بين فترة وأخرى تتصاعد حدة التنكيل بعِرقية الروهينغا المسلمة في إقليم "أراكان" غربي ميانمار، وكل موجة من القتل يوازيها حملة تنديد أممية وحقوقية وإسلامية، لكن لم يفلح التنديد في وقف الإبادة، فالقتل حتى الآن هو المنتصر، وإراقة الدماء مقدمة على حياة الأبرياء، الذين يُقتّلون في حضرة السلام، لكن السلام الحاضر هنا لم يزِد على كونه مجرد جائزة.
صورة متناقضة تتناغم مع تناقض كل مكوناتها، ففي وسط ضجيج حمّى القتل، تعالت أصوات في بعض وسائل الإعلام العربية، لم تدعُ إلى حماية حق الحياة، وإنما كانت تحصر القصة فقط في كونها صراعاً عرقياً، أملاً في منع حتى مجرد التعاطف مع الضحية، وهو ادعاء لا شكَّ مغلوط يقدم الصورة على غير حقيقتها، فإبادة الروهينغا في دوافعها عرقية وسياسية ودينية.
لكن هذا التناقض يتضاءل إلى حد كبير بجوار حالة "أونج سان سوتشي" مستشارة الدولة في ميانمار ووزيرة خارجيتها، وهي التي عانت كثيراً في سبيل أفكارها الداعية للديمقراطية، وخضعت للإقامة الجبرية بعد انتخابات 1991، والتي فازت فيها حركة "الرابطة الوطنية من أجل الديمقراطية" بزعامة سوتشي، لكن الجيش لم يعترف آنذاك بنتائج هذه الانتخابات.
وظلت "سوتشي" على أفكارها حتى بدأت رياح التغيير تهب شيئاً فشيئاً على ميانمار وصولاً إلى الانتخابات التعددية التي أجريت في نوفمبر/تشرين الثاني 2015، وفاز بها حزب "الرابطة الوطنية من أجل الديمقراطية"، ولأول مرة سمح لـ"سوتشي" بأن تشق طريقها إلى إدارة الدولة، لكن زواجها من أجنبي حال دون ترشحها للرئاسة، فتولت منصب مستشارة الدولة ووزيرة خارجيتها.
مع صعود "سوتشي" كانت الآمال معقودة عليها لتحقيق السلام في إقليم أراكان، ورد ولو جزء من الحقوق لعِرقية الروهينغا التي تم تجريدها من الجنسية، لكن هذا لم يحدث ولم تشِر في خطاباتها إلى معاناة الروهينغا، حتى مع موجة الإبادة الأخيرة التي بدأت في 25 أغسطس/آب 2017، أو تلك التي سبقتها في 9 أكتوبر/تشرين الأول 2016، بل التزمت الصمت، وهو ما تسبب في انتقادها كثيراً، حتى إن صحيفة "واشنطن بوست" في افتتاحية عددها الصادر بتاريخ 1 سبتمبر/أيلول الماضي، خصصته لسؤال "سوتشي": متى ستتحدثين علناً ضد العنف والمعاناة في بورما؟، حتى عندما تحدثت تنكرت لإبادة الروهينغا وقالت: "إن بلادها تواجه جبلاً من التضليل".
في عام 2012 ألقت "سوتشي" خطاباً أمام لجنة جائزة "نوبل" للسلام بمناسبة تسلّمها للجائزة، أي بعد 21 عاماً من منحها إياها والتي حصلت عليها عام 1991، وما أخّر تسلّمها هو خضوعها للإقامة الجبرية، كلمة "سوتشي" تركزت حول السلام والمساواة، حتى إن من بين كلماتها:
"يجب أن يكون هدفنا هو: خلق عالم خالٍ من النازحين والمشرّدين واليائسين"، لكن ليس هذا مطلقاً العالم الذي يعيشه الروهينغا، فهل تنصّلت "سوتشي" لأفكارها؟ أم أن السلام الذي تقصده لا يشمل الروهينغا؟
ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هاف بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.