغاس" (والفيديو يعود لمدافعٍ عن حقّ حيازة السلاح يقترّح كون وقائع الحادث ليست منطقية)، اقترح موقع يوتيوب الفيديوهات التالية: "الحكومة لفّقت إطلاق نار لاس فيغاس" (215 ألف مشاهدة)، و"بالدليل: الإعلام والسلطات يكذبون بشأن إطلاق نار لاس فيغاس" (660 ألف مشاهدة)، و"الدليل على أنَّ إطلاق نار لاس فيغاس هو مجرد تمويه" (70 ألف مشاهدة). وعرض الموقع بعد ذلك فيديو "الكشف عن خدعة لاس فيغاس" (150 ألف مشاهدة) تلقائياً.
رفض موقع يوتيوب التعليق عمَّا إذا كان قد حذف تلك المقاطع، وليس واضحاً ما إن كان الموقع قد اتخذ أية إجراءات بغرض الحد من انتشار الأخبار الكاذبة المتعلقة بحادث لاس فيغاس.
الحشود قادمة
وقالت كريستا ميتز، وهي شاهدة عيان وناجية، إنَّها كانت واقفة بالقرب من المنصّة عندما بدأ إطلاق النار: "هذه ليست مؤامرة.. وليست مزحة! إنَّه أمرٌ حدث بالفعل.. كنتُ هناك".
وأضافت كريستا، القادمة من ولاية كاليفورنيا، (45 عاماً)، أنَّ الحشود كادت تدهسها هي وقريبتها، وانتهى بهم الأمر بالركض أميالاً من أجل الهروب. وأضافت: "ظننّا حقاً أنَّنا سنموت".
وأضافت كريستا كذلك أنَّها شعرت بالإحباط جرَّاء التكهنات المتداولة على الإنترنت وفي التغطية الإخبارية التقليدية: "الناس مهووسون بالشبكات الاجتماعية. إنَّهم يصدقون أي شيء يقرأونه… هذا شيءٌ مروّع!".
وأشارت إلى أنَّه حتى في حال تحرّك موقع يوتيوب وغيره من المواقع لحذف ذلك المحتوى، فإنَّ الكثيرين قد شاهدوا الفيديوهات بالفعل، وسيستمر الكثيرون غيرهم في نشر رسائل مشابهة. وقالت: "بوجود عددٍ مهول من الأشخاص ممّن ينشرون أشياءً عشوائية، كيف لهم أنَّ يفرضوا رقابة على مثل تلك المنشورات؟".
وأضافت كريستا: "أريد الحقائق فقط".
وأصدر موقع يوتيوب بياناً موجزاً تباهى فيه بقدرة الموقع على ترويج "فيديوهات الآلاف من ناشري الأخبار ممّن يعرضون مجموعة متنوعة من وجهات النظر"، مضيفاً: "عندما يقَع حدثٌ إخباري هامّ كهذا، فإنَّ تلك المصادر تُعرض على الصفحة الرئيسية بموقع يوتيوب تحت عنوان (أخبار عاجلة)، ويُشار لها ضمن نتائج البحث، مع وسم (أهمّ الأخبار)".
تعريض حياة الناجين للخطر
وقد يكون لمزاعم زيف الهجوم المتداولة عبر الإنترنت تبعات مدمّرة على الناجين وعائلات ضحايا حوادث إطلاق النار، حسب "الغارديان".
وقد تعرّض والد أحد الأطفال القتلى في إطلاق النار بمدرسة ساندي هوك الابتدائية عام 2012، ممن تحدثوا علناً، لمضايقاتٍ وتهديداتٍ متكررة بالقتل، أرسلها له مؤمنون بنظرية المؤامرة ممّن اعتقدوا أنَّ المذبحة كانت ملفّقة. وحُكِم على أحد هؤلاء بالسجن مؤخراً.
كذلك، واجهت امرأةٌ تعرّضت لإصاباتٍ بالغة في حادث إطلاق النار بمسرح أورورا في ولاية كولورادو عام 2012 لهجومٍ ومضايقات إلكترونية؛ إذ حاول بعض المشككين اختراق حساب بريدها الإلكتروني، واتهموها بكونها بيدقاً في مؤامرة تخدم أجندة الحد من حيازة الأسلحة.
إعاقة تطبيق القانون
وقال ميلانسون، الذي نجت أسرته من مذبحة لاس فيغاس بفضل رجل إطفاء متقاعد، وما زالت زوجته في المستشفى عقب الخضوع لعمليةٍ جراحية ثانية، إنَّه يخشى أن تعترض الدعاية المنتشرة على يوتيوب سبيل تطبيق القانون: "تعيق هذه المزاعم سير التحقيق الجاري؛ إذ إنَّهم يخلقون معلوماتٍ كاذبة ستضطر السلطات إلى التحقيق فيها هي الأخرى. وهذا من شأنه إبطاء عملية تنفيذ القانون".
وأضاف أنَّ تلك الفيديوهات تؤذي أيضاً مشاعر الضحايا والناجين الذين يعانون بالفعل للتأقلم مع الصدمة: "ليس هذا عادلاً بحق أفراد الأسر التي تمر بهذه المحنة".