في الثاني عشر من ربيع الأول من عام الفيل، أبصرت البشريةُ النورَ بمولد الهادي أحمد، قرة العين ومهجة الفؤاد.
في هذه الذكرى العظيمة نستعرض مسيرة إنسان عظيم لم تعرف البشرية مثلَه أبداً رحمةً وصدقاً وعدلاً، تستوقفك في هذه السيرة العظيمة العامرة بالمحبة والحرص على الدعوة إلى الله، وتحقيق الخير للناس مهما كان دينهم، فكم لاقى سيدنا محمد (صلى الله عليه وسلم) من أصناف العذاب واحتملها في سبيل إخراج الناس من الظلمات إلى النور؛ لتصل حدود دعوته إلى مشارق الأرض ومغاربها، تطرقها حاملة الخير الوفير، وتضيئها بأنوار التوحيد.
في هذه السيرة تقف عند مدينة محبة لسيدنا محمد اسمها القدس، هذه الهاربة من مكان ما، ولكنها ليست من الدنيا، فعندما زُرتها أول ما نظرت في المسجد الأقصى إلى السماء المطلة عليه، أحببت أن أرى السماء التي عُرج به إليها، هذه السماء العامرة بالأنبياء وباعتبارها جزءاً من حادثة الإسراء والمعراج، فإذا بها دانية حانية، وكأنها تقول إن نامت عنك العيون فإنك (بأعيننا).
وعندما ترى الأقصى تشعر بالحزن والعطف، شعور لا تحس به في الكعبة أو المسجد النبوي، تشعر كأنك تنظر إلى يتيم تشفق عليه صادقاً، تتذكره مرة وتنساه مرات.
نعود إلى القدس، فعندما أغلقت قريش أبوابها ورفضت القبائل دعوة سيدنا محمد، كانت القدس تفتح أبواب سمائها باباً تلو الآخر، مرحّبة بالقادم العظيم النبي العربي الذي أكرم العرب خاصة، والمسلمين عامة، بوصوله إلى سدرة المنتهى، المكان الذي لم يصله ملك مقرّب أو نبي مرسَل، فقط سيدنا محمد (صلى الله عليه وسلم)، وهي ذات المدينة التي بسطت أرضها؛ ليصلي الرسول عليها إماماً بالأنبياء راضين به، طائعين له وهم خيرة البشر -عليهم السلام- مقرين بفضله ومكانته عند الخالق عز وجل، وذهب بعض المسلمين إلى اعتبار الرسول في هذه الحادثة هو أول رائد فضاء، وعندما كنت أقرأ موسوعة فرنسية عن الفضاء، فكان السؤال عن كيفية انتقاء رائد الفضاء، فتجيب الموسوعة: (إن الانتقاء عملية شديدة الصرامة، فالأطباء وعلماء النفس يبحثون عن تلك الجوهرة النادرة التي ستنجح في الاختبارات الأولى، وأنهم يجب أن يبرعوا في مجالات متعددة؛ لأنه يستحيل إرسال كتيبة من الخبراء إلى الفضاء، فيتولى واحد عمل فريق).
سبحان الله! هذه الأسس يضعها البشر لرائد فضاء سيزور القمر، فأي جوهرة أنت يا سيدي يا رسول الله اختارها الله أن تصل إلى سدرة المنتهى، وأن تكون قاب قوسين أو أدنى من الخالق عز وجل، وأن يرى من آيات الله؟!
والجميل أن العلم سخَّر نفسه لخدمة صدق معجزات الرسول (صلى الله عليه وسلم)، فأذكر أنني أرسلت معايدة بواسطة الهاتف الخلوي لصديقتي في مصر، وأنني تلقيت معايدة مثلها منها كله في أقل من نصف دقيقة، هذه السرعة من صنع الإنسان، فكيف بالذي يقول للشيء كن فيكون؟!
فمن يتأمل ذلك يرى أن الإسراء والمعراج نستطيع بالعلم الحديث إدراكه بسهولة وتفسير وقوعه، وفي مجال آخر أثبتت النظريات الحديثة أن الأشجار تحزن ولها صوت أنين، وهذا ما حدث بالجذع الذي بكى الرسول، والبكاء لا يكون إلا عليك، فمن لنا غيرك يا شفيعنا؟!
غادرت يا سيدي يا رسول الله مكة إلى سماء القدس وعدتَ وفراشك لا يزال دافئاً، ورحلت إلى الرفيق الأعلى ولا تزال الدنيا دافئة ما دامت المآذن يرتفع فيها صوت المنادي قائلاً: أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله.
ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هاف بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.