عام جديد قد بدأ، منا من انتهى، ومنا من لا يزال على قيد الحياة، وقد يتساءل البعض منكم: كيف تقول إن منا من انتهى، ومنا من لا يزال على قيد الحياة مع أننا جميعاً أحياء ونقرأ ما كتبت؟ هل أنت أحمق؟ أم أنك قد فقدت الشعرة التي بين العقل والجنون؟
قد أكون كذلك، وكلنا قد يكون، سؤالكم منطقي؛ لأنكم ترون أننا كلنا أحياء، ولكن دعوني أجيب عن سؤالكم بسؤال: هل فعلاً نحن أحياء؟ فليسأل كل منكم نفسه هذا السؤال، فإن كانت الإجابة: نعم أنا حي! حسناً، كيف ستثبت لنفسك ذلك؟ وكيف وصلت لدرجة أنك متأكد من كونك حياً؟ ما هي الحياة بالنسبة لك؟ هل الحياة تعني أنك تتنفس؟ هل هي أن تأكل وتشرب وتتحرك وتقف وتنام وتصحو؟ هل هي أن تتعامل مع الآخرين؟ هل تستطيع تحديد معنى الحياة؟ فكّر بالأمر وانظر إلى كل من هم حولك، وأنا على يقين بأنك ستجد بينهم من مات وهو على قيد الحياة، ليست فلسفة، ولكنها حقيقة نعيشها، فالناس نوعان: أناس لا يموتون، وأناس لم يولدوا بعد، هذه الحكمة ستجعلك تعيد التفكير في السؤال السابق (هل أنت حي؟)، وبالطبع ستحك رأسك مرة أو اثنتين على أقل تقدير، أو أنك ستقول بينك وبين نفسك: إحنا مش ناقصنا فلسفة ووجع دماغ (تأكد أنك لو فعلت ذلك أو قلت شيئاً من هذا القبيل فأنت بالتأكيد تتهرب من الإجابة).
وبمناسبة الشعرة التي بين العقل والجنون سأقص عليكم قصتي مع طبيب نفسي مرموق وحوار بنّاء أجريته معه داخل إحدى المصحات النفسية الفخمة، كنت متمدداً على الشيزلونغ، أو ذلك الكرسي المريح الذي تتمدد فيه، والطبيب يستمع إليك بكل حرص واهتمام (قلة من يستمعون للأسف)، كنت أتحدث مع الطبيب حول إمكاناتي في علم من العلوم المهمة التي تتحكم فينا بشكل كبير، موضوع أعتبر نفسي فيه خبيراً، أتحدث والطبيب مبتسم يستمع لي بكل اهتمام؛ لأنني من الأشخاص المعروفين في هذا المجال، ولي الكثير من الكتب والمؤلفات والأبحاث، كنت أتحدث معه عن الأبراج، نعم الأبراج والكواكب، وتأثير تلك الكواكب علينا، ولأن الطبيب لم يكن يعرف عن الأمر شيئاً كثيراً، رأيت أن أبدأ معه بالتدريج، كما سأفعل الآن.
هذه ببساطة المهزلة التي نعيشها ويصدقها السذج منا، أبراج وكواكب متبعثرة منذ سنوات تؤثر على حياتنا وبينها وبينك ارتباط وثيق، من لا يصدق عليه أن يصدق؛ لأننا نعيش في زمن السخافات، زمن أصبح فيه الدجل حقيقة نتبعها والجهل راية نسير خلفها، كلام عام يسري على الجميع وينطبق على أي كان، فكلنا ذلك الإنسان الذي يبحث عن العاطفة والمادة والراحة والصحة والسعادة، لست أدري كيف يتنبأ هؤلاء بمستقبل لا يعلمه إلا الله، والأدهى والأمر أن هناك من يصدقهم ويقتنع بكلامهم لدرجة أن بعضهم لا يكاد يخطو خطوة إلا بعد معرفة طالع برجه؟ كيف نعرف أن شخصاً سيموت والله هو من يملك علم ذلك؟ تساؤلات كثيرة تحتاج لإجابات.
سيقول البعض منكم: ولكن كل ما ذكر حقيقة أعيشها وقد جربت كل ما قيل لي ولم أجده مختلفاً عن واقعي، إن الأبراج واقع وحقيقة، نعم معك كل الحق، أنت حر، أن تؤمن، وأن يكون لديك قناعات حول موضوع معين، ولكن فقط أريد أن أسأل كل من يؤمن بهذه الأمور سؤالاً واحداً فقط: أين الأبراج والكواكب مما يحدث في عالمنا؟ أناس يقتلون كل يوم، يشردون، يعذبون، مجاعات، فقر، أمراض، تخلف، معتقدات خاطئة، سلبيات، تلوث، ضوضاء، إهمال، لماذا لم يمنع وقوعها المتنبئون؟ برجك ينبئ عن علاقة عاطفية وأنت تموت من الجوع، أي مهزلة تلك؟ كوكب زحل يساعده المريخ سيجلب لك مكاسب مادية، أي مكاسب مادية تلك، ونحن نفقد كل شيء في سوريا وفلسطين والعراق وغيرها، وأبناؤنا يقتلون؟ هل ينطبق ما يقال في الأبراج على المعدمين؟ أم أنه خاص بالطبقة الوسطى التي تلهث وراء سراب، فالفقير والمعدم يبحث عن احتياجاته المهمة والضرورية فقط، بينما من يعيشون في رغد من العيش يتمسكون بهذه الترهات ويعتقدون فيها وكأنهم نسوا أن من بيده ملكوت كل شيء هو الله، وليس البرج أو الكوكب.
هل من يتنبأ بما سيحدث يستطيع التنبؤ لنفسه؟ أم أن ذلك فقط للعامة؟ حمق ما بعده حمق، أناس تجري وراء سراب وتحاول اقتناص الفرص التي تدعيها الأبراج، أما ما عند الله فهذا لا يهمنا في شيء، نسينا أو تناسينا الدعاء والرزق المقسوم، والقضاء والقدر، وأن كل حياتنا قد سجلت بعلمه فلا عليم إلا هو.
ولمن يعتقد في الأبراج ويؤمن بها إليك هذا الاكتشاف الخطير، فقد ظهر برج رقم 13 ويدعى حامل الثعبان، وعليه ستتغير تواريخ بعض الأبراج، وهذا يعني أن ما مضى كان كلاماً في الهواء، وللمهتمين أيضاً هناك الأبراج الصينية، وهي عبارة عن حيوانات، منها التنين والثعبان والفأر والأرنب والحصان والديك والعنزة، المهم أبراج، وإذا لم تعجبك فبرج خليفة وبرج المملكة وبرج الفيصلية وبرج القاهرة وبرج إيفل وبرج ساعة مكة، المهم أبراج والسلام.
أعتقد أن أبراج عقولنا هي التي تحتاج للضبط، تذكرت تلك العبارات التي كنت أسمعها في الأفلام العربية القديمة التي تقول: "أنا البرج اللي باقي في نافوخي حيطير"، لم أعلم معنى ذلك من قبل، لكنني الآن عرفت أن في المخ أبراجاً، إما أن نبنيها بطريقة صحيحة لكي نعيش بشكل أفضل، وإما أن تكون أبراجاً لا أساس لها لا تلبث، وأن تزول وتزول معها حياتنا التي أصبحنا نعيشها مجرد حياة، وأعود لأسأل كل واحد فيكم: ما هو برجك؟ وما هو تأثير الكواكب عليه؟ وعند الإجابة عن هذا السؤال أتمنى أن يجيبني الجميع عن السؤال المطروح في أول المقالة: هل أنتم أحياء؟
ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.