قبيل التاسعة من صباح الأحد 26 يونيو/حزيران 2016، مرّت سفينة كوسكو شيبنج في قناة بنما ومن حولها زوارق السحب في أهوسة أجوا كلارا الجديدة بالقرب من كولون في بنما – لتصنع تاريخاً بحرياً جديداً.
قامت السفينة التي يبلغ طولها 300 متر وعرضها 48.2 متراً برحلتها الرسمية الأولى لعبور مجموعة هائلة من الأهوسة التي تم بناؤها بتكلفة 5.3 مليارات دولار على الأقل من أجل الإبحار في قناة بنما. وقد تمت إعادة تسمية السفينة، المعروفة سابقاً باسم Andronikos لتعكس حجم ذلك الشرف الرفيع.
ويؤدي ذلك الافتتاح إلى تيسير المرور بين المحيطين الأطلنطي والهادي، حيث وضعت الأهوسة القديمة قيوداً على ذلك على مدار 102 عام نظراً لعدم قدرتها على استيعاب السفن التي يتجاوز طولها 294 متراً وعرضها 33 متراً، بحسب صحيفة Financial Times.
الأهوسة الجديدة
وتذكر شركة كلاركسون البحرية أن الأهوسة الجديدة سوف تستوعب 79% من حمولة السفن بالعالم، حيث يمكن أن تمر بها السفن البالغ طولها حتى 366 متراً وعرضها حتى 49 متراً. وكانت تلك النسبة تصل إلى 45 % فقط في القناة القديمة، وفق تقرير نشرته صحيفة فايننشال تايمز البريطانية، الأحد 26 يونيو/حزيران 2016.
ومع ذلك، شرعت بنما في توسعة القناة في ظل ركود اقتصادي استمر في التفاقم على مدار السنوات التسع التي تم خلالها بناء الأهوسة. وقد توقف النمو التجاري لشركات شحن الحاويات، أكبر عملاء القناة، بعد سنوات من التوسع السريع. وتناضل العديد من قطاعات الشحن مع تزايد عدد السفن.
ورغم أن ذلك التوسع سوف يغير أنماط التجارة العالمية، يعتقد معظم المراقبين أن الظروف الاقتصادية سوف تعرقل ذلك النمو. ويذكر جيفري هيلر، أحد كبار المديرين التنفيذيين بشركة Norfolk Southern وهي واحدة من أكبر شركات خطوط السكك الحديدية شرقي الولايات المتحدة، أن التحول التدريجي في التدفق التجاري سيستمر على مدار 10-15 عاماً من الساحل الغربي إلى الساحل الشرقي.
ويضيف هيلر "وحيث تستطيع السفن الأكبر حجماً المرور حالياً من قناة بنما، يمكن أن يكون النمو وشيكاً".
ومع ذلك، تذكر سيلفيا ماروتشي، المديرة التنفيذية لشعبة التحليل الاقتصادي بهيئة قناة بنما، أن التوسع كان بمثابة "قرار للبقاء".
غضب العملاء
وتضف ماروتشي "كنا نعلم أننا سنصل إلى حدنا الأقصى خلال عامي 2012 و2013 وبعد الوصول إلى السعة القصوى سنواجه غضب العملاء. والتوسع في القناة يعد خطوة كي نظل أحد خطوط التجارة البحرية الرئيسية".
ويذكر بيترو ساليني، المدير التنفيذي لمجموعة ساليني إمبريجيلو الإيطالية للتشييد التي ساهمت في استكمال مشروع قناة بنما "الأمر يبدو كما لو كنا نشتهر بعلامة كوكا كولا التجارية".
وأضاف: "ربما لن نحقق المال من وراء ذلك، ولكنه أمرٌ هام لسمعتنا. وخلال سنوات، سوف تبلغ قيمة المشروع عشرة أضعاف تكلفة اليوم البالغة 5.3 مليارات دولار".
رسوم المرور
سوف يتمثل العامل الحاسم في مدى استعداد مالكي السفن لسداد رسوم المرور التي تفرضها الشركة على السفن العملاقة والبالغة 600-800 ألف دولار.
وتبدو هذه الحسابات مختلفة حالياً عما كانت عليه حينما تم تخطيط القناة الجديدة، بحسب ما ذكره أندرز بونايس، رئيس قسم تخطيط الشبكات بمجموعة ميرسك لأكبر خطوط الحاويات في العالم. ففي ذلك الحين، كان حجم تجارة الحاويات في تزايد وكانت أسعار النفط مرتفعة وأعداد السفن قليلة.
ويضيف بونايس "وفي الوقت الذي كانت السفن به أكثر ندرة وبالتالي أعلى من حيث التكلفة، كان هناك حافزٌ أكبر لسلوك الطريق الأقصر والأسرع".
ويتم افتتاح الطريق الجديد وسط تزايد أعداد سفن الحاويات وفي وقت انخفاض أسعار وقود السفن. وقد أدى ذلك إلى تشجيع شكات الشحن على تحويل نحو 30 % من سفنها المتوجهة من آسيا إلى الساحل الشرقي للولايات المتحدة عبر قناة السويس الأقل رسوماً والتي يمكنها أن تتعامل مع كافة أحجام سفن الحاويات.
ورأت هيئة قناة بنما أنه يمكنها استعادة أربع إلى خمس سفن أسبوعية على الأقل من قناة السويس. ورغم أنها لم تعلن خططها بعد، يبدو أن شركة ميرسك سوف تحول بعض سفنها من السويس إلى بنما بعد التوسع الأخير الذي يوفر الكثير من الوقت. ومع ذلك، سيكون طريق العودة عبر السويس لتوفير الرسوم.
ويذكر بويناس "مع تزايد أسعار السفن والوقود، فإن سداد نحو ألف دولار بالزيادة أو النقصان من رسوم المرور لن يحدث الكثير من الفرق. فالحسابات مختلفة تماما اليوم".
موانئ الساحل الشرقي
وتتعقد الحسابات من خلال مدى جاهزية موانئ الساحل الشرقي للولايات المتحدة. ونظراً لعدم الانتهاء من أعمال رفع جسر بايون الهام في ميناء نيويورك ونيوجيرسي، يبدو أنه من غير المحتمل أن تنشر الشركات أكبر السفن التي تستطيع القناة الجديدة التعامل معها.
ويستطيع الممر المائي استيعاب السفن التي تصل حمولتها إلى 13 حاوية يبلغ طول كل منها 20 قدما، بينما يستطيع الجسر التعامل مع السفن التي تبلغ حمولتها 8500 حاوية فقط. وكانت الأهوسة القديمة للقناة تتعامل مع السفن التي تبلغ حمولتها 4500 حاوية فقط.
خطوط السكك الحديدة
وعلاوة على ذلك، يمكن أن تؤدي خطوط السكك الحديدة في الغرب الأميركي إلى خفض الأسعار، بحسب ما ذكره نيل ديفيدسون، محلل الموانئ بشركة دروري شيبنج كونسالتانت.
وسوف تسعى خطوط السكك الحديدة الغربية إلى الحفاظ على حصة السوق من طريق الواردات التقليدي الأسرع عبر موانئ الساحل الغربي ومنه إلى الساحل الشرقي عبر السكك الحديدية.
ويذكر ديفيدسون حول خطوط السكك الحديدية "مازلنا لا نعرف كيف سيدافعون عن حصتهم من خلال الساحل الغربي. ولكننا على يقين أنهم سيدافعون عنها".
ومع ذلك، يتمثل التساؤل الرئيسي فيما إذا كانت الأهوسة سوف تصبح قديمة قبل مرور أول سفينة بها. فخلال السنوات الخمس الماضية، سعى الملاك وراء اقتصاديات الوفرة من خلال الاستثمار في جيل جديد من السفن العملاقة التي يصل طولها إلى 395 متراً وعرضها إلى 59 متراً.
السفن الكبيرة
وتدافع ماروتشي عن حجم الأهوسة الجديدة، وتصر أنها تعكس التوازن الأمثل بين التكلفة والمزايا. وتذكر "نعتقد حالياً أن السفن الكبيرة قد لا تمثل الحجم الأمثل".
ومع ذلك، تقبل ماروتشي فكرة وجود حاجة إلى المزيد من التوسع. وتضيف "سوف نحلل التطورات في الأهوسة الجديدة ونرى ما إذا كنا نحتاج إلى المزيد من التوسع خلال الثلاثين عاماً القادمة".
-هذا الموضوع مترجم بتصرف عن صحيفة Financial Times البريطانية. للاطلاع على المادة الأصلية، اضغط هنا.