في قلب إفريقيا

دخل إخوتنا الأفارقة بيننا فامتهنوا مهننا، وصاروا يعملون بكل ما نعمل به، فتجدهم على الطرقات وفي المحطات وفي الأماكن السياحية ووسط الأماكن التي تسكنها عادة الطبقات المرفهة يزاحمون إخوتهم المغاربة والسوريين في لقمة العيش الحارة

عربي بوست
تم النشر: 2018/02/12 الساعة 07:22 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2018/02/12 الساعة 07:22 بتوقيت غرينتش

حقق المغرب في سنة 2017 نصراً واضحاً للعيان، أقرّ به الخصوم قبل الحلفاء، وأخيراً انتهجنا سياسة مختلفة، فوضع عاهل البلاد قدمه وسط أدغال إفريقيا ومشاكلها وانقلاباتها وحروبها، فوجد إفريقيا مختلفة عن كل ما نعتقد، فقد أصبحت دولاً تشكل أمثلة في النجاح الاقتصادي ودولاً أخرى صار يضرب بها المثل في المصالحة الاجتماعية بعد حروب أهلية سببها الصراع على الثروة أو السلطة، وهناك وجدنا إفريقيا جديدة تتحدث عن حقوق الإنسان والديمقراطية والحرية وغيرها من مفاهيم لم نكن نتوقع وجودها هناك.

اكتشفنا فجأة أننا أفارقة، وأننا لم نكن جزيرة منعزلة عن إفريقيا، بل وصل الحال إلى أن بياض بشرتنا لم يجعل منا أوروبيين بل يقال لنا القادمين من شمال إفريقيا، فرأينا مهرجانات تنظم باسم إفريقيا، وسننظم كأس إفريقيا لكرة القدم، وبات لدينا محللون يتحدثون عن التعاون جنوب – جنوب وغيرها من مظاهر الاحتفاء بالقارة السمراء، فأين ما التفتت السلطة التفت الجميع.

دخل إخوتنا الأفارقة بيننا فامتهنوا مهننا، وصاروا يعملون بكل ما نعمل به، فتجدهم على الطرقات وفي المحطات وفي الأماكن السياحية ووسط الأماكن التي تسكنها عادة الطبقات المرفهة يزاحمون إخوتهم المغاربة والسوريين في لقمة العيش الحارة، تعلموا كلمات من قبيل "صدقة على الله" وغيرها، أو "الله يرخم ليك الوالدين"، قاصدين بذلك الله يرحم والديك.

تعلموا التسول والنشل وبيع الهواتف المسروقة، فتراهم دوماً في مجموعات منغلقة على ذاتها، ويفعلون تقريباً كل شيء بجماعية، وقلما تجد أحدهم لوحده، هل لأنه الخوف من الآخر أم لصعوبة الاندماج وسط مجتمع المغاربة؟

بين الفينة هنا وهناك نطالع أفعالاً غريبة عن مجتمعنا، فمجموعة منهم تهاجم امرأة في طنجة، ومرة محيط محطة أولاد زيان بالدار البيضاء – وهي من أكبر المحطات في المغرب – تشهد اقتتالاً عنيفاً بين شبان مغاربة ومجموعة كبيرة من الأفارقة.

بالنسبة للكثير منهم أن تصل المغرب هو نفسه كالوصول إلى أوروبا، وهم ينظرون إلينا بنفس النظرة التي ينظر بها مغاربة العالم إلى الدول والمجتمعات الغربية التي تستضيفهم، ونحن ننظر إليهم بالطريقة التي ينظر بها الفرنسيون والإسبان إلى المهاجرين المغاربة.

يجب الإيمان بالانفتاح وبحقوق المهاجرين وبواجب الضيافة، وكذلك يجب دق ناقوس الخطر دون أية دوافع عنصرية، بل بدوافع إنسانية بحتة تستوجب على الواحد منا قول ما يعتقده ويؤمن به.

أما فتح الباب على مصراعَيه ودون استراتيجية واضحة، فهذا أمر خطير لن نرى نتائجه الآن بقدر ما سنراها في المستقبل القريب، أو ربما البعيد.

كرم الضيافة من شيم المغرب وأهله، وكل العرب يعرفون ذلك حق المعرفة، لكن عندما يكون لديك اقتصاد قابل للسقوط في أي لحظة، وما زال لم يقف على قدميه بشكل جيد، وإذا ما تمعنت في الهوة السحيقة التي تسقط فيها الطبقة المتوسطة، وفي الوقت ذاته بروز طبقة جديدة من أولئك الذين يغتنون بسرعة الصاروخ، وما يستلزمه الأمر من مواجهة مستقبلية قادمة مع إحدى الفئتين، إن استمر الوضع على حاله، فالأمر لا يبشّرنا بخير.

كل واحد منا في هذا الوطن -رغم شكوانا الكثيرة بسبب أو بدونه- لديه إحساس داخلي جيد بأننا في حال متوسطة، وما زال لدينا متسع لتحمّل المزيد من ضغوط المعيشة والحياة، وما زالت لدينا من القدرة ما يكفل لنا التسامح ولو بشكل نحن مرغمون عليه من كل التنازلات التي تقدمها الحكومة في سبيل الاحتفاظ بتوازنها، إلا أن الأمر قد لا يطول؛ لذلك فمزيد من المهاجرين وبدون خطط واضحة ومدروسة لكيفية الاستفادة منهم أمر لا ينذر بما يسرّ في المستقبل.. فمرحباً بإفريقيا.

ملحوظة:

التدوينات المنشورة في مدونات هاف بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

تحميل المزيد