واعتُقل الدكتور محمد عبد الرحمن المرسي، مسؤول اللجنة الإدارية العليا للإخوان، وأنباء تداولها الناس عن اعتقال الدكتور محمود عزت القائم بأعمال المرشد، ثم نُفيت بعد ذلك.
ومنذ شهور اعتقلت قوات الأمن المصرية الدكتور محمد كمال، مسؤول اللجنة الإدارية العليا الأخرى المتنازعة مع لجنة الدكتور محمد المرسي، ثم تمت تصفيته لاحقاً هو ومرافقه.
والضربات الأمنية الشديدة الموجعة على جماعة الإخوان لم تتوقف، ويبدو أنها لن تتوقف، وخمسون ألف معتقل في سجون الانقلاب يموت منهم يومياً تحت وطأة التعذيب والإهمال الطبي، وخمسون ألفاً مثلهم مهجّرون، ومثلهم مطاردون، وحراك يضعف ويضعف حتى كاد يتلاشى، واصطفاف ثوري أضحى رابع المستحيلات، ونظام عسكري قوي قائم لا يزداد إلا قوة يوماً بعد يوم.
إذا كانت البطولة هي أن يأخذ القائد القرار بدخول المعركة في الوقت المناسب، وإذا كانت البطولة الكبرى هي أن يأخذ قراره بالثبات والاستمرار مع طول أمد المعركة، فإن البطولة الأكبر هي أن يأخذ القرار بالانسحاب حينما يوقن بهزيمته، ويتبين له أنه على مشارف الانسحاق والتلاشي.
عندما كتب أمل دنقل قصيدته (لا تُصالح) وقال: لا تصالح ولو منحوك الذهب، لا تصالح ولو توّجوك الإمارة.. فقد كان يقصد بها التصالح مع الباغي نظير أجر مادي فردي أو فئوي في مقابل الإقرار له والرضا به.
ولا ينسحب هذا أبداً على الاتفاق معه على إنهاء المعركة إن أيقنا بالعجز عن هزيمته والضعف عن مطاولته، مع عدم الإقرار له والرضا به، بل والعودة للثكنات للاستعداد لجولة أخرى قادمة، يكتب الله فيها النصر والحسم بفضله تعالى.
وعندما يقول: كيف تخطو على جثة ابن أبيك.. فإنما يكون الرد: إننا لا نخطو على جثة ابن أبينا، وإنما نحاول أن نحمي ابن أبينا الآخر عندما أيقنا بعجزنا عن استخلاصه من يد سجّانيه، وعجزنا قبلها عن الثأر لابن أبينا الأول.
لقد شرع الله الانسحاب من المعارك، عندما يوقن المؤمنون بأنهم أضعف بكثير من خصومهم، وأن نهاية المعركة هزيمة وانسحاق، بل دعونا نقُل: إن الأفضل عند الله حينها أن ينسحب فريق المؤمنين من جولتهم الخاسرة، من أجل أن يعودوا لجولة أخرى وهم أكبر قوة وأكثر عدة، وأعمق وعياً وفهماً.
لقد كان النبي -صلى الله عليه وسلم- يدعو ويلح ويبكي في بداية معركة بدر ويقول: اللهم إن تغلب هذه العصابة فلن تُعبد في الأرض بعد اليوم.
إذاً، على أهل الحق أن يعلموا أنهم بقية جند الحق المنافحة عنه والمجاهدة فيه، فإن انسحقوا فلن يكون للحق جنود تدافع عنه وتجاهد فيه إلا بعد حين وحين، فليهوّنوا على أنفسهم، فهي جولة لن تكون نهاية الدنيا، وإنما هي جولة تلحق جولات قبلها وتسبق جولات بعدها، وإن من الحكمة والعقل أن نستبقي قوتنا للجولات التي من بعد أن أيقنا بفنائها هنا دون نصر أو حسم.
وقد مدح الرسول -صلى الله عليه وسلم- قرار خالد بن الوليد بالانسحاب يوم مؤتة، عندما قُتل قبله ثلاثة من القواد؛ زيد بن حارثة وجعفر بن أبي طالب وعبد الله بن رواحة، فلما تسلَّم هو راية القيادة، أعد العدة وخطط للانسحاب من المعركة بأقل الخسائر، وذلك لما رأى الفارق الكبير بين قوة فريقه وقوة فريق الخصوم.
فلما عاد بجيشه إلى المدينة، ولامه البعض على الفِرار من المعركة قائلين: أيها الفرّار، أيده النبي صلى الله عليه وسلم، وقال: بل هم الكرّار إن شاء الله.
ولو بقي خالد بجند المسلمين في مثل هذه المعركة لانسحقوا وفنوا، وفني بفنائهم جيش المسلمين، فاستبيحت بيضتهم وفُلّ حدهم، وتداعى عليهم الأعداء من كل حدب وصوب فأفنوا دولتهم ودينهم.
سيبقى الانسحاب من المعارك هو أحكم القرارات وأصوبها وأوجبها إن أيقن القادة بالهزيمة وخافوا السحق والفناء، على أن يعود الصف إلى ثكناته، ويستعد لجولة جديدة، بل لجولات جديدة يُكتب فيها النصر، وما النصر إلا من عند الله.
ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.