اندماج المسلمين وتكفير الآخرين

إن الاندماج لا يعني الانصهار وإنما الاندماج السياسي، لتكون الأقليات المسلمة عنصراً فاعلاً في السياسة والاقتصاد والمجتمع لبناء دولة قوية يشارك فيها الجميع بتساوٍ كامل.

عربي بوست
تم النشر: 2016/06/05 الساعة 05:35 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2016/06/05 الساعة 05:35 بتوقيت غرينتش

"عندما تكون في روما، تصرف كأنك منهم". صحيح أن هذا القول لا يمكن أن نطبقه على الكثير من العادات والتقاليد الأوروبية، والتي بغالبيتها مجتمعات غير متدينة وخصوصاً جيل الشباب، وهذه العادات حُرمت في القرآن الكريم نصاً واصطلاحاً..

ولكن هناك عادات وتقاليد أوروبية بل وعالمية لا ترتبط بأذهان المسلمين إلا من خلال منظور الحلال والحرام ومن عدسة الجسد والجنسانية وتأطير المرأة في قالب كأنها مخلوق لا يمكن التعامل معه نداً في العقل والإنتاج والبناء، بل تأطير المرأة في قالب معبر عن دونية المرأة.

كمسلم أحترم ذاتي وأحترم ديانتي وأفتخر بها، أعتقد أن علينا التخلص من الكثير من العادات والتقاليد التي ربطها المجتمع العربي بالديانة الإسلامية وهي مجرد عادات عربية "أصيلة"، ونكنّ لها الاحترام في المجتمعات التي يربطها بهذه العادات تاريخ وروابط وثقافات اجتماعية ممتدة عبر التاريخ، ولكن يجب أن نقبل أن تلك العادات والتقاليد لا يجب أن تطبق على كل المجتمعات وفي كل المجتمعات بما فيها المجتمعات المسلمة غير العربية، والتي ربما لا تقبل بتلك العادات.

يحاول الغرب على مدار العشرات من السنوات جسر الفجوة بين النساء والرجال ومكافحة اللامساوة بين الرجال والنساء في المجتمعات الأوروبية بما فيها إزلة الفوارق، حتى أن اللغة الألمانية أصبحت تحتوي على لقب واحد للنساء والرجال لتثبيت المساواة من خلال اللغة.

ولكن الاسبوع قبل الماضي، أخذت سويسرا خطوة جديدة، ربما تعتبر خطيرة جداً وتتعدى على الحقوق الفردية والجماعية للأقلية المسلمة في سويسرا. قامت مدينة "تيرفل" القريبة من بازل بسن قانون يفرض الغرامة المالية على من لا يلتزم بالتسليم باليدين مع معلميه حسب عادات المدينة، والتي تفرض التسليم باليدين مع جميع الطلاب عند دخول الفصل. ولكن طالبين امتنعا عن التسليم باليدين على معلمتهما بحجة المعتقدات الدينية.

المجلس التربوي يقول إن الاندماج والمساواة بين الجنسين أهم من الحرية الدينية. هذه المدينة والتي يتمتع أهلها بقدرتهم على سن قوانين تشاركية مع بعضهم بعضاً للمصحلة العامة فرضت عادة وثقافة التسليم باليدين للتقريب بين الطالب والمدرس. في البلاد الإسلامية هناك أعراف وتقاليد وربما أيضاً عناصر دينية تدخل في تحريم أو كراهة التسليم على المرأة باليدين. هل لو قال الطلاب إننا لا نسلم باليدين على الجنسين سيتقبل الأمر المجتمع والمدينة؟ نعم.

المقارنة هنا أن المسلمين قادمون لدولة أوروبية يحكمها القانون العام وقانون الشعب وليس القانون العرفي المستمد من الدين أو التقاليد. عندما يأتي اللاجئ المسلم هارباً من بلاده لا يمكن بالتأكيد حرمانه من حرية ممارسة شعائرة الدينية ولا أحد يستطيع منعه من ذلك بتاتاً، سواء بقانون أو غير قانون..

ولكن عندما يتعلق الأمر بقانون عام وعادات وتقاليد أوروبية، على المسلم اللاجئ أن يتقيد بقوانين تلك الدول التي وقع عقداً معها. عندما يوقع المسلم وغير المسلم على حصوله على الجنسية أو الإقامة الدائمة في أي دولة أوروبية فهو يوقع على "عقد أمان" من منظور إسلامي. هذا العقد يضمن له الحرية الدينية وحرية ممارسة الشعائر الدينية مع الالتزام الكامل بالقوانين الوضعية التي قبل بها ووقع عقداً رضائياً على كل بنودها بما فيها الالتزام بالقيم المجتمعية والسياسية والاقتصادية.

من ضمن هذه القوانين والتي يشدد عليها القانون الأوروبي بشكل خاص هو المساوة بين الجنسين وعدم إظهار أو التلفظ بأي كلمة من الممكن أن تساهم في توسيع الفجوة بين الجنسين أو إظهار المرأة بأنها أقل من الرجل. إن عدم التسليم باليدين أو لبس البرقع تحت عباءة الحرية الدينية وإظهار شعيرة (كلتاهما ليستا شعيرتين دينيتين) يسبب خرقاً للقانون العام الذي وضتعه وقررته الأغلبية في تلك المجتمعات. على المسلمين أن يلتزموا بتلك القوانين وأن يمارسوا شعائرهم الدينية وأن يندمجوا في المجتمع عبر المنصة الديمقراطية.

التحشيد وإقناع الاغلبية بأن هذا القانون هو مجحف وغير مقبول، ومن ثم تغييره ديمقراطياً هو الحل الوحيد. أما الاحتجاج بأن ذلك انتهاك للحرية الدينية وخرق للتعددية هو كلام ربما نوافق عليه إذا كان الهدف منه تهجير العائلات المسلمة من تلك المدينة.

إن الاندماج لا يعني الانصهار وإنما الاندماج السياسي، لتكون الأقليات المسلمة عنصراً فاعلاً في السياسة والاقتصاد والمجتمع لبناء دولة قوية يشارك فيها الجميع بتساوٍ كامل. أما الانعزال والتشبث بعادات وتقاليد أو حتى عناصر دينية غير جوهرية وليست من روح الإسلام سيدعو إلى التضييق على المسلمين ويؤخر اندماجهم في المجتمعات، وربما يؤدي إلى ازدياد التطرف اليميني والنازي في أوروبا بشكل كبير.

أما القضية الأخرى التي يجب الوقوف عندها هي قضية الكتب الدراسية في الجامعات العربية، وخصوصاً تلك التي تحرض على الآخرين وتتهمهم بالكفر ويجب محاربتهم. إن التحريض الديني لا يقل حجماً ونوعاً عن إرهاب داعش الفكري الذي يدعو للتغير بقوة السلاح والقتل. ومثال على ذلك كتاب الأستاذ صالح الرقب، "واقعنا المعاصر والغزو الفكري" والذي يُدرس في الجامعة الإسلامية في غزة كمتطلب جامعي لكل الطلاب بكافة التخصصات. إن الكتاب هو تحريضي بحت بل يدعو للقتل علناً ويمتلئ بالحجج الواهية وكان هناك مؤامرة كونية على الإسلام وخصوصاً اختصار الإسلام بفكر الإخوان المسلمين..

ومما جاء في الكتاب على سبيل المثال، "المعتقدات اليهودية والنصرانية والوثنية والمجتمعات الرأسمالية والشيوعية، بأنها جاهلية، وأن مسؤولية المسلم الصحيح هي أن يمحو هذه الجاهلية بنور الحقيقة التي يمتلكها وحده". كيف يمكن لكتاب في جامعة عريقة أن يدرس لجميع الطلاب. وفي تعقيب صحفي بعد سؤاله عن النص، رداً على الصحفي خالد كريزم قائلاً، "طبعاً، أصحاب العقائد الأخرى جهلة، هل تريد منا كمسلمين أن نقول إنهم على حق، عقيدتنا أنهم جاهليون والأنعام (الحيوانات) أفضل منهم". هذا مثال على تكفير المليارات من المنتمين للديانات الأخرى، ولكن الأدهي هو فتوته ورأيه في تكفير المسلمين من يهاجرون للبلاد الأوروبية، والتي يسميها "بلاد الكفر" فيدعوهم للعودة إلى بلاد الإسلام .

إن معضلة المسلمين اليوم ليست في داعش والفكر الداعشي، ولكن فيما يمد داعش فكرياً ويهيأ لها الأجواء الفكرية عبر الجامعات والمؤسسات العربية والإسلامية وخصوصاً الأكاديمية منها. على ما يبدو أننا لسنا بحاجة الآن لمراجعة التاريخ والتراث الفكري الإسلامي، بل نحن بحاجة عاجلة لمراجعة ما يكتبه الأكاديميون، وما يدرسه طلابنا الجامعيون من كتب تُفرِّغهم من إنسانيتهم وتقبلهم للآخر.

وعطفاً على النقطة الأخيرة، أتمنى من الجامعة الإسلامية في غزة أن تقف موقفاً جدياً في إلغاء هذا المقرر الجامعي وتحويل ذلك الكتاب لسلة المهملات. ماذا ستقول الجامعة الإسلامية للمانحين الأوروبيين الذين مولوا الجامعة ومشاريعها بملايين الدولارات خلال العشرين سنة الماضية؟

ملحوظة:

التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

تحميل المزيد