إنه لا يجسد عصراً واحداً، بل عصوراً متعددة، عصر الكفاح ضد الاستعمار والتعاون بين الحركات الثورية، ثم عصر مفاوضات السلام وتقبيل الخصوم السابقين، الذين سرعان ما ردّوا القبلات عزلاً وحصاراً حتى الموت.
إنه منزل الرئيس الفلسطيني الراحل ياسر عرفات (أبوعمار) في غزة، الذي عاد للأضواء إثر استعادة حركة فتح عام 2015، بعد أن سلمته حركة حماس التي تسيطر على الحكم بقطاع غزة عام 2006.
ويضم المنزل مقتنيات لا تقدر بثمن للزعيم الفلسطيني الراحل الشخصية، وقد حوَّلته حركة فتح ومنظمة التحرير الفلسطينية بعد استعادته إلى متحف نضالي.
وكانت حركة حماس قد سلمت في 18 نوفمبر/تشرين الثاني 2015 حركة فتح منزل الرئيس الفلسطيني الراحل في يونيو/حزيران 2007.
وقال سامي أبو زهري، المتحدث باسم حركة حماس، في تصريحات للصحفيين في ذلك الوقت، إن قرار التسليم جاء بعد تلقي طلب من سها عرفات، زوجة الزعيم السابق لحركة فتح.
وعلى الرغم من عدم وجود علاقة بين هذه الخطوة وإجراءات المصالحة بين الحركتين، إلا أن أبو زهري وصفها بأنها "إشارة وطنية إيجابية"، مطالباً الجميع ممن هم معنيون بالوحدة الوطنية بتقديم إشارات مماثلة، على حد تعبيره.
مقتنيات تاريخية
يحوي هذا المنزل على حلته العسكرية التي اعتاد على لبسها، بالإضافة إلى هاتفه المحمول الشخصي، وكذلك مجلس الطعام الذي تناول فيه الإفطار برفقة الرئيس الأميركي الراحل جيمي كارتر، حينما زار غزة هو وزوجته بعد خروج الاحتلال الإسرائيلي منها، في منتصف التسعينات.
كما تتضمن المقتنيات عدة صور جمعت الرئيس بالشخصيات العربية والدولية الذين استضافهم بمنزله، منهم الرئيس الأميركي كارتر ورئيس غانا جيري رولنجز، والرئيس الفرنسي الأسبق جاك شيراك، والفنان المصري عادل إمام.
كما احتوت على جائزة نوبل للسلام، وتماثيل تم إهداؤها له من قبل زعيم الثورة اللاتينية تشيه جيفارا، والزعيم الجنوب إفريقي نيلسون مانديلا، وكذلك بعض الدروع والمجسمات التي حصل عليها من الرئيس العراقي السابق صدام حسين، والملك المغربي الراحل الحسن الثاني.
المروحية
يبعد عن البيت بأمتار قليلة طائرته المروحية التي كان يتنقل بها لمعظم الدول المجاورة أو إلى المدن الفلسطينية الأخرى، التي لا يتمكن من زيارتها برياً لوجود الحواجز الإسرائيلية.
عمرو موسى
وقال اللواء عرابي كلوب، مدير مؤسسة الشهيد ياسر عرفات بغزة لـ"عربي بوست"، "إن منظمة التحرير الفلسطينية تنوي تحويل هذا البيت لمتحف نضالي، كما أن جزءاً منه سيحتوي على مقر فرعي لمؤسسة الشهيد ياسر عرفات، التي تُعنى بحفظ تاريخ وإرث الثوار الفلسطينيين على مدى التاريخ، وسيكون مقراً فرعياً للأمين العام السابق لجامعة الدول العربية الدكتور عمرو موسى، الذي سيترأس مجلس أمناء هذه المؤسسة".
ويحتوي الجزء الآخر من المؤسسة الموجودة برام الله (مقر السلطة الفلسطينية)، التي تم نقل معظم محتويات الرئيس من غزة إليها، على كسوة الكعبة، وسلاح رشاش من نوع (كارلو) الذي كان معه خلال تحصنه وحصاره من قبل الاحتلال الإسرائيلي بمقر المقاطعة برام الله.
وأوضح كلوب أن هناك بعض المقتنيات الكثيرة ما زالت مسروقة حينما كانت تسيطر حركة حماس على المنزل، على حد قوله، مثل تمثال صُمم على شكل الرئيس الراحل، والذي تم صُنعه من البرونز الخالص، بالإضافة إلى ميداليات ذهبية، وبعض المقتنيات الحربية والشخصية الأخرى، مطالباً بإرجاعها لكونها تمثل إرث الثورة الفلسطينية وزعيمها، لأن التفريط بها هو تفريط بالوطن، على حد قوله.
من جهته، قال القيادي في حركة حماس، غازي حمد، الذي كان مشرفاً على تسليم المنزل لحركة فتح ومؤسسة ياسر عرفات، إن هناك اتصالات مكثفة وتعاوناً بين حركتي فتح وحماس بشأن هذا الأمر، لاسترجاع كافة المسروقات، وقد تمت استعادة تمثال أبو عمار الذي صُنع من البرونز الخالص على شكله الشخصي، عن طريق أحد السارقين الذي حاول تهريبه للمتاحف المصرية عبر الأنفاق، وسيتم تسليمه في القريب لمنظمة التحرير وحركة فتح، فيما سيتم العمل مع الجهات الأمنية بغزة لمعرفة خبايا فقدان بعض المقتنيات الأخرى، مشيراً إلى أن حركة حماس تقدر قيمة هذه المقتنيات كميراث حقيقي للشعب الفلسطيني.