لماذا نهمل الجوهر ونركز فقط على المظهر، واقع الأمر أن العرب فى الجاهلية كانوا يعبدون الله وينظرون إليه على أنه الخالق العظيم وتسموا بعبد الله و سعوا إلى التقرب إليه بما نسميه التوسط بالآلهة الأدنى، هنا جوهر دعوة الإسلام، الإسلام جاء ليحرر الإنسان من الوساطات، جاء ليطلق له عنان الحرية، ليجعل مصيره فى يده، فتكون له القدرة على الاختيار، فيخطئ ويصيب، ويتعلم، جاء الإسلام ليقضي على مخاوف الإنسان ورغبته فى التذلل لأي قوة دنيوية أعلى أو أكبر ليحقق الأمان.
عبد العرب الله وظنوا له بناتا فعبدوهن سعيا لرضاه فعبدوا صنم اللات ومناة والعزى وظنوا أن بايديهن المطر والسماء، وصنعت ثقيف للات منزلا يماثل الكعبة واعتقدوها تجلب الأمان والنصر فى الحروب، وكان العربي يلبس تميمتها لتمده بالشجاعة فى الحروب، كانوا يخافون غضبها ويتقربون إليها بوضع النذور والقرابين والهدايا من النفائس فى حفرة تحت صخرة اللات، كيف لمرتعش ان يحقق الحياة، كيف لخائف تتنازعه أوهام أن يقود البشرية إلى النور؟ جاء الإسلام وأرسل النبي المغيرة بن شعبة وأبي سفيان إلى بيت اللات في الطائف فهدموا الصنم وأسقطوا وجهه إلى الأرض والناس فى خوف وذهول ..
ونصبوا الصنم "مناه" على ساحل البحر، وظنوا أنها تتحكم بالماء والبحر والسحب والريح وكانوا يعتقدونها آلهة خيرة ترسل المطر وتجلب الخير وكانوا يتوددون إليها وصنعوا لها بيتا جاء الإسلام وأرسل النبي عليا بن أبي طالب مع فرسان فهدموا الصنم وأسقطوا وجهه إلى الأرض والناس فى خوف وذهول ..
وعبدوا الصنم "وداً" واعتقدوه إله المحبة وجاء الإسلام وأرسل النبي خالدا بن الوليد مع فرسان فهدموا الصنم وأسقطوا وجهه إلى الأرض والناس فى خوف وذهول ..
وعبدوا الصنم "سواع " ويقال إنه كان لرجل صالح كان في قوم نوح فلما مات نصب له صنم في المكان الذي كان يجلس فيه فلما مات الجيل الأول عبدوا الصنم من دون الله و جاء الإسلام وأرسل النبي عمروا بن العاص مع فرسان فهدموا الصنم وأسقطوا وجهه إلى الأرض والناس فى خوف وذهول ..
وهكذا عبدوا 360 صنما أو يزيد، كلما خافوا من شيء عبدوه وصنعوا له صنما وقدموا له القرابين، دخل المسلمون مكة، وحول الكعبة ثلاثمائة وستون صنماً مرصعة بالرصاص والنحاس والذهب، وكان هبل أعظمها، وهو جاه الكعبة جاه العرب، وكانت العرب تتوسل إليه وتتودد إليه وتخافه حتى عندما سقطت للصنم يد صنعوا له بديلا من ذهب عسى أن يغفر لهم، عبدته قريش كلها وارتجفت منه وتفانت فى خدمته حتى وضعته فى جوف الكعبه وجاء الإسلام وهدم المسلمون يوم الفتح الصنم وأسقطوا وجهه إلى الأرض والناس في خوف وذهول.
فوجئ الناس أنهم احرار، هكذا بمنتهى البساطة، ليلة أمس كنت تعبد 360 إلهاً ، وتخشى 360 إلها ، وتقدم القرابين ل 360 إلها، تتحكم فى حياتك ومستقبلك وتقول لك أن تتزوج أو لا، تسافر أو لا، تحارب أم تسالم، اليوم أنت حر، ليس ذلك فحسب بل وبل وأنت حر أيضا من كل القيود التى صنعها البشر من عادات وتقاليد وعنصرية طبقية، من تقسيم المجتمع لسادة أحرار ولعبيد وإماء، كل هذا ذهب في غمضة عين… الآن أنت حر، وكل البشر سواسية كأسنان المشط لا يزيد أحد عن آخر قيد أنملة، لا فرق بين عربي وأعجمي، أبيض أو أسود، غني أو فقير كلكم سواسية…
أصابت الدهشة العقول، عقول عاشت مئات السنين محاصرة مقيدة مستسلم ومنهزمة، كيف لمن عاش مستسلما لمئات الآلهة أن يعتمد وحسب على نفسه؟ في الماضي كان كل ما عليه إذا أراد المطر أن يذهب لإله المطر فيقدم قربانا، إذا أراد الإنجاب أن يذهب لإله الخصوبة فيقدم قربانا، وهكذا كانت حياته.. الآن وجد دينا يقول له أنت خليفة الله فى الأرض، أنت من أرادك الله لإعمار الدنيا، أنت عليك أن تتعلم (اقرأ)، وعليك أن تعمل (اعملوا)، أنت سيد قرارك، وأنت من تصنع مستقبلك و..مصيرك !
جاء الإسلام ليقول أن الناس أحرار ومتساوون وسمى المرحلة التى سبقته "الجاهلية" حيث ساد فيها الجهل والخرافة والأساطير، فجاء ليحارب كل أشكال الجهل والعنصرية والطبقية ويحرر الإنسان من مختلف أنواع القيود والأغلال التى صنعها بنفسه، جاء الإسلام ليرسخ الحرية ويجعلها قيمة جوهرية فى العقيدة الإسلامية، ومن المحزن والمؤسف أن يتحول الإسلام على يد كل جاهل لأداة لقمع هذه الحرية !
ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.