التطورات العسكريّة في الأيام الأخيرة بين المنتصرين على داعش في كركوك وسهل نينوى وسنجار تكشف خللاً هائلاً في استراتيجية التحالف الدولي وحكومتَي بغداد وأربيل لمرحلة (ما بعد داعش)، ولا بدَّ من السعي للمراجعة قبل فوات الأوان.
بعد أن تعاظمت قوة الفصائل غير النظامية المحاربة لداعش، وبروز دورها في عمليات التحرير، وأيضاً بروز الإنهاك والاستنزاف الحادين على قوات النظامية، بدأت تظهر ملامح صراع المنتصرين من أجل تعزيز السلطات وتقاسم الثروات.
في العامين الماضيين بدأ الصراع يشتد سياسياً وإعلامياً بين بغداد وأربيل، وبغداد وكركوك، وأربيل والسليمانية، وبين حلفاء بغداد وحلفاء وكردستان، وبين بارزاني والنخبة الكرديّة النافذة الموالية لإيران، أحياناً كانت هناك نزاعات مسلحة مؤقتة بين فصائل الحشد والبيشمركة، كما حدث في جلولاء وطوزخورماتو، وما حصل ويحصل في سهل نينوى.
ومع تنامي عمليات التحرير وتقهقر وحدات داعش، انقسمت كل المكونات القريبة من المناطق المتنازع عليها من حيث الولاء بين بغداد وكردستان، العرب السنة والكاكائية والإيزيدية والمسيحيين والشبك والتركمان، وكل قسم يشكو من الآخر، وأيضاً هذا الانقسام قد يصل إلى ولاء الجيش والأجهزة الأمنية، التحالف الدولي قد يميل إلى وضع قوة برية كبيرة في تلك المناطق المتنازع عليها لفرض الأمن بعيداً عن سياسة قبول قانون المنتصر كأمر واقع.
بغداد لا تمتلك الإرادة القوية لفرض القانون بالقوة، فهي تعتمد على سياسة إدخال السفارات المسيطرة على القرار في العراق لحل تلك الأزمات.
وأما قادة كردستان فهم أشد وضوحاً في المطالبة، وقادتهم قد صرحوا بأن الحدود ترسمها دماء المحررين، وأن كل وحدة إدارية لا بدَّ أن يتم استفتاء شعبها لتقرير مصيرها الجغرافي والسياسي.
الحرب القادمة على الديموغرافية السياسية والاقتصادية في المناطق المحررة ليست فك الارتباط بين كردستان والمركز، بل بين المسلحين النظاميين وغير النظاميين فتتحول الحرب إلى صراع بين الحكومات ومتمردين.
جزء من خطة ترامب للقضاء على داعش في العراق هي حملات إعلامية بالضد من مواقعهم الإلكترونية وإظهار حجمهم الحقيقي، فتاوى دينية سنية بالاستعانة بعلماء العراق والسعودية ومصر والأردن، تسليح وتدريب العرب السنة في نينوى وصلاح الدين والأنبار؛ حيث تم تجهيز معسكرات لهم في أربيل وفايدة وسبايكر والحبانية وعين الأسد.
بعض العشائر السنية العربية منطوية على نفسها داخل خوفها من المستقبل، رافضة لأي نوع من التقارب مع حكومة العبادي أو حتى التعاون مع خطة ترامب، فهي ما زالت تختبئ في كهوف الخوف من الحرب الطائفيّة.. لَقَد غرقت مدن السنة بالدم والقتل والمجازر والحروب والانفجارات وانهيار البنى التحتية.
المواطن خصوصاً يدفع اليوم ثمن غض البصر عن عدم التعاون مع الأجهزة الأمنية في التبليغ عن الحالات الإرهابية، خاصة تلك التي تخدم الجماعات التي توظف الفكر التكفيري لفرض مناهجها.. الفساد المالي والإداري الذي أباد البنى التحتية للوزارات الحكومية، يعتبر أكبر أسباب ظهور التنظيمات المتطرّفة، والذي غيَّب شعور المواطن بالوطن وأظهر اللامبالاة.
الخوف من صراع المنتصرين في مرحلة ما بعد داعش أحد أهم الأسباب التي تواجه عودة النازحين، وأوجه الشبه بين كرة القدم وقرارات السّياسيين كثيرة ومنها: "رغم الوعود تأتي النتائج معاكسة"، ما يحدث من صراع في سهل نينوى وفي جنوب كركوك وفي سنجار بداية قد لا تكون لها نهاية منطقية أو قانونية.
ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.