وأخيراً، يتوافد آخر المقاتلين والمدنيين الرابضين في حلب نحو الحدود التركية، حيث يتم اختبار إحدى النقاط الرئيسية في سياسة أنقرة على مدار الحرب التي استغرقت نحو 6 سنوات.
يتم نقل الناجين من تحت الأنقاض إلى شمال المدينة في إطار اتفاق مبرم بين تركيا وروسيا، من المفترض أن يتم بموجبه توفير المأوى لهم بعيداً عن مواقع القتال المتواصل.
ومن المزمع أن يؤدي ذلك التطور إلى توفير الملاذ الآمن الذي طالما سعت تركيا إليه كوسيلة لحماية المدنيين. ومع ذلك، فقد تغيرت رؤية أنقرة لنتيجة الحرب النهائية إلى حد كبير على مدار الأشهر الثمانية الماضية. وتحول الدعم الكبير الذي تقدمه تركيا لمعارضي نظام الأسد إلى خطوات مباشرة للمساعدة في إنهاء الحرب، بدلاً من العمل على استمرار القتال، بحسب تقرير لصحيفة الغارديان البريطانية.
"أقل أمانا"
ومع تراجع داعميهم، يجد المقهورون في حلب أنفسهم مثل بيادق بلعبة السلطة، ربما يعني ذلك أن مأواهم الجديد سيصبح أقل أماناً بعض الشيء من ملاذهم السابق. وسوف يتقرر مصيرهم الآن من خلال الديناميكيات الإقليمية التي تتغير باستمرار، والتي أدّت إلى أن تمكّنت روسيا، وهي أحد أشد حلفاء الأسد، من وضع تركيا، أحد أبرز داعمي سكان حلب، في موضع المُتحكم في مصيرهم.
وقد تم إبرام اتفاق إجلاء المحتجزين شرق حلب في أنقرة مع المسؤولين الروس والأتراك وزعماء المعارضة اليائسين، الذين أدركوا أنهم قد خسروا المعركة. ومن الناحية الظاهرية، كان الأمر يتعلق بالشروط التي أراد اثنان من الأطراف الثلاثة –المعارضة ومن يوفرون لها الحماية–إقرارها. أمّا روسيا، فلم تكُن تُحبذ وجود منطقة خارج نطاق قصفها الجوي، وأصرت على أن يسلك المقاتلون مساراً ويسلك المدنيون آخر.
تم تحقيق مطالب موسكو بعد الهجوم الخاطف على شرق حلب الخاضعة لسيطرة المعارضة، مما اضطر زعماء المعارضة إلى الجلوس إلى مائدة المفاوضات. وفي حال تنفيذ الخطة –وهو أمر غير مضمون؛ نظرا للاحتكاكات المتواصلة بين الميليشيات الشيعية والقوات السورية التي لم تشارك في المحادثات– سوف يواجه المدنيون والمقاتلون المتبقون رحلة بالغة الخطورة.
ويذكر المسؤولون الأتراك أن الاتفاق يتمثل في إرسال النازحين كافة نحو الغرب إلى مدينة إدلب، وهي المدينة السورية الأخيرة التي لم تخضع بعد لسيطرة النظام –باستثناء مدينة الرقة الخاضعة لسيطرة تنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش). وهناك، سينضم اللاجئون الجدد إلى المجموعة المعروفة باسم جبهة فتح الإسلام وغيرها من المنظمات التي تسيطر على المنطقة المجاورة خلال السنوات الأربع الماضية. وتعد توقعات النظام بسيطرة الجهاديين على قوات المعارضة صحيحة في ذلك الجزء من سوريا وسوف يستغل المسؤولون السوريون والروس ذلك في وضع مجموعات المعارضة كلها في سلة واحدة.
ولن يتم السماح لبعض النازحين بالرحيل نحو إحدى مناطق شمال شرقي سوريا، التي تسيطر عليها القوات التركية منذ منتصف شهر أغسطس/آب، إلا بعد عملية فحص لم تتحدد شروطها بعد. وهناك ستقام في النهاية منطقة آمنة تدعمها تركيا، وهي نتيجة تُعد أقل طموحاً بكثير مما تصوره القادة الأتراك في بداية الأمر.
ويتعين حالياً على جماعات المعارضة التي كانت تركيا تدعمها بالسلاح أن تثبت استحقاقها لدخول المنطقة الآمنة؛ وهو تراجع كبير في ظل تغير ديناميات السياسة التركية خلال الشهور الأخيرة، مع اقتراب نهاية الصراع في حلب.
ومع سقوط المدينة، يكثف الجيش التركي طاقاته على توفير ملاذ آمن بمساحة 60 ميلاً فيما بين مدينتي إرفين وجرابلس الحدوديتين – ليس للاجئين؛ بل لمنع دخول الأكراد والوجود على امتداد الحدود البالغ طولها 500 ميل مع سوريا.
ويمكن أن يصبح نطاق النفوذ هذا لصالح بعض هؤلاء الوافدين من حلب. ومع ذلك، فمع توقع انتقال نحو 80 ألف لاجئ في القريب العاجل، فإن مكان وكيفية إيوائهم لا يمثلا أهمية قصوى في الوقت الحالي.
التقارب الروسي التركي
جاء تغير السياسة التركية في أعقاب التقارب مع موسكو بعد توتر دام 6 شهور جراء إسقاط تركيا إحدى الطائرات الحربية الروسية. ومنذ أن أعرب الرئيس أردوغان عن أسفه للرئيس الروسي فلاديمير بوتين، أصبح كلا الطرفين يرى الحرب من المنظور نفسه، وخاصة فيما يتعلق بوجهة النظر الروسية بشأن ضرورة ألا يستغل الأكراد في شمال شرقي سوريا الحرب لصالح طموحاتهم الإقليمية.
وكانت النتيجة مدمرة للمعارضة السورية، التي فقدت قاعدة دعمها تدريجياً. وكانت الولايات المتحدة الأميركية أول المتراجعين في دعمها، الذي كان فاتراً منذ البداية. وفقد السعوديون، الذين أدت إمداداتهم بالقذائف المضادة للدبابات للمعارضة إلى التدخل الروسي، اهتمامهم بمجريات الأمور بحلب في أواخر العام الماضي. ومع ذلك، كان الموقف التركي هو العنصر الأكثر حسماً.
والآن، سيصبح أسلوب التعامل التركي مع اللاجئين الوافدين من شرق حلب أساساً في تشكيل إرثها في سوريا.
– هذا الموضوع مترجم عن صحيفة The Guardian البريطانية. للاطلاع على المادة الأصلية، اضغط هنا.