قرر أخيرا رجل الأعمال الفلسطيني ديب الجيار كسر حاجز الخوف وافتتح مشروع أول مول للشوكولاتة في قطاع غزة على الرغم من الدراسات العديدة التي أشارت لإمكانية فشل المشروع.
في الأيام الأولى للافتتاح شهد المول رواجاً ملفتاً كان سببه الرئيسي الفضول لمشاهدة هذا المشروع وما يقدمه من منتجات غير معتادة في القطاع المحاصر.
بدأ صاحب المول ديب الجيار قوله لـ"عربي بوست": "هذا المشروع يعد مغامرة كبيرة بالنسبة لأي رجل أعمال، وذلك بسبب الوضع الاقتصادي المتردي لسكان القطاع"، خاصة وأن أسعار الشوكولاتة تتراوح بين 10-25 دولار للكيلو الواحد، إضافة إلى ثمن العلبة التي توضع فيها ويتراوح سعرها ما بين 5-10 دولار.
وعن ماركات الشوكولاتة لديه، ذكر الجيار أنها تتنوع بين الإيطالية والإسبانية والتركية والفرنسية، مبينا أنه لا يهتم بالربح بقدر كسبه للزبائن وتحقيق شهرة على مستوى الوطن العربي.
ارتفاع الأسعار الذي اشتكى منها بعض الزبائن، برره صاحب المتجر بأن السعر عائد إلى نوعية الماركات التي يستوردها ويضطر إلى دفع فواتير باهظة جراء عملية الاستيراد عبر المعابر الاسرائيلية، "وأن الأسعار ليست مرتفعة جداً وهي في متناول الجميع".
قبل العيد الأضحى بأيام قليلة قمنا بزيارة المول حيث لوحظ تزاحم المشترين داخل أروقته، لكن بعد انقضاء العيد فإنك بالكاد تلمح 2 أو 3 مشترين يبدوا عليهم أنهم من طبقة الأغنياء وذلك من خلال ملبسهم وسياراتهم التي يركبونها برفقة أطفالهم الصغار.
يشار إلى أن مشاريع المولات التجارية في قطاع غزة لاسيما المتخصصة لا يكتب لها النجاح غالبا، ويرجع ذلك إلى ارتفاع أسعار السلع فيها فيقتصر زبائنها على فئة الأغنياء المحدودة في القطاع.
يذكر أن عدد الأغنياء في قطاع غزة تجاوز الألف بقليل، جلهم من رجال الأعمال وموظفي المؤسسات الدولية والبنوك الذين تتجاوز قيمة رواتبهم الشهرية الـ 2000 دولار أمريكي. وفي المقابل يعيش البقية بمتوسط رواتب يبلغ 300 دولار والتي بالكاد تجلب لهم الاحتياجات الأساسية لسد رمقهم.
مشروبات بطعم الشوكولاته في غزة
وبالعودة إلى مول "الجيار" فقد استهوت السيدة هدى شرف -36 عاما- شكل عبوة الشوكولاته الإيطالية، وعندما تذوقتها لم تتردد في اقتناءها، لكن فوجئت بارتفاع ثمنها الذي وصل إلى 20 دولار أمريكي.
السيدة تسائلت :"هل يمكن أن يصل ثمن الحلوى في غزة إلى هذا الحد"، في إشارة إلى تراجع القدرة الشرائية لدى الغزيين بفعل حالة الفقر التي يعاني منها القطاع نتيجة الحصار المفروض عليه منذ 9 سنوات.
وأضافت: "الحلويات بمذاقتها المختلفة تغري الزبون، لكن بسبب الأسعار لا يستطع الجميع شراء ما يستهويه منها".
مناسبات خاصة
ويبدو أن قيام متوسطي الدخل في القطاع بتجربة حلويات هذا المحل سيقتصر على بعض المناسبات الخاصة جداً والتي لا تتكرر إلا مرة كل عام. فقد وقف الشاب يونس ياسر برفقة زوجته يختارون أحد أنواع الشوكولاتة التي قد تلائم دخله المتوسط لكنه يريد أن يمنح زوجته شيئاً مميزاً في ذكرى زواجهم الأولى.
في المول ذاته وقف الطفل محمد أبو سليمان أمام مجمع شوكولاته المفضلة "m&m's" حيث حاول غرف عدد كبير منها لكن والده نهره، وأمره بالحصول على واحدة فقط، الوالد برر فعله هذا قائلاً: "لم أحصل على راتبي لهذا الشهر بعد. أحاول شراء الحلويات التي تناسب قدراتي المادية لإرضاء أطفالي".
الوالد أوضح أن الشوكولاتة ذات المذاقات العالمية تتعارض مع دخل الغزيين البسطاء فلا يمكن لعامل بسيط أو موظف ذو دخل محدود جلب كل احتياجاته من المول.
ولم يقتصر مول الجيار على الشوكولاته فحسب، بل هناك مشروبات بطعم الشوكولاته وقوالب مختلفة من الكيك المميز التي لم يعتد عليها الغزيين، فبالكاد يجلبها رب الاسرة في مناسبة عيد الميلاد، وغالبا ما تعد في البيت لاسعارها المرتفعة مقابل قلة الرواتب التي يحصل عليها الموظفين وتتأخر من حين لآخر عدا العاطلين عن العمل والذين يشكلون نسبة كبيرة من القطاع.
في موسم العيد 950 طن شوكولاتة
في السياق ذاته يؤكد الخبير الاقتصادي ماهر الطباع أن قطاع غزة بحاجة إلى أسواق تجاريه جديدة، رغم الوضع الاقتصادي السئ الذي سببه الحصار، مشيرا إلى أن المواطن الغزي بحاجة إلى وجود مولات تجارية تلبي احتياجاته لكن بأسعار مقبولة.
وعن المولات التجارية التي انتشرت في السنوات الاخيرة، يرى الطباع أن الاقبال عليها يكون كبيرا بداية الافتتاح لكن في حال شعر المواطن أن الأسعار لا تناسبه يتراجع إلى الأسواق الشعبية مرة أخرى.
ويؤكد الطباع خلال حديثه لـ"عربي بوست": أن من يقبل على تلك المولات هم فئة الأغنياء، موضحا أنه يمكن الاعتماد عليهم في نجاح تلك المشاريع كونهم لا يتأثرون كثيرا عند دفع بضعة شواكل زائدة مقابل سلعة سعرها بالأسواق الشعبية قليل.
يذكر أن قطاع غزة الذي يعيش فيه ربع مليون عاطل عن العمل، يستهلك في موسم العيد ما يقارب 950 طن من الحلويات ، ما بين مستوردة فاخرة من أوروبا وأخرى شعبية.