التفريط بالأرض.. سابقة في الاستبداد

نحن نمر بكوارث حقيقية مدمرة ولا مفر لنا إلا بالتكتل ضد كل هذا العبث والتخريب والتداعي لإنقاذ مصر وشعبها ومؤسساتها والتخلي عن خلافاتنا العدمية وتسليم حكم البلاد لهيئة حكم انتقالي تعمل على أساس مؤسسي جامع لفترة انتقالية محددة يتم خلالها إعداد البلاد لحكم دولة العدل والقانون والمؤسسات والشفافية، القادرة على حماية الكرامة والحريات والحقوق وتحديث الجيش وتقويته وتعزيز قدراته وجاهزيته في الآن نفسه كما حدث في حالات كثيرة.

عربي بوست
تم النشر: 2016/06/27 الساعة 04:22 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2016/06/27 الساعة 04:22 بتوقيت غرينتش

أحداث ما قبل الحكم الذي صدر لصالح مصرية جزيرتي تيران وصنافير كانت تشير إلى أن مصر تحكم بنظام يمثل ردة كاملة على كل ما قامت من أجله ثورة 25 يناير 2011. خطورة هذا النظام متعددة الأوجه أهمها على الإطلاق ما أحدثه النظام من تقسيم مجتمعي لم تشهده مصر من قبل حتى صار في كل بيت تقريبا فريقان متخاصمان يرى كل طرف أن الطرف الثاني غير وطني. هذه أكبر جريمة تزييف لوعي المصريين في تاريخهم المعاصر.

هذا ناهيك عن انتهاكات حقوق الإنسان الجسيمة والتي تضم قتل الآلاف واعتقال وفصل وتشريد عشرات الآلاف. هذه الانتهاكات لن تمر مر الكرام وستظل معنا لعقود قادمة مجتمعيا وسياسيا وحقوقيا والإستخفاف بها ضرب من ضروب الجنون.

وناهيك أيضا عن السيطرة على مؤسسات الدولة وتوظيفها في صراع سياسي عدمي، وعلى رأسها مؤسسات الجيش والقضاء والجامعات والأزهر والكنيسة والجهاز الإداري للدولة. وهذه المشكلة أيضا ستظل معنا لسنوات طويلة وسندفع كلنا ثمن كل هذا التخريب.

وهناك جرائم أخرى ستبقى معنا أيضا وستدفع أجيال قادمة ثمنا باهضا منها حماية المفسدين وسارقي المال العام وقتلة المتظاهرين، وإغراق البلاد في سلسلة من الديون، وإهدار المليارات في مشروعات كبرى بلا دراسات جدوى حقيقية، وصفقات السلاح التي تمت بالمليارت دون أدنى قدر من الرقابة أو الشفافية أو حتى معرفة لمن ستوجه هذه الأسلحة في ظل التحالفات الأمنية العميقة التي تتم مع دولة الإحتلال الصهيوني.

كثير من أنظمة الحكم المطلق والشمولي ارتكبت جرائم مشابهة وكانت النتائج كارثية: حرب أهلية أو غزو خارجي أو تقسيم الدولة أو على الأقل استمرار الدولة كدولة فاشلة تعاني من مشكلات متعددة ولا حل لها.

لكن لم نسمع عن نظام تسلطي أو شمولي أو مطلق أو عسكري أو فردي أو بوليسي أو نظام حزب أوحد أو نظام حزب مسيطر أو أي نظام دكتاتوري مستبد من أي نوع يتنازل عن أرضه ويجند نفسه من أجل إثبات عدم ملكيته لها.

ما يحدث عادة هو أن الاستبداد في الداخل يقترن في حالات كثيرة بالتوسع في الخارج كما فعل هتلر وموسيليني وصدام والقذافي وآخرون أو يصحبه حروب خارجية مع الدول المجاورة للسيطرة على أراض متنازع عليها.

لكن ما حدث عندنا أمر غير مسبوق فالنظام المطلق أعلن فجأة عن التنازل عن الجزيرتين اللتين لهما أهمية استراتيجية بالنسبة لمصر مقابل بضعة مليارات من الدولارات باسم اتفاقية رسم الحدود بين مصر والسعودية.

ثم هو اليوم يتحدى حكم قضائي ببطلان التنازل عن هذه الأرض، وتطعن ست مؤسسات من داخل النظام على الحكم، منها مجلس النواب الذي من المفترض في الحالات الطبيعية أن يقر أو يرفض الاتفاقيات التي تبرمها السلطة التنفيذية.

فقد نشرت الصحف أن "المستشار رفيق عمر الشريف نائب رئيس هيئة قضايا الدولة، بصفته وكيلا عن رئيس الجمهورية، ورئيس مجلس الوزاراء، ورئيس مجلس النواب، ووزير الدفاع، ووزير الخارجية، والداخلية، بصفتهم أقام طعنا أمام المحكمة الإدارية العليا، بإلغاء الحكم الصادر من محكمة القضاء الإدارى ببطلان توقيع اتفاقية ترسيم الحدود البحرية بين مصر والسعودية…".

لا أعرف لماذا تم الطعن باسم هؤلاء جميعا فقد كان يكفي واحد منهم مثلا. شيء في غاية العجب فعلا ولكن قد يكون له تفسيرات عدة ليس من المهم عموما الوقوف عندها الآن.

وبالأمس نشر الناشط الحقوقي والمحامي خالد علي وثيقة مسربة وصفها بالسرية والكارثية تثبت أن النظام بدأ عن طريق الحكومة في إعدام جميع الخرائط والوثائق التي تثبت مصرية جزيرتي "تيران و صنافير" بزعم أنها خرائط غير سليمة!! إذا ثبتت صحة هذا الكلام فنحن بلا شك أمام كارثة تزييف كبرى لا تقل أبدا عن تزييف وعي المصريين وشيطنة ثورة يناير والإنقضاض عليها بحجة الحفاظ على الأمن والإستقرار.

موقف مجموعة المثقفين الموالين للنظام الآكلين على كل الموائد موقف في غاية الغزي، فقد شبّه أحدهم مصرية الجزيرتين بالإحتلال وأن احتفاظ مصر بهما يعني ضرورة عودة احتلال "إسرائيل" لطابا! هذا ناهيك عن أن هناك أصوات متعددة بدأت تتحدث عن ما أسموه "الإشتراك في السيادة" (تيران لمصر وصنافير للسعودية) أو عن "التحكيم الدولي"!

هذه القضية ليست قضية داخلية فقط والبعد الإقليم والدولي لا يزال غامضا ومستورا، ولا أعتقد أن القضية مجرد بيع جزيرتين مقابل بضعة مليارات يستفيد منها مجموعة من المنتفعين. ربما هذه مصلحة جانبية لكن الإتفاق الذي عرفه المصريون فجأة على أنه ترسيم للحدود المشتركة بين الدولتين الشقيقتين تم نتيجة "إتفاق رباعي" بين مصر والسعودية و"إسرائيل" وأمريكا كما أعلن المسؤولون الإسرائيليون بعد أيام معدودة من الإعلان عن اتفاقية رسم الحدود بالقاهرة، ولم يعلق أي مسؤول مصري أو سعودي على ما أعلنه الإسرائيليون.

فهل لهذا الإتفاق الرباعي علاقة بما يدور في المنطقة وما يسمى الحرب على الإرهاب؟ وهل له علاقة بالحروب التي تشتعل في المنطقة والتي يتم فيها تقسيم المنطقة على أسس مذهبية مدمرة؟ وهل له علاقة بصفقات التسليح التي تمت وعملية العسكرة التي تتم بالمنطقة كلها؟ وما علاقة هذا بالتصريحات المتكررة والدراسات المتعددة التي تصدر من المسؤولين والباحثين الإسرائيليين من أنهم لن يواجهوا جيوشا نظامية بعد اليوم؟ وكأن هناك مخطط تم اعتماده وجاري تنفيذه بإدخال جيوش مصر والسعودية وإيران وتركيا والأردن في حروب لن تخرج منها؟ هذه الجيوش بالطبع ليست في حالة عداء مع دولة الإحتلال لكن حديث الإسرائيليين يشير دوما إلى أن المنطقة لن يكون بها جيوش نظامية في الأساس.


نحن نمر بكوارث حقيقية مدمرة ولا مفر لنا إلا بالتكتل ضد كل هذا العبث والتخريب والتداعي لإنقاذ مصر وشعبها ومؤسساتها والتخلي عن خلافاتنا العدمية وتسليم حكم البلاد لهيئة حكم انتقالي تعمل على أساس مؤسسي جامع لفترة انتقالية محددة يتم خلالها إعداد البلاد لحكم دولة العدل والقانون والمؤسسات والشفافية، القادرة على حماية الكرامة والحريات والحقوق وتحديث الجيش وتقويته وتعزيز قدراته وجاهزيته في الآن نفسه كما حدث في حالات كثيرة.

هذه التدوينة نشرت على موقع البديل للاطلاع على النسخة الأصلية يرجى الضغط هنا

ملحوظة:

التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

علامات:
تحميل المزيد